ما الحياة؟ يظن الكثيرون أن الإجابة سهلة، ولكنها في الحقيقة أكثر تعقيدًا مما يتصورون. فالحياة رحلة يقطعها الإنسان ما بين زمانيين غير معروفين له في الأساس وهما زمن الولادة وزمن الموت. وخلال هذه الرحلة يحاول الكثيرون البحث عن المتعة أو كما تسمى فلسفيًا "اللذة"، وهنا تكمن إشكالية عدم السعادة بالنسبة لهم، فكلما وصل أحدهم إلى "اللذة" المبتغاة حينها فإنها ستفقد قيمتها النفعية ليبحث مباشرة عن "لذة" أخرى، وهكذا دواليك. والحكمة تقتضي أن يحاول الإنسان تجنب الألم، لا سيما الألم الذي يحصل بسببه وليس الحاصل بسبب القضاء والقدر.. فحقيقة أن الحياة محفوفة بمصاعب ومتاعب وآلام أكدها الحق تبارك وتعالى في قوله في سورة البلد: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ). وكلما نجح الإنسان في تجنب الألم كلما كان أكثر سعادة حتى وإن لم يحقق اللذة النفعية من وجهة نظره.. لذلك يرى أرسطو أن قمة اللذة هو غياب الألم. وتخلط الكثير من الكتابات الفلسفية التي تعالج موضوع فلسفة الألم بين مجموعتين بشريتين مختلفتين تماما وكلاهما على ارتباط وثيق بالألم: الأولى هم الأفراد الذين لا يوجد ألم في حياتهم، أو فلنقل مَن آلامهم بسيطة مقارنة بغيرهم، والثانية الأفراد الذين يعانون من الألم بشكله السافر.. وفي هذا المقال سأركز على المجموعة الأولى.. فالمتابع للمجتمعات الحديثة يجد أن الإنسان فقد هذه الحقيقة وأصبح عدم وجود الألم في حياته أو قلته (سكون الحياة) من وجهة نظره أمرًا غير مرغوب فيه.. وبمثال بسيط من حياتنا العامة يتضح المقصود.. فكثيرًا ما تسأل شخصًا ما كيف حالك؟ أو ما أخبارك؟ فيكون رده: للأسف لا جديد، أو يقولها بتنهد أو بتعابير وجه تدل على عدم رضاه عن استقرار الحياة وغياب الألم فيها.. وكأن غياب الألم في حياة أحدنا مسألة حق مكتسب ومضمون، بل وغير مرضٍ. ولو قدر لأحدنا التنقيب في قلوب الملايين من الناس، أو زيارة المستشفيات لعرفنا نعمة "غياب الألم". إن تركيزنا على تجنب الألم في حياتنا هو مصدر السعادة الحقيقي، أما وإن وقع الألم حسب القضاء والقدر الذي نؤمن به فإن الإشكالية لا تكون في الألم ذاته الذي يعتبر جزءًا من الحياة البشرية، بل في طريقة التعامل معه.