بالرغم من حالة عدم اليقين التي مرت بها الأسواق العالمية هذا العام في ظل الأحداث الجيوسياسية والمخاوف الاقتصادية وتشديد السياسات النقدية لكبح جماح التضخم حول العالم، فقد اتسم سوق البترول بالاستقرار مقارنة بأسواق الطاقة الأخرى كالغاز الطبيعي والفحم والكهرباء، حيث أسهم اتفاق أوبك+ في دعم استقرار أسواق البترول بشكل خاص، وموازنة العرض مع التعافي المتدرج للطلب العالمي على البترول بعد انحسار جائحة كورونا. جاء ذلك في تقرير من 29 صفحة الصادر عن وزارة المالية متضمن البيان التمهيدي للميزانية العامة للدولة للعام المالي 2023. وذكر التقرير وفيما يخص أسواق البترول، فقد ارتفع متوسط أسعار العقود الآجلة لخام برنت منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية شهر أغسطس من نفس العام بنسبة 55% ليسجل حوالي 104.04 دولار للبرميل مقابل 67.07 دولار للبرميل خلال نفس الفترة من العام السابق. كما سجلت أسعار العقود الآجلة لخام برنت خلال العام 2022 أعلى مستوياتها منذ يوليو 2008، ليصل سعر الإغلاق إلى 127,98 دولار للبرميل في 8 مارس 2022. وفيما يتعلق بالإمدادات فقد ارتفع متوسط إنتاج المملكة منذ بداية العام 2022 حتى نهاية شهر أغسطس بنسبة 20% ليصل إلى حوالي 10.5 مليون برميل يومياً، وبارتفاع مقداره 1.8 مليون برميل يومياً مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، ويعزى ذلك الارتفاع إلى الجهود المبذولة التي قدمتها اتفاقية أوبك+ لدعم استقرار الأسواق وكفاءة أدائها لمصلحة المشاركين في السوق والصناعة البترولية. وذكر البيان وبحسب التقرير الشهري لأسواق البترول الصادر عن منظمة أوبك في أغسطس 2022، من المتوقع أن يسجل الطلب العالمي على البترول لعام 2022 نمواً بنحو 3.1 مليون برميل يوميا مقارنة بالعام السابق ليصل إلى 100.03 مليون برميل يوميا. ومن المتوقع نمو الطلب العالمي على البترول لعام 2023 بنحو 2.7 مليون برميل يوميا ليصل إلى 102.72 مليون برميل يوميا. فيما يذكر أن حصة الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تشكل النسبة الأكبر من النمو لعام 2023م، بما يعادل 2.1 مليون برميل يومياً، ويعزو التقرير ذلك الارتفاع إلى التعافي الاقتصادي في تلك الدول وارتفاع الطلب على الوقود في قطاع النقل والصناعة والبتروكيميائيات. وقالت وزارة المالية انها تصدر هذا البيان كأحد عناصر سياسة الحكومة في تطوير منهجية إعداد الميزانية العامة ووضعها في إطار مالي واقتصادي شامل على المدى المتوسط، وتعزيز الشفافية والإفصاح المالي. ويهدف هذا البيان إلى اطلاع المواطنين والمهتمين والمحللين على أهم التطورات الاقتصادية المحلية والدولية والتي تؤثر على إعداد ميزانية العام القادم، وأهم المؤشرات المالية والاقتصادية لعام 2023م والمدى المتوسط. كما يستعرض البيان أهم الاستراتيجيات والمشاريع المخطط تنفيذها خلال العام المالي القادم والمدى المتوسط في إطار مستهدفات رؤية المملكة 2030. وفي استعراضه لأهم المستهدفات المالية والمؤشرات الاقتصادية في العام 2023م والمدى المتوسط، ذكر البيان انه وبعد انحسار آثار الجائحة على الاقتصاد العالمي العام الماضي، شهد عام 2022 العديد من التطورات التي أثرت على نمو الاقتصاد العالمي من تبعات الجائحة، إذ يتوقع تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي في العام الحالي نتيجة لتراجع النشاط الاقتصادي للدول المتقدمة والدول الصاعدة والنامية وفي مقدمتها الولاياتالمتحدة والصين؛ ويعود ذلك بشكل رئيس إلى التداعيات الجيوسياسية والتي انعكست بشكل خاص على ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة مما ساهم في دفع معدلات التضخم للارتفاع بشكل كبير لدى العديد من دول العالم. كما صاحب ذلك تشديد للسياسة النقدية من قبل البنوك المركزية مما حد من وتيرة نمو الاقتصاد العالمي؛ الأمر الذي دفع صندوق النقد الدولي في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي لشهر يوليو 2022 إلى تخفيض توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي لتصل النسبة إلى 3.2% في 2022 و2.9% في عام 2023، وذلك بانخفاض عن تقديراته السابقة في شهر أبريل الماضي بمقدار 0.4 و0.7 نقطة مئوية لعامي 2022م و2023 على التوالي، كما خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو الاقتصادي في اقتصادات الدول المتقدمة بنحو 0.8 و1.0 نقطة مئوية عند 2.5% و1.4% للعام الحالي والمقبل على التوالي. في حين تُشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى ارتفاع معدل التضخم العالمي ليصل إلى 8.3% لعام 2022، كما يتوقع أن يصل معدل التضخم نحو 6.6% في اقتصادات الدول المتقدمة و9.5% في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية لعام 2022. كما أشار البنك الدولي في تقريره عن الاقتصاد العالمي الصادر في يونيو 2022م إلى أن الجائحة ستستمر على الأرجح في الحد من الأنشطة الاقتصادية في المدى القريب. إضافة إلى التباطؤ الملحوظ في الاقتصادات المتقدمة ومنها الواليات المتحدة والأسواق الصاعدة كالصين، والتي ستؤثر على الطلب الخارجي في اقتصادات الأسواق الصاعدة والدول النامية. كما أشار إلى أن استمرار تعطل سلاسل الإمداد، وارتفاع مستويات التضخم، وانعكاس التحديات الجيوسياسية على أسواق الطاقة ستؤدي إلى المزيد من التباطؤ في نمو الاقتصاد العالمي، مع توصيته ّ بضرورة الاستجابة القوية والفعالة على صعيد سياسات الاقتصاد الكلي والسياسات الهيكلية على المستويين العالمي والمحلي. قوة ومتانة الاقتصاد وفي تطورات الاقتصاد المحلي، ذكر التقرير، وبالرغم من المخاوف والأزمات التي يشهدها العالم والتحديات المصاحبة لها وتأثيرها على تباطؤ الاقتصاد العالمي متأثرة بتزايد الضغوط التضخمية الناجمة عن تداعيات جائحة كورونا والتوترات الجيوسياسية والتي ألقت بظلالها سلبا على سلاسل الإمداد العالمية، إلا أن قوة ومتانة الاقتصاد السعودي مكنت المملكة من مواجهة هذه الأزمات، حيث كان التراجع في معدلات النمو أثناء الجائحة محدودا مقارنة بدول العالم خلال عام 2020. تلى ذلك تحقيق معدل نمو إيجابي بلغ 3.2% خلال العام 2021، ومعدلات نمو مرتفعة خلال النصف الأول من عام 2022 هي الأعلى منذ ما يزيد عن 10 أعوام، ومع توقع الاستمرار في تحقيق معدلات نمو إيجابية في مختلف الأنشطة الاقتصادية وذلك بفضل التدابير التي اتخذتها الحكومة من دعم وتعزيز النشاط الاقتصادي، وتخفيف الأعباء المعيشية من خلال سياسات وإجراءات لاحتواء معدلات التضخم العالمية كتحديد سقف أسعار البنزين بالإضافة إلى ضمان وفرة المنتجات الغذائية في الأسواق المحلية التي ساهمت في خلق نوع من اليقين والطمأنينة لدى المواطنين، وزيادة الاعتمادات لبرامج الحماية الاجتماعية، مع المواصلة في الوقت نفسه في تنفيذ خطط ومبادرات تحقيق رؤية المملكة 2030. على ضوء ذلك، من المتوقع استمرار المحافظة على معدلات إيجابية مرتفعة للنمو الاقتصادي خال عام 2023م وعلى المدى المتوسط، من خلال عاملين رئيسيين للنمو الاقتصادي هما الاستثمار والاستهلاك، وذلك انعكاسا للجهود القائمة في العديد من الإصلاحات الهيكلية والاستراتيجيات القطاعية ضمن رؤية المملكة 2030. وبالنظر إلى توقعات كامل عام 2022م، فمن المتوقع أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نموا بنسبة 8.0% في عام 2022، مدعوما بنمو كل من الناتج المحلي لأنشطة النفطية وكذلك الناتج المحلي للأنشطة غير النفطية، الذي من المتوقع أن يحقق نموا بمعدل 9,5% في ظل الأداء الإيجابي للمؤشرات الاقتصادية خلال النصف الأول من العام. ويقود هذا النمو نشاط تجارة الجملة والتجزئة والمطاعم والفنادق مدفوعا بقرار رفع الإجراءات الاحترازية المتعلقة بالجائحة وزيادة الطاقة الاستيعابية للأنشطة الاقتصادية، بما في ذلك موسم الحج والعمرة ومواسم السعودية، التي انعكست إيجابا على معدلات الاستهلاك الخاص خصوصاً بعد زيادة معدلات الحجاج والمعتمرين. كما يتوقع نمو نشاط الصناعات التحويلية مدفوعا بالنمو في عدد المصانع التي بدأت في الإنتاج منذ بداية العام حتى شهر يونيو من العام الحالي بحوالي 721 مصنعا بإجمالي استثمارات بلغت 19.1 مليار ريال حسب بيانات وزارة الصناعة والثروة المعدنية؛ مما ساهم في نمو الصادرات السلعية غير النفطية حتى الربع الثاني من عام 2022 بنسبة 43% مقارنة بعام 2021م. وفي المقابل فإن الاستثمار الخاص قد حقق خلال النصف الأول من عام 2022 نموا على أساس سنوي بنسبة 21.9% فيما حقق الاستثمار الأجنبي المباشر نموا على أساس سنوي في الربع الأول من العام 2022م بمعدل 9,5% وبلغ عدد الصفقات الاستثمارية المنجزة خلال النصف الأول من عام 2022م 150 صفقة مما سينعكس إيجابيا على الاقتصاد المحلي.