يعتبر تصوير حياة الشارع ناقلاً حقيقياً لثقافات المدن، وللعادات، وللتقاليد وحتى للعلاقات الإنسانية، فهو يشير إلى الاختلاف بين الشعوب، وبين المدن، وحتى بين الأزقة والحارات، وهو يصف غالبًا الحالات الإنسانية لكل مجتمع، وبالتالي فإن حياة الشارع ترتبط ارتباطًا وثيقًا بعلم الأنثربولوجيا بكل فروعه سواءً الاجتماعية أو الثقافية أو الحيوية، ويعد تصوير الشارع أحد الفنون الفوتوغرافية التوثيقية الجميلة، ويُقال توثيقي لأن المصور في الغالب لا يتحكم في عناصر الصورة بل يختار اللحظة المناسبة للالتقاط، لذا يتطلب تصوير حياة الشارع حالة من الإبداع، وصنع الفكرة أكثر من نوع الكاميرا، وقد يضطر المصور المحترف إلى الوقوف لحظات انتظار طويلة لاقتناص صورة مذهلة في الشارع، ويشير هذا الفن البصري إلى تفاعل الناس مع البيئة من حولهم، حيث تعد الصورة بريداً مرئياً يستطيع المصور ترجمة المشاعر من خلالها، سواءً كانت الصور لأشخاص، أو معمار، أو مهن، أو آثار، أو مشهد متسلسل، ولو نظرنا إلى العلاقة بين الصورة والفنون السردية سواءً الرواية أو القصة أو المقالة أو الخاطرة، سنجد أن هناك علاقة وثيقة وعميقة جدًا، لأن السرد وتحديدًا السرد الروائي يحتاج إلى وصف للأحداث والمدن والعادات وثقافة المجتمعات، وبذلك فإن الشارع يُعد إحدى السبل الذهبية للوصول إلى القارئ، وتعد الصور بكل مشاعرها المختلفة داعمة للرواية، وذلك لأن الحياة اليومية التي نشهدها في الشارع تسهم في تطور الشخصيات والأحداث، وتنقل لنا أيضًا مفارقات الحياة الاعتيادية من المواقف والمواقيت وكل الطقوس الملازمة لليوم، فمن الممكن مصادفة مشهد واقعي مرتبط بالحدث الروائي والذي يحفز الكاتب على حياكة التفاصيل، لذا قد نقول إن الصورة هي المفتاح الوصفي للسرد الذي لا يختزل المشهد بل يقوم بإيصاله بشكل مختلف ومتنوع وبديع، والصورة بالعموم تكون ممتلئة بالأحداث التي تجسد مشاعر معينة، فتساعد كثيرًا على الوصف لأنها حقيقية في الغالب، فالألوان والملامح والتفاصيل كلها تساعد على إيصال الصورة الذهنية. ويلعب تصوير الشارع دورًا كبيرًا في جعل الرواية أكثر واقعية وحيوية، فعندما يتداخل مع السرد يجد القارئ أنه داخل واقعه، حيث إن الصور المأخوذة في الشارع تعد جزءًا من قصص بصرية معبرة عن حياة المدن التي تحاكي حياة الشعوب، وبالتالي تساعد في توجيه التفاصيل والوصف في الرواية. نجوى العمري