إن صحافة الذكاء الاصطناعي ستخلق ثورة في صناعة الإعلام، بشقيه المعتدل الصادق، أو الإعلام الكاذب، فلن تكون هناك حدود جغرافية، ولا قانونية، بل سيكون المتلقي أو المتفاعل مع المواد الإعلامية هو الحكم، وهو من يقرر صلاحية أي مادة إعلامية من عدمها، من بعد أن تتراكم عنده الخبرة الكافية.. يردد البعض بأن علينا معشر الصحفيين أن نبحث عن وظيفة أو مهنة أخرى، فقد قطع الذكاء الاصطناعي أرزاقنا، فما مدى صحة تلك المقدمة المقتضبة؟ بداية ما الذكاء الاصطناعي؟ هو علم يهتم بصناعة آلات أو روبوتات مرتبطة بأنظمة حواسيب، يقدم حلولاً ذكية، للعديد من المهام، التي تتطلب التفكير والفهم والسمع والتكلم والحركة بدلاً من الإنسان، وهناك أنواع من الذكاء الاصطناعي، منه الذي يهتم بنظام أو مجال واحد فقط كالألعاب، أو يقترب ليكون في مستوى الذكاء الإنساني، بحيث يمكنه القيام بأعمال ومهام فكرية يقوم بها الإنسان نفسه، أما النوع الثالث فهو ذكاء خارق، يفوق الذكاء البشري. نعود لبدايتنا، حيث يرى الكثيرون أن الذكاء الاصطناعي سيخترق مجال الإعلام بشكل وينطلق بلا حدود، الأمر الذي جعل كبريات المؤسسات الإعلامية العالمية تسارع خطاها لتفعيل فكرة احتضان التقنيات المتقدمة كالذكاء الاصطناعي من أجل الإبقاء على مهنة الإعلام، في زمن باتت التقنية تنافس مجالات عمل بشرية كثيرة، وليس صناعة الإعلام فقط. إن صحافة الذكاء الاصطناعي ستخلق ثورة في صناعة الإعلام، بشقيه المعتدل الصادق، أو الإعلام الكاذب، فلن تكون هناك حدود جغرافية، ولا قانونية، بل سيكون المتلقي أو المتفاعل مع المواد الإعلامية هو الحكم، وهو من يقرر صلاحية أي مادة إعلامية من عدمها، من بعد أن تتراكم عنده الخبرة الكافية، مما يخلق منافسة شرسة بين المؤسسات الإعلامية. إن الذكاء الاصطناعي سيسهل الحصول على المعلومات، ولديه القدرة على اكتشاف الصادق منها والكاذب، وكشف التحايل، بالإضافة إلى الطباعة ثلاثية الأبعاد، وأجهزة تحليل البيانات والخوارزميات المتقدمة، وتقنيات جمع المعلومات، وغيرها من التطبيقات الذكية التي يمكن استثمارها بشكل علمي صحيح. لقد ظهرت في عالم الصحافة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي تقنيات إنتاج مواد صحفية من أخبار وتحليلات اقتصادية وقصص إخبارية، عبر برامج وتقنيات تقوم باستخلاص بيانات هائلة من الأرشيف الرقمي، ثم تقوم بتحريرها وتدقيقها، بل وتوجيه المحتوى تلقائياً إلى جمهور محدد أو أفراد بعينهم. الإعلام بشتى أنواعه وأقنيته أمام تحدٍّ كبير من حيث ضرورة المواكبة لما يحدث على الساحة، حيث تحتاج غرف الأخبار بالتلفزيونات والصحف مثلاً إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي من أجل تطوير أعمالها، وتوفير جهود صحفييها المهدرة على أمور روتينية، لتقوم بها برامج ذكية متطورة، مثلما قامت به وكالة الأنباء الكندية من إنشاء نظام لتسريع الترجمات، يعتمد على الذكاء الاصطناعي، أو نظام يكشف عن الصور المزورة أو المسروقة، كما فعلت وكالة الأنباء الفرنسية. والسؤال، هل يجب أن يتخوف الصحفيون على أرزاقهم؟ أو سيتم تسريحهم؟ أعتقد أنه لن يتم تسريح العاملين بالسهولة التي يتوقعها المتشائمون، وإنما يتم توجيههم نحو القيام بالمهام التي ما زال البشر متفوقين على الذكاء الاصطناعي وبرمجياته وتطبيقاته، أو ما نسميها بالصحافة العميقة، حيث المهام المتعلقة بالحوارات الصحفية الإنسانية أو الصحافة الاستقصائية، التي لم تظهر بعدُ تطبيقات وأنظمة قادرة على تنفيذها حتى الآن، من هنا لن يحل الذكاء الاصطناعي محل البشر، خاصة أن هناك عوامل إنسانية عاطفية لا تستطيع معها الآلة أن تتخطى حدودها وتصل إليها، بل سيكون الذكاء الاصطناعي داعماً في الحصول على المعلومات، وبتطبيقاته يمكن أن يساعد في المستهدف من هذه المادة أو تلك، لذا مازالت الفرصة أمامنا نحن العاملين بالحقل الصحفي أن نطور من أنفسنا لنحافظ على مكانتنا الإنسانية العاطفية الصحفية والإعلامية.