ودعنا منذ أيام معرض الكتاب الذي ضمّ بين دفتيه العالم السحري الذي يشدنا ويجذبنا إليه لنسير بين ممراته ونتوقف عند رفوفه نتأمل كل ما سطرته الأقلام وابتدعته العقول وحملته لنا دور النشر التي اعتدنا أن نلتقيها كل عام، ونتعرف على دور أخرى جديدة نصافحها مرحبين ومستكشفين ما تحويه من كنوز تطمح أن تنال بها استحسان القارئ الخبير، وأن تكسب بها ودّ القارئ الجديد الذي يخطو خطواته الأولى في معارض الكتب، ويدخل بين دفتي المعرض مبهورًا؛ ك «أليس في بلاد العجائب»؛ وهذه الدور عن يمينه وشماله تناديه لتكسب شرف حضوره الأول الذي لا يُنسى. يتجوّل في المعرض ليجد أنه يعيش احتفالًا عجائبيًا يضم جميع الفئات وجميع الأعمار، وفي كل سنة تبدع هيئة الأدب والنشر والترجمة بالفعاليات والأنشطة الثقافية القادرة على جذب المزيد من الناس لحضور المعرض والاستمتاع بفعالياته المختلفة التي تشمل كل أنواع الثقافة في مكان واحد، وترضي الأذواق كافة؛ فالطفل سيجد له دور النشر الخاصة به وتقدم له القصص المنوعة والألعاب التعليمية والتفاعلية الجاذبة، وكذلك الجناح الذي يعنى بفعالياتٍ تهدف في المقام الأول لترغيب الطفل في القراءة، من خلال الفعاليات والمسابقات المحفزة للقراءة والتي ستحفر بذاكرته للأبد. وكذلك اليافعون والشباب الصغار سيجدون المعرض يحتضنهم ويقدم لهم كل ما يريدون، حتى روايات الفانتازيا التي يجدون فيها العوالم الخيالية والسحرية والمغامرات والأحداث الخارقة للطبيعة والشخصيات التي تبقى عالقة في وجدانهم أثناء القراءة وبعدها، مما يجعل معارض الكتب تجربة شاملة تعد استثمارًا في جيل المستقبل، كما تضمن لهم معارض الكتب الالتقاء بكتابهم المفضلين والحصول على توقيعهم للكتاب، مما يخلق علاقة عاطفية قوية بين القارئ وكاتبه المفضل وكتابه الموقع الذي يصبح نسخة غالية على قلبه، كما أنها تجعله يرى من يشاركونه الاهتمام ذاته، وربما يتبادلون الأحاديث الودية حول الكتب والكتّاب ودور النشر، فمعارض الكتب ليست فقط مكانًا لشراء الكتب وإلا لانتفت فائدتها مع سهولة توفير الكتاب من أي مكتبة وتوصيله إلى باب البيت، دَور معارض الكتب أكبر من ذلك وأشمل؛ لقاءات تُعقد وصداقات تمتد، وصفقات تُبرم، وتوصيات لا تتوقف، وحكايات عشق لا تنتهي، كل ذلك يخلق نوعًا من التقارب الثقافي الذي يعزز من قيمة معرض الكتاب كحدث يجمع كل أشكال الثقافة ليتيح للجميع فرصة الاستمتاع بتجربة غنية تتجاوز حدود الكتاب الورقي؛ وتتوسع لتشمل الندوات الحوارية وورش العمل التي تضفي بعدًا جديدًا على التجربة الثقافية للزوار، حيث إنها تجمعهم بنخبة من المتحدثين المحليين والعرب والعالميين فيتاح من خلالها تعزيز التواصل بين الجمهور والمختصين وتبادل الآراء والأفكار لمواكبة تطورات عالم الأدب والثقافة. وللقارئ فرصة المشاركة في بيع الكتب وعرضها والحديث عنها، وذلك بالتعاون مع دور النشر، وهذه تجربة غنية تُضيف خبرات ومشاهدات ممتعة للقارئ، يجد فيها متعة لا تختلف عن متعة تصفح الكتب وعقول مؤلفيها فهو هنا يتعرف على القراء وعاداتهم وطرائقهم أثناء الشراء والتعامل مع معارض الكتب. كما أن النسخ الأخيرة من معارض الكتاب في السعودية حرصت على توفير مساحة من الهدوء وسط أجواء المعرض الحافلة، وذلك من خلال غرف القراءة التي تتيح لك التواصل الفوري مع كتبك والاستمتاع بقراءتها والاحتفاء بها بطريقة مختلفة. ومع وداع المعرض، والهدوء الذي يعقب هذا التفاعل والحراك الذي يستمر لمدة عشرة أيام، والذكريات التي تبقى وتُنعش القلب وتشعل شغف القراءة، نعزّي أنفسنا بحلاوة انتظار المعرض القادم ليفتح لنا أبوابه.