يمر العديد من الأشخاص من خلال حياتهم اليومية بظروف ومواقف تعكس ما يريده وما خطط له، ويحدث معها قلق وأزمة نفسية نتيجة الفشل وعدم الرضا الذاتي للمواقف أو الظروف اليومية التي يعيشها لذلك يلجأ إلى إخفاء المتاعب أو ما يسمى «الكبت» وتحميل مسؤولية فشله للآخرين. وأكد مختصان في علم النفس ل«عكاظ»، أن المشاعر التي تراود عدد من الأشخاص بين الحين والآخر لها طاقة قوية تحتاج إلى تصريف جيد حتى لا تخزن في الجسم وتسبب له ضررا نفسيا وجسديا بحيث تجعله يعيش في حالة من اختلال التوازن وعدم الاستقرار، وفقدان التحكم بمجريات الحياة، إضافة إلى التأثير السلبي على صحة الإنسان، إذ يصبح أكثر عرضة للتأثر بالعديد من الأمراض. وكشفت باحثة الدكتوراه في الإرشاد النفسي والمحاضرة في قسم علم النفس بجامعة الملك عبدالعزيز خلود ناصر بأن الكثير من الأشخاص يرفضون التعبير عن مشاعرهم أو لا يفضلون الحديث عن متاعبهم والصعاب التي يخوضونها خلال رحلة حياتهم، إذ إن ذلك يعتبر من قبيل ضعف الشخصية وهشاشتها وعدم القدرة على التحمل، مضيفةً بأنه ربما ترد إلى ذهنه بعض الأفكار غير المنطقية مثل «كيف سينظر إلي الناس وأنا أشكي همي وحزني؟ ما الصورة التي سأبدو عليها وأنا أفضفض لغيري؟ وربما أيضا نكون قد وقعنا ضحية ثقافتنا وبيئتنا التي ربتنا على كبح العواطف والمشاعر وطالبتنا بوقف البكاء واصفة إيانا «لا تكون مثل الطفل، خلك رجال». تصريف الطاقة واعتبرت خلود أن الرجل الذي يقمع رغبته في البكاء لديه علامة فارقة للقوة والشجاعة لأن يكون مستقلا، وأوضحت أن هذه المشاعر التي تراودنا بين الحين والآخر لها طاقة قوية تحتاج إلى تصريف جيد حتى لا تخزن في الجسم وتسبب له أعظم الضرر النفسي والجسدي وتجعله يعيش في حالة من اختلال التوازن وعدم الاستقرار، وفقدان التحكم بمجريات الحياة، بالإضافة إلى التأثير السلبي على صحة الإنسان، إذ يصبح أكثر عرضة للتأثر بالعديد من الأمراض عندما يعتاد على كتم مشاعره نظرا لعدم وجود مخرج شعوري لها، مما يضع الجسم في حالة من التوتر والضغط. تأثيرات الكبت وأشارت خلود إلى أن من هذه الأمراض بعض الاضطرابات الهضمية والصداع النصفي وبعض حالات الأكزيما والحساسية الجلدية ومشكلات الأرق، لدرجة أن كتم المشاعر والأحاسيس ربما يسبب تفاقم المناطق المجروحة في الجسم ولا يسمح بشفائها بسرعة. وبعد أن أدركنا الكم الهائل من الآثار السلبية المترتبة على كتم التعبير عن المتاعب والمشاعر وكيف أنها تحرمنا من لذة الحياة، لنتخذ قرارنا بأن نكون أكثر وعيا وتلامسا مع مشاعرنا، نسمح لأنفسنا بتجربة مشاعرنا دون الحكم عليها، ومعايشتنا لها تساعدنا على إنشاء علاقة أكثر عمقا مع ذاتنا وأكثر تقديرا لمشاعر غيرنا. وطالبت خلود بالتعبير عن المشاعر، وفتح الأبواب الموصدة أمامها، وذلك بالفضفضة لمن يرتاح له الشخص، وكسر حواجز الصمت المزعج، حتى يكون للحياة طعم آخر. «الكبت».. إخفاء «المتاعب»من جهته، أفاد الأخصائي النفسي سلطان عساكر الرشيدي بأن الكبت هو أحد العمليات العقلية التي تحول الشعور إلى اللاشعور والوعي إلى اللاوعي، ويلجأ إليه الأشخاص بهدف استبعاد الأفكار غير المقبولة ومواقف الفشل وعدم الاعتراف بالخطأ وذلك بهدف نسيانها وإنكار وجودها وهنا يحدث العكس تماماً.أضرار الكبتأوضح الرشيدي بأنه عندما يلجأ الشخص إلى كبت المشاعر والمواقف المؤلمة وإنكار وجودها دون حل أو مواجهة فإنه أشبه بصنع قنبلة مؤقتة تؤدي به إلى أمرض عضوية ونفسية وسلوكية يلحق ضررها على المجتمع وتصنع الشخصيات السيكوباتية «المعادية للمجتمع».أسباب الكبت وطرق العلاجبين الرشيدي أنه عندما يلجأ الشخص إلى الكبت كونه إحدى آليات الدفاع الوقائية بهدف الحفاظ على التوازن النفسي ومعالجة الخطأ وتحمل المسؤولية والبوح عن مشاعرنا وإحساسنا تجاه من حولنا فهذا أمر طبيعي، لكن اللجوء إلى الكبت لإخفاء المشاعر والإحساس وإنكار الواقع والفشل فهذا أمر غير طبيعي. وأضاف بأن من أسباب الكبت في المجتمع العربي كونه الأكثر انتشاراً هو رفض المجتمع لبكاء الرجل منذ نعومة أظفاره، وكثيراً ما نسمع كلمة «الرجل لا يبكي»، وكأنه إنسان مجرد من المشاعر، وهذا أحد أسباب كبت المشاعر التي تؤذي النفس. «العلاج والوقاية» كشف الرشيدي أن معظم الأشخاص الذين يلجأون إلى الطب النفسي لا يعلمون السبب الرئيسي وراء متاعبهم النفسية والعضوية وأنها نتيجة كبتهم لمشاعرهم وإخفاء أحاسيسهم وإنكارهم للمواقف المؤلمة مما تسبب بتراكمها باللاشعور وعدم الوعي بها نتيجة إهمالها وتحويلها للعقل اللاشعوري. وبين الرشيدي أن أولى خطوات العلاج النفسي هي إتاحة الفرصة للمريض بأن يبوح ويفصح عن مشاعره الداخلية ومتاعبه النفسية وذكرياته المؤلمة ومواقفه التي مر بها ويُعطى حرية التحدث والتنفيس الانفعالي وإخراج الكبت وإظهاره ووضع الحلول والخطط العلاجية المناسبة، كما يجب على الشخص إظهار مشاعره والبوح بها ووضع الحلول ومشاركتها مع الآخرين وتحمل المسؤوليات وعدم خداع النفس بإنكار وجود المشكلات أو الأفكار، كما ننصح بالتنفيس الانفعالي والاسترخاء، أو زيارة الأخصائي النفسي لطلب المساعدة.