بات الاستثمار في "القوة الناعمة" من أهم التوجهات التي تعتمدها الدول والشركات في صناعة التأثير، وبناء صور ذهنية تتسلل إلى وعي الجماهير مع الوقت، بشكل غير مباشر، مما يترك الأثر الإيجابي على موقع الجهة وصورتها الحضارية. تعتمد القوة الناعمة على العمل المتراكم والإصلاحات التي تجذب عادة الآخرين مع الوقت، وتساعد على ازدهار مجالات الحياة الإنسانية والحضارية، في مجالات كالثقافة والترفيه والرياضة والاقتصاد والفنون. ولعل أبرز أيقوناتها في أميركا هوليود، وفرنسا في مهرجاناتها المتنوعة ومتاحفها الغنية، والبرازيل في كرة القدم، واليابان في الألعاب الإلكترونية. يمثل موسم الرياض، الذي أطلق في إطار رؤية السعودية 2030، أداة لافتة في هذا السياق وقوة ناعمة بدأت تترك آثارها على المشهد المحلي والإقليمي والدولي، باعتباره موعد ترفيه وثقافة ومرح وسياحة، متنوع المشارب والأفكار، تمكن من جذب المواطنين والسياح والمستثمرين من مختلف أنحاء العالم. من خلال فعالياته، استطاع الموسم ربط الثقافة السعودية بالترفيه العالمي، وتجسيد انفتاح السعودية على الثقافات الأخرى. يُعتبر الموسم رافدًا اقتصاديًا هامًا، وحدثا يترقبه الجميع، حيث يجذب ملايين الزوار سنويًا. ففي عام 2023، استقبل الموسم أكثر من 20 مليون زائر، منهم العديد من السياح الأجانب. هذا الحراك السياحي لا يدعم فقط الاقتصاد المحلي بل يسهم أيضًا في تعزيز صورة الرياض كمركز حضاري وثقافي وترفيهي. كما أن الموسم يشجع الاستثمارات الأجنبية في قطاع الترفيه والقطاعات الأخرى، وهو جزء من استراتيجية المملكة لتنويع الاقتصاد بعيدًا عن الاعتماد على النفط. من خلال استضافة العروض الفنية والرياضات المتنوعة، والمعارض الثقافية، يستكشف الزائر مجتمع السعودية الحيوي واقتصادها المزدهر وجودة الحياة التي غدت تفاصيلها ملفتة، مما يسهم في تأكيد مكانة المملكة كمركز عالمي وإقليمي جاذب، كما يليق بمكانتها بوصفها عضوا مؤثرا في G20 وأكبر اقتصاد في الشرق الأوسط، وقبل ذلك وبعده قبلة لمئات الملايين من المسلمين حول العالم، ممن صارت الجهات السعودية تتنافس في جعل رحلتهم للمملكة وبقاعها الطاهرة تجربة ثرية وذكرى لا تمحى. تلك الفعاليات لا تعزز فقط من الهوية الثقافية للسعودية، ولكنها تعزز أيضًا خلق جسور تواصل مع شعوب أخرى، كما تمنح للمواهب السعودية فرصة للتألق على المسرح العالمي. لا يمكن الحديث عن القوة الناعمة دون التطرق إلى دور الإعلام. وقد كان لمعالي المستشار تركي آل الشيخ دور دور حيوي ومؤثر في توظيفه إيجابيا وصناعة التأثير من خلاله، عبر إقامة أحداث يتسابق إلى التفاعل معها أقطاب المجال الإعلامي المحلي والدولي، كما استطاع جذب الأنظار بخططه وتحركاته التي لعبت دورًا حاسمًا في نشر موسم الرياض محليا وإقليميا ودوليا، بما جعل الموسم حديث الناس وموعدا يترقبه الجميع، ولا سيما بعد نقل جانب من فعالياته إلى مدن الترفيه الأولى في العالم، مثل نيويورك ولندن ولاس فيغاس. إذا نظرنا إلى مهرجانات أخرى عالمية من قبيل إكسبو أو مهرجان كان السينمائي، يمكننا أن نرى أن موسم الرياض ينافس هذه الفعاليات الكبرى من حيث التأثير الثقافي والاقتصادي والجماهيري، بينما تتفوق السعودية في قدرتها على المزج بين الثقافة المحلية والترفيه العالمي، والانتشار السريع مع وسائل التواصل الاجتماعي. وهكذا يمكن القول إن موسم الرياض يمثل نموذجًا ناجحًا وذكيا في استخدام القوة الناعمة لتعزيز مكانة المملكة العربية السعودية دوليا. جميعنا سعداء بهذا النجاح والتفوق المستمر ونتطلع للمزيد، في ظل قيادتنا الرشيدة التي دأبت على صنع التغيير الإيجابي الرامي لكل ما يرفع من شأن بلادنا بين الأمم، ويحقق جودة الحياة لسكانها والزائرين. * مختص في ريادة الأعمال