قد لا تنتمي مسرحية (عند الضفة الأخرى) للمؤلف البحريني حسين العصفور للمسرح الأسود، ولا المخرج طاهر محسن فعل ذلك، لأن أجواء المسرحية تراوحت بين العتمة، والنور، والعتمة لا تعني اللون الأسود، حتى وإن حل الظلام، فإن المخرج طاهر محسن يعرف متى يضيئه، ومتى يطفئه، ما يجعلنا ننفي المسرح الأسود تماما. العتمة التي حلت على القرية النائية المعزولة بسبب اختفاء الشمس، صارت مرتعاً للفساد، ففي جنح الظلام تسللت أيدٍ تنهب المال، وتغش في البضاعة، والعسل، والملابس، حتى أن العنف العائلي تعاظم في هذه العتمة، بكل ما يحمل من مشاعر متوترة، وكلمات مؤلمة، بينما التوتر في العلاقة بين الحاكم والمحكوم على أشدها، ولأن العتمة مر عليها زمن طويل، فقد تعايش الناس معها، وتعايشوا بالمثل مع المساوئ، حتى مجيء يوم ما، ظهرت فيه الشمس، وسطعت، وانتشر ضياؤها، فتكشفت للناس المساوئ، وشاهدوا الفساد ينخر في قريتهم، والغش يفسد كل ما هو جميل، لم يطيقوا كل ذلك، فالصدمة كانت أكبر، وأعظم، وأشد، فقرروا العودة للعتمة، ففي هذه الحالة يكون الجهل أكثر أماناً من المعرفة. هذه هي الفكرة، تتناول الفساد من خلال مفارقة العتمة والنور، وهي فكرة ذكية، وتكنيك نصي متقدم، يحيل إلى نظرية الفنون التي تحاكي الواقع، ولا تنقله كما هو، إنما تصبغه بمسحة جمالية، بينما أكد المخرج طاهر محسن ذلك الجمال، وقدم فرجة مسرحية جعلت من إطار المسرح، حدوداً للوحة تشكيلية، ليست واحدة، وليس اثنتين، بل لوحات جمالية في كل دقيقة من دقائق العرض، حتى أنك لو جمعتها في (جاليري) يمكن أن تقيم منها أجمل معرض تشكيلي. في المسرحية، تحولت تقنية الظل والضوء التي تعد أهم قاعدة في الصورة البصرية، إلى تقنية (العتمة والنور)، فبقدر ما نشاهد ظلاً وضوءاً في غاية الجمال، بقدر ما تتسلل إليهم دلالات العتمة والنور، والجمع بين هذه الأربع: الظل، الضوء، العتمة، النور، في مسرحية واحدة يعني أننا أمام مخرج متمكن من أدواته، ومن نسج دلالاته في حدود نظرية العرض المسرحي، كما ينبغي أن تكون. كمثل سطوح الشمس، علامة على انكشاف الفساد. لا يمكن أن نعد التكرارات التي تفشت في العرض، خطأ فنياً، لأن الملابس الموحدة ذات اللون الزيتي الفاتح، أو الصراخ المتكرر، أو حركة الديكور المتكررة، أو الدخان المتكرر، أو المشاعر المؤلمة، كل تلك التكرارات جاءت مقصودة بذاتها، فهو (تكرار فني) وظيفي، يحيل إلى عالم العتمة بوصفه علامة على التواطؤ على الفساد المتكرر، والناس في هذه (العتمة المتواطئة) لا يفرقون بين الأسود والأبيض، ولا الأحمر، والأخضر، ولا العسل الطيب، من العسل المغشوش. فكل ذلك العالم المختفي خلف الشمس، لا لون له ولا طعم، فسارت المسرحية في خط أفقي، لا خط متصاعد، لأن العتمة والنور ليس بها سوى (أسود أو أبيض) ولا مجال لتدرج الألوان صعوداً ولا نزولاً. المسرحية جاءت ضمن عروض مهرجان المسرح الخليجي 14 الذي يقام حاليا في العاصمة الرياض، على مسرح جامعة الأميرة نورة، من تنظيم هيئة المسرح والفنون الأدائية، وإشراف اللجنة الدائمة للفرق المسرحية الأهلية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.