جعل الله سبحانه وتعالى هذه الدنيا بمغرياتها وشهواتها ومفاتنها وملذاتها دار فناء وزوال، ولا تصفو لأحد ولا تدوم على حال، ولا تبقى لأحد، كل حي فيها يموت وكل مخلوق فيها يفنى انطلاقاً من قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}. لا ريب أن أصعب ما يمكن أن يكون في هذه الحياة الدنيا أن تفارق من تحب دون أن تودعه، ودون أن تعلم بموعد رحيله. وعلى الرغم من هذه الحقيقة الجلية إلا أن الإنسان يفجع، والعين تدمع، والقلب يحزن عندما تفقد أحد الأحباب والأقارب القريبين من القلب. في مساء يوم الثلاثاء الماضي تلقيت خبر وفاة الأخ الحبيب القريب للقلب صالح بن محمد الدرح بعد رحلة من المعاناة مع المرض تغمده الله بواسع رحمته. عرفت الفقيد الغالي (أبو محمد) منذ أكثر من 40 عاماً بحكم الرابط العائلي، وكان نعم القريب الملتزم بالقيم الاجتماعية الأصيلة والشيم التربوية الفضيلة. كان يتمتع بنقاء السريرة، وسلامة الصدر.. متسامحاً ومتصالحاً مع الجميع، بل كان يجعل من الاختلاف جسر (تواصل) وليس للعداء.. منطلقاً من مقولة: (ليس من الحكمة صناعة العداء)، وكانت هذه الأخلاق المتأصلة منهجاً وسلوكاً وليست تصنعاً، فقد رزقه الله طيب النفس والعاطفة والمروءة والشهامة والنبل، ولا غرابة من ذلك فقد كانت تنشئته الاجتماعية منذ بواكير عمره قائمة على القيم الفاضلة والمبادئ الحميدة، فهو (خلاصة) تربية مثمرة من مدرسة والده العم محمد بن حسين الدرح ووالدته المرأة الصالحة الناصحة لطيفة الزعير -رحمهما الله تعالى-. كان فقيدنا الغالي رجلاً جُبل على صفاء القلب والطيبة المتناهية والبشاشة العفوية، يدخل المجالس ويبعث البهجة والسرور بحديثه العفوي والابتسامة لا تفارقه؛ لأن مبدأه الإيماني قائم على الأخلاق الفاضلة والطيبة المتناهية، كان –يرحمه الله- صاحب علاقات اجتماعية واسعة، ومحبوباً في عمله السابق في شركة الاتصالات السعودية كمسؤول والكل كان يقدره -رحمه الله- لبشاشته وحسن تعامله واحترامه للصغير والكبير حتى مع المراجعين، كان يحب أن يخدم الآخرين من منطلق الأمانة الوظيفية، والمسؤولية العظيمة التي كان يرى أن حملها أثقل من الصخر. كان كريماً مضيافاً حريصاً على تعزيز أواصر المحبة وروح المودة مع أقاربه وأصحابه، وفارساً مقداماً في ميدان صلة الرحم وزيارة كبار السن في محيطه العائلي دون انقطاع. في مرضه ضرب -رحمه الله- أروع معاني الصبر والاحتساب في معاناته فكان يردد ويذكر فضل الله سبحانه عليه حامداً وشاكراً لخالقه العظيم، وبعد تردي أوضاعه الصحية في ظل معاناته المرضية لم يشتكِ بل كان يشكو بثه وحزنه إلى الله عز وجل، حتى ومع اشتداد مرضه كان يسأل عن الصلاة، فكان بالفعل يؤمن بأن الإيمان (نصفان) نصف شكر والنصف الآخر صبر. ولعل ثباته وصبره على مرضه يؤكد عمق إيمانه وكثرة حمده لله والثناء عليه والشكر له عز وجل في كل حال، حتى ومع ارتفاع درجة حرارة مرضه ومعاناته الصحية الحالكة. فترك لنا دروساً عظيمة في حسن الظن بالله والثقة به، والإيمان التام أن المؤمن كل أمره خير كما قال الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام في حديث رواه الإمام مسلم: «عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن:(إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ). رحم الله فقيدنا الغالي صاحب القلب الكبير (صالح الدرح) وأسكنه فسيح جناته وجعل ما أصابه من مرض وسقم تكفيراً للخطايا ورفعة في الدرجات تغمده الله بواسع رحمته {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. خالد الدوس