في سنة 1962م كانت السيدة الإنجليزية فيوليت زوجة المعتمد السياسي المعروف في الكويت ديكسون عائدة من رحلة قصدت بها مرابع الصمان لزيارة بعض معارف زوجها الراحل من البدو وقد اصطحبت معها ابنة أحد هؤلاء المعارف واسمها وضحى بقصد عرضها على أحد الأطباء في الكويت حيث يوجد هناك أحد أشقائها. كان كل شيء قد أعد لرحلة العودة وزودت السيارتين بما تبقى من الوقود وانطلقوا بعد أن ودعوا الأصدقاء بالدموع ورجاء بأن يعودوا عند ما يكثر اللبن والمنتجات الربيعية وقد سلكوا طريقا إلى جرارة (الرفيعة حاليا) وللمعلومية فاسم جرارة في المفهوم العام مأخوذ من جر الجيوش أو انطلاقها للغزو. وقد توقفوا في جرارة كما قالت للحصول على الخبز العربي وعند ما سألوا عنه في أحد الحوانيت قيل لهم إنه لا يصنع هناك وقد جاء صاحب الحانوت البدوي إلى السيارة فتعرف على السيدة فيوليت قائلا: إنها الخاتون أليس كذلك؟ ومن جرارة واصلوا الرحلة إلى وبره وضبيه (الضبعية) ومروا بمارد ماء عليه مضخة حديثة وعنده منزل من غرفتين وذكرت اسم المكان شيفللا ربما قصدت (أم الشفلح) السورية حاليا ولعل هذا من أخطاء مقدم ومراجع كتابها أربعون عاما في الكويت وهو ابن بيئة ومن العارفين بالمنطقة والقريبين منها وكان حري به أن يصحح ويحقق الكثير من أسماء القرى والأماكن مثل البطن (الباطن) وصامودا (ساموده) ونقطة طالع (نقطة المطلاع) عراق رويكب (عرق الرويكب) وضبيه (الضبعية) وريه (الوريعة) والقائمة تطول والذي لم يكلف نفسه البحث عن أسمائها الحقيقية. ولا يفوتنا هنا إلا أن نشكر الأستاذ سلطان بن فهيد الحطاب الجبلي الذي ساعدنا في تصحيح الكثير من أسماء المواقع وبالمناسبة فهو يرجح أن يكون المقصود بشيفللا (مليجة ونطاع) بناء على الوصف. وهو المكان الذي قالت عنه فيوليت (أم سعود) بأنه يوجد فيه مضخة ماء ومنزل من غرفتين مبني بناء جيد وكان هناك أيضا منطقة كبيرة محاطة بأسلاك شائكة ومزروع بالطماطم والباذنجان والبامية والنعناع بالإضافة إلى أشجار الخروع ثم أقاموا خيامهم في مكان قريب من وريه (الوريعة) بين شجيرات الحمض في مكان جبلي ويمر على مقربة منه مجرى ماء (شعيب) وعثروا هناك على آثار أرانب كثيرة وأثر حبارى كبيرة وبعض طرائد البر. وذكرت أن مرافقتها الفتاة المريضة وضحى وجدت عقربا بطيات فراشها في الصباح ساعة الاستيقاظ وفي هدوء شديد رفعتها بغصن عرفج وألقت بها في النار ثم واصلوا رحلتهم إلى الكويت بعد ما قطعوا في رحلة الذهاب والإياب نحو 564 ميلا. تذكر بعد ذلك أنها في هذه الأثناء زارت خيمة صديق قديم يدعى صالح المري ولم يكن صالح موجودا ولكن زوجته جحدة رحبت بها مع بقية النساء وأدخلتها الخيمة وأعدت لها القهوة ولاحظت وجود رجل عجوز بهي الطلعة يجلس بهدوء في مؤخرة الخيمة وكان يبدو غريبا على هذا المكان وأخبروها بأنه مطوع وشخصية شهيرة من قبيلة المناصير. وكان صاحب الخيمة صالح يعاني من صداع شديد قد دعاه من قطر لأنه كان مشهورا بمقدرته على علاج السحر والعين وبعض الأمراض. وكان ذلك المطوع أو المعالج كان يؤدي بعض الطقوس المعروفة بمحو السحر وطرد الجن كما يعتقد والتي كانت ستشفي صالح من الصداع وكان حسب وصفها يمسك في حجره بطاسة مصقولة لامعة وبجانبه فنجان قهوة به خليط من الزعفران وبواسطة عود كان يغمسه في الفنجان كان يرسم بعناية فائقة رموزا داخل الطاسة بادئا بالقاع. وقد رسم عدة دوائر من رموز ذات نمط واحد. وبعد ذلك رسم على قمة الطاسة رموزا أكبر من الأخرى ومختلفة عنها وعند استكمال الرموز صب الماء في الطاسة حتى منتصفها وأخذ يحركها يمنة ويسره ببطء حتى اختفى كل أثر لرسومه وتلون الماء باللون الأصفر ثم أفرغ ذلك العلاج في زجاجة وأعاد العملية من جديد حيث من المفترض أن يشربه صالح ويدعك جسده بالبقية ويفترض أن يستمر على هذا العلاج حتى يشفى وأخبرتها النساء أن هذه الرموز مأخوذة من القرآن. ولكن من خلال الرسمة التي قامت بها الكاتبة للطاسة والرموز أو الطلاسم الظاهرة وعرضت ضمن كتابها لا يمكن أن يكون من القرآن الكريم وإنما هي عبارة عن طلاسم ورموز غير معروفة وهذه أيضا من المآخذ على مراجع الكتاب ونذكر هنا أن بعض الرقاة قديما كانوا يلجؤون للطريقة نفسها ولكنهم يكتبون بدلا من تلك الطلاسم آيات صريحة من القرآن الكريم. فيوليت ختمت هذه اليومية بقولها: زرتهم مرة أخرى وكان المطوع قد رحل فسألت عن صحة صالح قالوا لي إن صحته قد تحسنت ولكنه لا يزال يعاني من الصداع (!!) وكان المطوع قد أقام معهم 22 يوما وتقاضى منهم 300 روبية. زعفران طلاسم الزعفران فيوليت وزوجها ديكسون