في ظل الأجواء العبقة والمستنيرة إلى ظلال القمر والمزهوة بالآمال والشجن، فنفسك شريدةٌ طريدة تهوى السعادة والعنفوان، وكل شيء تجد فيها الرحابة والسعة والدعة، فحين تقف في مسائك وترى الأنجمَ زاهيةً من فوقكَ وهذه السماء المحيطة من حولك واللحظات المنتظمة في كل واحدة منها تعني الكلمة وما فيها من خبرٍ قد يسرك وقد يحزنكَ وما بين السرور والحزن قلقٌ من الحياة ومن ألوانها المتعددة. للحياة ألف معنى، وفي كل معنى نبأ يخبرك قبل وقوع الأشياء إن أدركتها فذاك، وإن تجاهلتها فولول على نفسك. فكأس المنايا أسبابُها وإن في الرزايا صولتها وإن في الهوى العذري مقاصده، فاختر لنفسك منها لعلك أن تميد أو تتخذ لك موضعًا حَسَنًا. فالحقيقة كل الحقيقة مثل الشمس المنيرة إذا نظرت من أحداقها تجانست نحو الأنظار نحو الينبوع الواحد تتماثل مشخصة بين الآراء لا تتوانى ولا تتراجع بشمائلها الواضحة. لأنها كلمة والكلمة أوقع من كل شيء ( قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا) فهي البدء والمنتهى جمعتْ الأضداد وأعدلت بين الناس فهي المنطق في فلسفتها لأنها مشتقة من الرحمة الكبرى ذلك المد الإلهي النيرفاني من صمديته. فكل إنسانٍ سبقت كلمته وجوده، في البدء كانت الكلمة والكلمة كانت من الله (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) تكون الحياة وتمضي الطبيعة من محركها الأوحد الذي أخرجها من فتورها وسكونها، فالأرجاء من حولك في حركةٍ دائمة ونشاطٍ مستمر، فالشجرة هي الشجرة لا حجرًا ترى والقمر هو القمر لا نجمًا ترمقه؛ تحسبها ساكنة ولكنها في فلكها تدور (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) فكل شيء في هذا الملكوت دائرته الخاصة ومحيطه الذي يتحرك فيه. هي قوانين ونواميس مددٌ من كلمات ربي. أبسط رداءك في كل لحظةٍ تعيشها هي أنت، وهي الكلمة وهي المنطق وهي الصورة، والجوهر هو عقلك الروحاني ذلك الوحي المتصل بعالمهِ المثالي هو من ينبئك عن كل نبأ يخصك يستنطقك في كل آنيةٍ يرمقك كرميةِ سهمٍ من رامٍ، فالجدير بها هو من يعيشها ويستلذُ بها سعيدًا حكيمًا في تجلّيهِ. والذي لا يدرك تجلّيه ويصّمُ الكلمة عن مسامعه؛ يوشك السيف يقطعهُ ويعيش في وحلٍ لا أنسَ يؤنسهُ ولا الصبح يصبحهُ وفي كل وادٍ لحظته تجشمه. إن إنسان هذا العصر يوشك أن يهلك نفسه بنفسه؛ عبر الحروب المفتعلة والدسائس ضد أخيه الإنسان، ليس كل الحروب نتائجها صالحة لتقدم نتيجةً ما؛ طالما توجد أسلحة فتاكة ومرعبة ومخيفة، ماهي إلا إنذارٌ لإبادة الجنس البشري. لنتأمل منذُ الآن ونستيقظ لإنقاذ الكوكب من الفناء. فالكلمة التي أضعناها وابتعدنا عن شواطئها هي روح الأشياء وطبيعتها؛ هي الضمير في القلوب؛ فإن مات هذا الضمير مات كل شيء في الوجود.