في واقعنا المرتبك وتجاذباتتا كلنا دوما في حالة التواء مربع، وواقع دائري، وصراع مستطيل، وفهم مثلث يعبر بنا نحو الوقوف، ويقف بنا تجاه العبور.. هنا تتشابك الخطوط.. كثافة المعرفة الفوضوية تصنع أغلالا تكبّل صاحبها في مساحات تبصر ضيقة جدا.. فيصبح نقض الحقائق الثابتة متطلبا معرفيا يستدعي خلفيات التنطع، ومعطيات التشكيك، ويسهم في إصابة الذات ب"بعثرة نفسية" بهذر الأسئلة، وعسر الجدل. المعرفة الحقة هي التي نشعر عند تشربها أننا ننمو فكرا وأخلاقا، ونكون في مساحات الشغف بغايات السمو والارتقاء في العقل والعمل والعطاء وسلامة القلب، وهي التي من خلالها نستطيع أن نحظى باستيعاب أحوالنا، ومعرفة المقاصد مما يحدث بين أيدينا، وهي التي تعلمنا الحكمة في القول، والرشد في الاختيار، والقوة في العزيمة، والحجة في الرأي، والدليل إلى غاية وجودنا. فجأة وفي معترك الحياة قد نجد أننا وقعنا أسرى خطأ لم يكن في الحسبان تجاه أشخاص، أو قرارات، وخيارات مختلفة كأن يكون حلما ونرفع التوقع بأن نحصل على علاقة طيبة معهم، أو يكون قرارنا إيجابيا في أمر ما.. لكن يتحول التوقع عن الواقع عندما نستيقظ من هذا الحلم، ومع ذلك لا نستطيع التخلص من التفكير، كأن هناك قوة لا ندركها تلزمنا بأن نستمر في هذا الخطأ وقد نعي ذلك بوضوح، فندرك أنه يمكن أن يدفعنا ويحفزنا كواقع إلى العمل والتصرف، حيث إن كل خيار، وخطأ وتوقع ستظهر تبعاته لأن تأثير كل فكرة، أو فعل، أو ظن يقود مسيرتنا قد يستمر إلى ما لا نهاية. العجيب أن كل قناعة هشة يعبر عنها بغرابة تبدو مضحكة وتتأرجح بعقولنا بين الجدية والهزل فمهما كانت الظروف سيبقى كل إنسان معلقا على مقصلة قناعاته. هنا قد يضمحل الذهن إذا لم يصدر الحكم الصائب في اللحظة المناسبة فنستاء من بساطة الحقيقة، وعبء الجهد لأنه يصعب نقض اللحظة الخاطئة التي تقوم على القناعة بأن الغلط هو الصواب، فيكرر المرء ويؤكد على الفهم المناقض، ويبقى المؤكد أن الحقيقة تتناقض مع طبيعتنا المنحازة؛ لأن الأمر يتطلب الاعتراف بمحدوديتنا في حين تتملكنا الأخطاء ونخرج عن حدود المألوف. أعداء الأمور اللطيفة يخبطون خبط عشواء، ويتيهون بها لم يفعلوه، هناك بعض العقول المعوجة التي يجب أن نترك لها صفاتها فمن يخفي الفكرة لا يدرك المعنى من هنا ينشأ التناقض المقيت الذي يشوه كل سعادة في الحياة. إدراك الخطأ يفترض أن يكون أولى وأسهل من الوصول إلى الحقيقة، فالخطأ يطفو على أسطح الأنا والحقيقة تتعمق في الوعي هنا يكون القرار الذي يرفعنا عن غيرنا أو يسقطنا في قيود الذاتية هنا تتجلى حقيقة الفرد الكنز في ثنايا التفكير والتأثير المعتدل الذي يسعى من خلاله لإتمام العدل في تعامله مع نفسه والآخر. طبيعي جدا أن نشعر بالراحة النفسية والاطمئنان تجاه كل ما هو معياري وموضوعي يجعلنا نقتنع أن العدل يسود بيننا كما يمنعنا أن ننتقد ما هو شائع دون بصيرة. مهما كانت صعوبة تحقيق المأمول ممتدة قد يشعرنا بأن الحظ السيئ سيتعثر تحت أقدامنا فعندما تُجرف حزم السنابل يتقصف القش وتقفز الحبات لا مبالية حتى وإن كان مصيرها الطحن هنا نتوقف أمام ذواتنا فالأمنيات لا يحققها الحظ بل توفيق الله عز وجل ثم أسبابك. أحيانا يتوجب أن نقول ما نخفيه صراحة كما نفكر به من دون تعليل وتفسير لأن كل ما نطرحه من علل وبراهين ليس إلا شكلا من اتجاهاتنا وآرائنا وهذا يجعل الآخر قد يعي غايتنا ولا يخالفنا. يجد الواحد بيننا نفسه وسط حزم من المؤثرات والتأثيرات الكثيفة فلا يستطيع إيقاف نفسه عن نثر التساؤلات حول وعيه فيغوص في فهم السبب والنتيجة والمآلات ويحتاج إلى حضور ذهني متقد ليدرك الحقيقة الغائبة في طبيعتها ليستطيع التفريق بينها والوهم الذي يتطفل على عقولنا المحدودة. ظنوننا تكمّل وجودنا نستطيع أن نتبين ما ينقصنا في تفكيرنا ومن خلال تمحيصنا فيما يدور بيننا وتبقى فكرة أن الإنسان مكون من الأخطاء فقد يكون الشخص الضحل يهتم بنفسه، والبارع يهملها بسوء الظن، والعميق يغرق في خوفه هنّا توازن عجيب يحدث وحاجات وغايات منثورة بين الكل الذي يريد أن يكون مكتملا ومكملا. الكثير لا يهتم إلا برأيه الذاتي تجاه ما حوله ومتعلق بما يراه من زاويته فترى بعضهم يبحث في مكان واتجاه عن ما يعزز وجهة نظره ويثبتها عندما يجادل الغير، الحقيقة أنها معركة تنتصر فيها الذات على العقل والحق لأننا نتمسك بميلنا فقط ونرتبط بمساراتنا الأحادية فيكون كل طرف مهزوما حتى لو انتصر بسبب أن الحق لم ينتصر بل الأنا حققت تفوقها في المبارزة. ويبقى القول: في واقعنا المرتبك وتجاذباتتا كلنا دوما في حالة التواء مربع، وواقع دائري، وصراع مستطيل، وفهم مثلث يعبر بنا نحو الوقوف، ويقف بنا تجاه العبور.. هنا تتشابك الخطوط.