تستكين الأمور لحظة الوداع وتغيب لحظة الغروب، لأن الحياة لا ترنو إلا لهذه الهمسات أو هذه التشنجات العصيبة، فالحياة كمثل إشراقة الشمس وغروبها. فكل يوم نستقبل الشمس بظاهرة جديدة وتغرب عنا بظاهرة مختلفة، فهي تعطينا أملاً ولكنه له بداية وله نهاية. كذلك الإنسان له بداية وله نهاية، والاستثمار يكون على شكل منوال وسطي، فإن لم نستثمر العلم والعمل؛ فسنكبر على نهاية عمرنا آلاف التكبيرات من السخط والملامة المستنفذة من كل شيء. أو كما قال الإمام الشافعي: من فاتهُ التعليم وقت شبابهِ .. فكبر عليه أربعاً لوفاتهِ. فالشمس أعطت أملاً لنا في حال وجودها وهي تستهلك قوتها لك وأنت إما عامل أو متكاسل متجاهل لا تقدر قدرها وصمتها لك يعبر عن إحساسها إليك. الإنسان لا يغير طبعه إلا في حالة الوقوع بمصائب حينها يدرك خطأه السابق، وما ترمقه عينه من أحداث هي رسائل على شكل جداول حياتية تعبر عن صيرورة قديمة يتذكر كيف كان وكيف صار الآن. لكن بعض البشر يستمر على نفس منهجه وخطئه لا يغير عقليته، يظن أن الاستمرار على نفس الموال سيصل به إلى نتيجة ختامية سعيدة، ربما هذا الأسلوب ينجح مع البعض ولكن عند الأكثرية مُحال ذلك، كمثال بسيط تاجر يبيع بضاعة من الأقمشة؛ لكن لا زبائن لديه، وهو مُصر على نفس الصنف، يذهب شهر تلو الشهر لا بل أعوام ولا يجني الربح، فجأةً فكر بتغيير الأسلوب لا المشروع؛ كأن يختار مكاناً مناسباً أو أقمشة حديثة، فهذا التاجر نشير إليه من البعض الذين ينجحون، فلو غير مشروعه لربما خابت حياته. تغيير الأسلوب: هو من أنجح الأمور، أما التخبط بلا تخطيط حتمًا يؤدي إلى الإفلاس. قد يغير هذا التاجر مشروعه من بيع الأقمشة إلى التجارة بالعقارات وقد ينجح وقد يفشل، ولكن يكمن الأمر بالحدس والطاقة الكامنة في نفس التاجر. هناك عقل باطن ويطلق عليه (اللاشعور)، وهناك نفس كامنة ولها حدسها. وإني أرجح العمل بكليهما، وهي صالحة لكل إنسان ولا تقتصر على أحد بل صالحة لكل إنسان يتسرب التفكير إليه وتتعبه الهواجس بالوصول إلى المستحيل، ذلك هو الفوز العظيم. ونحن معشر الكتاب لا نكتب إلا بهاتين الحالتين المذكورتين أنفًا، فنحن نقرأ الكتب ونختزنها بعقلنا الباطن، وبعد فترة تتهيأ للنضوج وتخرج إلى الورق (شاشة الحاسب الآلي) على هيئة نص. ولكن السؤال يقبع كامناً، ما الدوافع الكتابية؟ فالجواب هو، قوة النفس الكامنة التي شاءت أن تدفع ذلك المخزون الإبداعي بذاكرة العقل الباطن. قوة النفس: قوة لا يستهان بها فهي تدفع المياه الراكدة في عقلك المغمور إلى مياه متحركة من الأفكار العميقة، لو كل إنسان استثمر تلك الطاقة لأنتج المادة الفكرية الإبداعية، حينها تبدأ رحلته بالنجاح تلو النجاح.