يواجه الاقتصاد العالمي عدداً من المخاطر التي قد تؤثر على النمو الاقتصادي والاستقرار المالي، وتشمل هذه المخاطر التطورات الاقتصادية، والجيوسياسية، والبيئية، والتكنولوجية. فعلى الرغم من التحسن المتوقع في النمو العالمي إلا أن بعض الاقتصادات الكبرى قد تواجه تباطؤا اقتصادياً بسبب مخاطر عدم انخفاض التضخم وفقًا للتوقعات وانعكاس ذلك على بقاء أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول من المتوقع وهو ما ينعكس على ارتفاع تكاليف الاقتراض وتدفقات رؤوس الأموال من دولة إلى أخرى، مما يؤدي إلى تباطؤ الاستثمارات، بحسب البيان التمهيدي للميزانية العامة للدولة للعام المالي 2025م، الصادر أخيراً. ويؤدي استمرار حالة عدم اليقين المحيطة بمستويات التضخم، إلى تباطؤ وتيرة تيسير السياسة النقدية من قبل البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة. كما أن تزايد التوترات الجيوسياسية والتجارية قد يؤدي إلى عدم الاستقرار في الأسواق العالمية، مما يسهم في زيادة الضغوط على الأسعار وإحداث اضطرابات في سلاسل الإمداد، إضافة إلى أن زيادة التهديدات السيبرانية والهجمات الإلكترونية عالميا يهدد البنية التحتية الحيوية ويعرض البيانات الحساسة للخطر. ويتأثر الاقتصاد المحلي بشكل كبير بتطورات الاقتصاد العالمي، حيث يمكن أن تؤدي المخاطر المشار إليها إلى زيادة التوقعات بشأن احتمالية تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي مما ينعكس سلبا على الطلب العالمي ويؤدي إلى انخفاض أسعار البترول. وعلى جانب العرض، قد تؤثر التطورات الجيوسياسية على مستويات الإنتاج ووفرة المعروض. كذلك قد تتأثر الأنشطة غير النفطية نتيجة للضغوطات على الأسعار وعلى سلاسل الإمداد؛ كما أن استمرار أسعار الفائدة الأمريكية مرتفعة - في حال لم يتم الخفض حسب المستوى المتوقع - سيؤثر على أسعار الفائدة المحلية في المملكة، ويؤثر على سلوك المستثمرين والمستهلكين وكذلك على حركة السياحة داخل المملكة. السياسة المالية التوسعية وتجدر الإشارة إلى أن السياسة المالية التوسعية أسهمت في الحد من آثار ارتفاع أسعار الفائدة على القطاع الخاص والأفراد؛ فقد مكّنت زيادة التوظيف من الحد من انخفاض القروض الاستهلاكية، كما ساهم التوسع في المشاريع الرأسمالية في نمو الائتمان الممنوح للقطاع الخاص، كما واصلت المملكة جهودها في تعزيز مرونة الاقتصاد ليتجاوز العديد من التحديات في السنوات الماضية، واتضح أثر ذلك على معدلات التضخم حيث استقرت عند مستويات مقبولة نسبياً مقارنة بدول العالم، وأسهمت الإصلاحات الهيكلية في تطور ميزان المدفوعات حيث سجل إجمالي الصادرات غير النفطية نموا سنويا بمعدل 65 ٪ خلال النصف الأول من عام 2024، مقارنة بالفترة المماثلة من عام 2016م. إضافة إلى زيادة الواردات من السلع الوسيطة والرأسمالية التي تعد عاملا مؤثرا في العملية الإنتاجية. ومن المتوقع أن ينعكس ذلك على الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، إضافة إلى إسهام نشاط السياحة وارتفاع صافي التدفقات الداخلة من أنشطة السياحة في ميزان المدفوعات. والجدير بالذكر أن التوسع في الإنفاق الحكومي الإستراتيجي والاستمرار في عمليات الاقتراض حسب توجهات المملكة الإستراتيجية وفقًا لرؤية السعودية 2030 سيسهم في دعم نمو الأنشطة غير النفطية على المدى المتوسط والطويل. ومن جانب آخر، تتسم المالية العامة بالمرونة والقدرة على مواجهة الضغوطات في حال دعت الحاجة على المدى المتوسط والطويل. وحيث إن الاقتصاد السعودي جزء لا يتجزأ من الاقتصاد العالمي فإنه يتأثر بالتطورات العالمية كأي اقتصاد آخر؛ مما يستدعي توفر حيز مالي كافِ يساعد على مواجهة تلك الصدمات؛ لذلك عملت المملكة على التخطيط المالي طويل المدى الذي يساهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي ودعم النمو المستدام، وخلق بيئة استثمارية جاذبة للمستثمرين، مما يعزز التنمية الاقتصادية على المدى المتوسط والطويل. كما تستهدف السياسة المالية المحافظة على المركز المالي للمملكة وتحقيق الاستدامة المالية عبر المحافظة على مستويات آمنة من الاحتياطيات الحكومية وكذلك المحافظة على الدين العام ضمن معدلات مقبولة؛ لتعزيز قدرتها على التعامل مع الصدمات المختلفة. وفي ضوء التطورات العالمية والمحلية المشار إليها، تم العمل على عدة سيناريوهات للإيرادات أخذً ا في الاعتبار التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي والمخاطر الجيوسياسية، إذ تساهم التقديرات المستخدمة في تعزيز قدرة الحكومة للتعامل مع أي من هذه السيناريوهات وبناء مساحة مالية تتسم بالمرونة. وفي تطورات الاقتصاد العالمي، يشهد الاقتصاد العالمي تعافيا ولكنه في الوقت ذاته ينمو بوتيرة متباطئة بأقل من مستوياته التاريخية؛ وذلك نتيجة استمرار حالة عدم اليقين التي ما زالت مسيطرة على أجواء الاقتصاد العالمي منذ بداية العام 2022م؛ ويعود ذلك إلى عدد من التحديات الرئيسة المتمثلة في تشديد السياسة النقدية من قبل معظم البنوك المركزية، وخاصة في الدول المتقدمة؛ بهدف احتواء معدلات التضخم المرتفعة التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة في الكثير من دول العالم وسط الارتفاع في مستويات الدين العالمي وتكاليفه، إلى جانب استمرار المخاطر الجيوسياسية. ويأتي قرار الفيدرالي الأمريكي مؤخرا بخفض سعر الفائدة 50 نقطة أساس كداعم لهذا التعافي الذي قد بدأ يشهده الاقتصاد العالمي ويعزز نموه على المدى المتوسط. ووفقًا لتقرير آفاق الاقتصاد العالمي لشهر يوليو 2024م يتوقع صندوق النقد الدولي أن يحقق الاقتصاد العالمي نموا لعامي 2024م و2025م بنحو 3.2 ٪ و3.3 ٪ على التوالي، مقارنة ب3.3 ٪ في عام 2023م. ويتوقع الصندوق خلال العام 2024 تحقيق نمو في اقتصادات الدول المتقدمة مماثل للعام 2023 عند 1.7 ٪، مع تحسن طفيف للنمو في العام 2025م عند 1.8 % إضافة إلى تحسن النمو في اقتصادات منطقة اليورو ليصل إلى 0.9 ٪ في عام 2024 و1.5 ٪ لعام 2025 مقارنة ب0.5 ٪ للعام 2023. بينما ما تزال التوقعات تشير إلى استقرار النمو في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية عند 4.3 ٪ لعامي 2024م و2025م مقارنة بنمو 4.4 ٪ المتحقق في عام 2023م. أما وفق تقديرات البنك الدولي، فإن الاقتصاد العالمي يتجه نحو الاستقرار بعد تباطؤه لثلاث سنوات متتالية؛ ساهم في ذلك تراجع معدل التضخم إلي أدنى مستوى له في ثلاث سنوات، وتحسن الظروف المالية. حيث أشار البنك الدولي في تقريره عن الاقتصاد العالمي الصادر في يونيو 2024 إلى أنه من المتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي في 2024 عند 2.6 ٪ وعند 2.7 ٪ للعام 2025، ولا يزال استمرار تقييد السياسة القدية، وكذلك المخاطر الجيوسياسية يقيد النمو العالمي ليعود إلى مستوياته التاريخية. وفي معدلات التضخم، من المتوقع تراجع معدلات التضخم العالمي في المدى القريب، حيث تشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى تراجع معدل التضخم العالمي من 6.7 ٪ في 2023 ليصل إلى 5.9 ٪ لعام 2024 وإلى 4.4 ٪ لعام 2025م. كما يتوقع صندوق النقد الدولي تراجع معدل التضخم بنحو 1.9 نقطة مئوية في اقتصادات الدول المتقدمة للعام 2024 ليبلغ 2.7 % مقارنة بالعام 2023، مع تراجع في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية خلال الأعوام (2025-2024). وفي أسواق البترول، ارتفع متوسط أسعار العقود الآجلة لخام برنت للفترة منذ بداية 2024 وحتى شهر أغسطس بنسبة 3 ٪ مقارنة بالفترة المماثلة من العام السابق. حيث سجل متوسط الفترة من يناير وحتى نهاية أغسطس للعام الحالي حوالي 83 دولارا للبرميل، وهناك عوامل ساعدت في ارتفاع متوسط أسعار البترول خلال النصف الأول من العام أهمها قيام بعض دول أوبك+ ومنها المملكة بخفض طوعي إضافي، مع استمرار نمو الطلب العالمي على البترول. ودعما لاستقرار أسواق البترول العالمية وتوازنها من خلال الجهود الاحترازية اتفقت دول أوبك+ بقيادة المملكة على اتفاق جديد لتحديد مستويات الإنتاج لعام 2025، يبدأ في الأول من يناير وحتى نهاية شهر ديسمبر من العام نفسه. كما قامت عدد من دول أوبك+ (المملكة العربية السعودية، وروسيا، والعراق، والإمارات، والكويت، وكازاخستان، والجزائر، وعمان) بتمديد الخفض الطوعي وتشمل تمديد الخفض الذي أعلن عنه في شهر أبريل 2023، والبالغ 1,65 مليون برميل يوميا من مستوى الإنتاج المطلوب في الاتفاق، حتى نهاية شهر ديسمبر 2025. بالإضافة إلى تمديد الخفض الإضافي الذي أعلن عنه في شهر نوفمبر من عام 2023م، والبالغ 2.2 مليون برميل يوميا حتى نهاية شهر نوفمبر من 2024، على أن يتم إعادة كميات هذا الخفض، تدريجيا، على أساس شهري، حتى نهاية نوفمبر 2025، بهدف دعم استقرار السوق، علما بأنه يمكن إيقاف هذه الزيادة الشهرية، أو عكسها، وفقًا لمستجدات السوق. واصلت المملكة جهودها في تعزيز مرونة الاقتصاد ليتجاوز العديد من التحديات