تلعب المستحدثات في الشأن الاتصالي الدور الأبرز في تغيير التلقّي الإعلامي لدى المجتمعات والتي تشمل الجانبين الفكري والسلوكي. إن فرصة وصول الرسالة الإعلامية لم تعد تواجه مسارات سالكة وسلسة بل أصبحت تتعرض لعوامل تشويش عدة متعلقة بالتقنية وعوامل أخرى محاطة بالعنصر البشري ليتجدد ظهور النموذج الاتصالي لدى شانون وويفر الذي تم الإعلان عنه منتصف القرن الماضي حينما تمت إضافة عنصر التشويش باعتباره مؤثراً بالغاً يعرقل من سير العملية الاتصالية. إن أهم ما يعيق الرسائل الإعلامية والاتصالية في الساحة المحلية وحتى الدولية هو توهج خاصية الفردانية وتعظيم دورها في التأثير على بقية المتلقين. قادة الرأي لم يعودوا محصورين في فئة معينة تشكلّهم وسائل الإعلام، كما أنهم لم يعودوا الوحيدين في المشهد لخلق الرأي العام وتوجيهه في منصات التواصل الاجتماعي. إن العوامل المتمثلة في قدرة الأشخاص في التعليق على محتوى ومواد الوسائل والمؤسسات الإعلامية بحسب الخلفية الثقافية والتي تشجع أحياناً على انهيار السياق، ومعالجة الأحداث من جديد باستحضار مواد أرشيفية سابقة، وتجنيد الجماعات، والخاصية الإعلانية المتوفرة والخوارزميات وغيرها من المؤثرات، أصبحت كلها تسهم بشكل أو بآخر في التشويش على وصول الرسالة من جهة وعلى استيعابها بحسب ما كانت تنوي الوسائل الإعلامية من جهة أخرى. بالرغم من تعقيدات المشهد وسط توسع الحسابات الإخبارية، إلا أن الفرصة مازالت قائمة للوسائل الإعلامية لتفادي انهيار السياق عبر التسويق الفعال للمحتوى وإعادته بأساليب مختلفة، وليس فقط من خلال استثمار خصائص الترويج المتاحة بنفس الطريقة في كل مرة. إن فرصة تكرار نشر المحتوى بأكثر من صيغة لخدمة فكرة واحدة لا يمكنه أن يعزز من مضاعفة الانتشار فقط بل إنه لا يتيح للمتلقي الحرية بشكل كامل في اختيار أكثر من زاوية لتفسير ما يجري. كما أن الغرض في أن يجعل المتلقي في أن يفكر ب»كيف» بدلاً عن ماذا. ومع الاتجاه لتكثيف هذا النهج، فإنه من الضروري الابتعاد عن النغمة العاطفية الحادة في خلق المحتوى لأن مثل هذا الشكل في ساحة الاتصال الدولي لا يمكنه الذهاب بعيداً واختراق الحدود الجغرافية، باعتبار أنه يشجع فكرة الهجوم بدلاً من الإقناع عند الأطراف المتلقية للرسالة. أيضاً يعد التمسك بخط أحادي متحيز واضح في الطرح الإعلامي والثبات عليه بشكل ممنهج ومستمر من الأمور التي تؤدي إلى تكوين صورة ذهنية عن الوسيلة، مما يؤثر على عملية التلقي لأي رسالة وانخفاض فرصة الإقناع. كذلك عملية نشر المحتوى كردة للفعل في كل مرة لا يجدي نفعاً بالضرورة لأن صدى الهجوم عادة هو الأقوى. والأمر الأخير هو الشروع في خلق أذرع إعلامية ثانوية بأسماء أخرى والأهم كونها محترفة من أجل قدرتها على المساندة وجذب جمهور مختلف أملاً في المحاولة على إبقاء السردية المرادة من قبل وسائل الإعلام لدى المجتمعات. إن الجمهور العام في المشهد العالمي مايزال مستعداً بعض الشيء لاستقبال الرسائل لكن ذلك لا يعتمد على هوية الوسيلة الإعلامية وتاريخها فقط بل بالكيفية التي ستتم من خلال خلق تلك الرسائل والطرق التي ستتبعها.