وفقت منظومة القطاع الثقافي السعودي في دعم النمو الاقتصادي إذ تمكنت من مد الاقتصاد السعودي بما يصل إلى 35 مليار ريال في العام الماضي 2023م، أي بنسبة 1،49 % من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، عاكسة بذلك جدوى الدور الاقتصادي المهم الذي يمكن للثقافة أن تلعبه في هذا الجانب، وأظهرت تلك النتائج الإيجابية فائدة التوسع الكبير والاهتمام المتزايد الذي أولته الحكومة لتعزيز القطاع الثقافي وعملها الرامي إلى استحداث وتطوير مختلف الأنشطة والصناعات الإبداعية الثقافية التي تعزز النمو الاقتصادي ضمن استراتيجيتها لتنويع مصادر اقتصادها بعيدًا عن النفط بالتماشي مع رؤية السعودية 2030، كما برهنت تلك النتائج على إمكانية بلوغ المستهدفات التي يطمع لها القطاع والمتمثلة في رفع نسبة مساهمة الاقتصاد الثقافي في الاقتصاد غير النفطي إلى 3 % بحلول عام 2030م، وفي تحسن جودة الحياة خصوصا وأن المملكة تمتلك العديد من المزايا والتنوع الثقافي، والمواهب الشابة القادرة على الإبداع في مختلف المجالات كالسياحة الثقافية والصناعات التقليدية التي تتضمن الحرف اليدوية والتقاليد الشعبية ومختلف الفنون الإبداعية في الرسم والنحت والتصوير والتصميم والأزياء والأدب وفنون السينما والتلفزيون المتعددة والموسيقى بشتى أنواعها والنشر والأدب واللغة والترجمة والمهرجانات والفعاليات الثقافية وفنون الطهي والمكتبات وغير ذلك من أوجه الثقافة وأنشطتها. تأسيس الثقافة وكان وعي القيادة الرشيدة -أيدها الله- بأهمية الدور الذي يمكن للثقافة الاضطلاع به لدعم الاقتصاد المحلي عبر تعزيزها أنشطة السياحة واستقطاب السياح وتشجيعهم على زيارة المواقع الثقافية والتوسع في الصناعات والخدمات الثقافية المدرة للدخل سببا من الأسباب التي دعتها لتأسيس وزارة الثقافة في 2 يونيو 2018م، وتكليف سمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود وزيرا لها، فأحدثت تلك الوزارة نقلة للقطاع الثقافي في المملكة فباشرت عبر إستراتيجيتها المتمثلة في تحقيق "الثقافة كنمط حياة والثقافة من أجل النمو الاقتصادي والثقافة من أجل تعزيز مكانة المملكة الدولية" العمل على إخراج القطاع الثقافي في المملكة من دائرة العشوائية والفردية إلى فضاء العمل الإبداعي والتنوع في مختلف الأنشطة الثقافي القادرة على تحقيق الاستدامة فحفزت الأفراد ويسرت لهم التأهيل العلمي والأكاديمي في مختلف التخصصات الثقافية وأهلت المؤسسات والهمت المنشآت للانطلاق بأعمالها وتوسّع نموها واستحدثت نحو 11 هيئة تعنى بمختلف الأنشطة الثقافية كل هيئة منها تتمتع باستقلالية إدارية ومالية وشخصية اعتبارية عامة لها كهيئة الأفلام وهيئة الموسيقى وهيئة المتاحف وهيئة فنون الطهي، كما توسعت الوزارة في المبادرات والمشاريع الضخمة والعالمية كمهرجان البحر الأحمر السينمائي وبينالي الدرعية للفن المعاصر ومشروع توثيق أماكن معيشة الشعراء العرب والمسرح الوطني واستحدثت عشرات الجوائز الثقافية الوطنية وصندوقا للتنمية الثقافية وكثير غير ذلك من أوجه العمل المطلوب لتعزيز الدور الاقتصادي للثقافة وتفعيلها وفي غضون فترة وجيزة فازت المملكة للمرة الثانية على التوالي بعضوية المجلس التنفيذي لليونسكو للدورة 2023 - 2027، أثناء انعقاد أعمال الدورة ال42 للمؤتمر العام لليونسكو، لتكون دولة مهمة في صناعة واتخاذ القرارات على المستوى الدولي، وفي إيصال صوت المنطقة العربية إلى أعلى المستويات التنفيذية في واحدة من أهم المؤسسات التابعة للأمم المتحدة التي تُعنى بالتربية والعلوم والثقافة والفنون وفي غضون تلك الفترة القصيرة أيضا كشفت تقارير موثوقة عن وجود أكثر من 217 ألف وظيفة ثقافية في المملكة، وتمكنت منظومة القطاع الثقافي السعودي من دعم قطاعات غير نفطية مهمة كقطاع السياحة الذي وصل إسهامه في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة إلى نحو 8 % وحقق نموًا بنسبة 56 % في أعداد السياح الدوليين خلال العام 2023م مقارنةً بالعام 2019م، حيث وصل عدد السياح إلى 27.4 مليون سائح. تحقيق الاستدامة وتعكس مبادرة إنشاء صندوق بهدف تنمية القطاع الثقافي وتحقيق الاستدامة عبر دعم النشاطات والمشاريع الثقافية، في 6 يناير 2021م، كصندوق تنموي يرتبط تنظيميًا بصندوق التنمية الوطني حرص القيادة الرشيدة -أيدها الله- تمهيد المناخ الاستثماري المناسب لنجاح عمل مختلف الأنشطة الثقافية الاقتصادية وعلى إزاحة جميع العقبات التي قد تصادف المستثمر في أي من القطاعات الثقافية الواعدة التي يدعمها الصندوق والتي تشمل فنون العمارة والتصميم والتراث والموسيقى والمتاحف والمواقع الثقافية والأثرية والمسرح والفنون الأدائية والأزياء والتراث والأفلام والكتب والنشر والأدب واللغة والترجمة والمهرجانات والفعاليات الثقافية وفنون الطهي والمكتبات والفنون البصرية والمنظومة الثقافية والتنموية، كما يعكس برنامج الابتعاث الثقافي الذي تتبناه وزارة الثقافة والذي يقدم فرصا نوعية للسعوديين لدراسة 13 تخصصاً في المجالات الثقافية والفنية، في 114 جامعة ومؤسسة تعليمية حول العالم، تقدم أحدث تقنيات وأدوات ومهارات التميز والإبداع في أهم التخصصات الثقافية، ومن أبرزها الموسيقى والمسرح والأفلام وعلوم الآثار والتصاميم والعمارة، في الدرجات العلمية الثلاث الحرص الشديد على تأهيل الكوادر المناسبة للعمل في منظومة القطاع الثقافي السعودي التي أسهمت في نمو الاقتصاد السعودي، بنسبة تجاوزت 20 % حيث وصلت مساهمتها إلى 35 مليار ريال، أي ما يعادل 1.49 % من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي حسب تقرير الحالة الثقافية الخامس الذي رصدت فيه وزارة الثقافة تحوّلات المشهد الثقافي في المملكة على مدى عام 2023، وقد تضمن التقرير أيضا تحقيق الوزارة ل(162) إنجازاً في ركيزة "الثقافة كنمط حياة"، و(62) إنجازاً في ركيزة "الثقافة من أجل تعزيز مكانة المملكة الدولية"، و(80) إنجازاً في ركيزة "الثقافة من أجل النمو الاقتصادي" بمجموع 304 إنجازاً على المستوى المحلي، إضافة إلى إقامة أسبوع الأزياء للمرّة الأولى في العاصمة الرياض، ودعم إنتاج 70 فيلماً سعودياً، منها سبع أفلام عالمية، وترشيح الرياض لتكون عاصمة التصميم لعام 2026، ناهيك عن تعزيز مكانة المملكة، من خلال مشاريع مثل "روائع الأوركسترا السعودية" في نيويورك والمكسيك، وفوز منطقة عسير كأول منطقة خارج أوروبا تحصد لقب "منطقة فنون الطهي العالمية"، وأظهر التقرير أيضا زيادة الإقبال على الخدمات والمنتجات الثقافية، والفرص الواعدة لتحويل المشاريع الثقافية إلى أعمال مستدامة ذات مردود عالي سريع النمو. الجدوى الاقتصادية للثقافة وتعد المهرجانات الثقافية التي تحظى برعاية ودعم وزارة الثقافة شأنها في ذلك شأن مختلف المهن والمشاريع الثقافية والفنية مثال جيد على الجدوى الاقتصادية الكبيرة للثقافة وما ينضوي تحت مظلتها من نشاط فتلك المهرجانات مثل مهرجان شتاء طنطورة ومهرجان جدة التاريخية، ومهرجان سوق عكاظ ومهرجان قمم الدولي، فهي تعمل على زيادة معدلات السياحة واستقطاب الزوار من داخل المملكة وخارجها وبالتالي زيادة الدخل السياحي والاقتصادي كما أنها تعد محفزا لزيادة الطلب على مختلف السلع والخدمات المحلية وهي أيضا تخلق العديد من الوظائف المناسبة لسكان المناطق التي تقام بها تلك المهرجانات ولغيرهم من شبان وشابات المملكة الراغبين بالعمل في تلك المهرجانات، وأيضا تلعب تلك المهرجانات دورا مهما في الحفاظ على التراث الثقافي للمجتمع السعودي وتقاليده العربية النبيلة. أيضا تعد فنون الطهي والأطباق والأكلات السعودية شكلا من أشكال التراث والثقافة التي لها مردود ربحي واقتصادي مفيد فهي توفر عملا يدر على من يمتهنه من الرجال أو النساء دخلا جيدا قدره البعض بين 6 و10 آلاف ريال شهريا ولذا بادرت هيئة فنون الطهي بمبادرة "روايات الأطباق الوطنية وأطباق المناطق"، وهي مبادرة وطنية تسعى من خلالها إلى تولي مسؤولية حصر وتصنيف الأطباق المحلية الشهيرة ذات الارتباط الوثيق بالهوية السعودية في جميع مناطق المملكة وتدعم تلك المبادرة العملين في هذا النشاط بشكل كبير. ومن الأمثلة أيضا على الجدوى الاقتصادية للمهن والسلع الثقافية الهدايا والتذكارات الثقافية السعودية والتي باتت مرغوبة من السياح والزوار وهي هدايا تتعدد تتنوع من منطقة إلى أخرى فمنها على سبيل المثال سجادة الصلاة أو المسبحة من المدينتين المقدستين ومنها مختلف الإكسسوار والحلي التقليدية، ومنها هدايا السدو التي هي عبارة عن حياكة للنسيج البدوي التقليدي من وبر الإبل وشعر الماعز وصوف الأغنام ويصنع منه البطّانيات والسجاد والوسائد والخيام وزينة رِحال الإبل وغير ذلك من المنسوجات وقد نجحت المملكة في تسجيل عنصر "حياكة السدو" ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لدى منظمة "اليونسكو" كملف مشترك مع دولة الكويت الشقيقة، وتم إعلان التسجيل خلال اجتماعها السنوي في فترة بين 14 – 19 ديسمبر 2020م. الثقافة تجذب فئات كثيرة من السواح الحرف القديمة تجد الدعم من القطاع الثقافي فعاليات المهرجانات شملت جميع مناطق المملكة