الظرف الراهن الذي نعيشه اليوم في منطقتنا، يُحتم علينا الرجوع إلى الدمج بين «الصبر الاستراتيجي» و«الوعي الاستراتيجي»، وهو ما نادت به ضمنيًا وعلنيًا الرياض، وتأكيدها للجميع من دون استثناء بعدم القفز على الحواجز، والانجرار خلف دعوات الحرب التي تفتقد للأفق السياسي والتنموي، بل وأهمية الوقوف خلف تطلعات شعوب المنطقة، وقراءة المستقبل بشكل عميق، لعدم الوقوع في فخ خيار الحرب قدر الإمكان.. ما تمر به منطقة الشرق الأوسط قبل وبعد هجوم السابع من أكتوبر 2023 على المُستوطنات الإسرائيلية (المُغتصبة) غير المُشروعة في مُحيط غلاف قطاع غزة، أحدث إرباكًا دراماتيكيًا على مستوى منطقتنا والمحاور الإقليمية الأخرى، ولا أبالغ القول "إنه أحدث أيضًا انقسامًا عالميًا لم نشهده سابقًا بين الجنوب العالمي وبين الشمال العالمي، وكأننا أمام مسلسل بمواسم لا تنتهي، تشوبها الكثير من تحديات الحبكة الدرامية والمصيرية". قررت إرجاء الخوض في هذا الموضوع إلى أمد غير معلوم، لكن سلسلة "الاغتيالات السياسية" التي نفذها الموساد الإسرائيلي من دون وعي ولا إدراك، دعتني للتعجيل بالكتابة، خاصة بعد زيادة التوتر الذي تعيشه المنقطة أصلًا، وكأنه لا ينقصنا سوى صب مزيد من الزيت على النار، لزيادة تضرمها، باستهدافها رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية في طهران، لتبتعد الأمور كثيرًا عن خط تماس عقد صفقة لإيقاف الحرب على أهلنا المتخمين بالآلام والقتل الممنهج منذ أكثر من 11 شهرًا في قطاع غزة، فضلًا عن غياب وجود رؤية واضحة لإطلاق سراح الرهائن من العسكريين والمدنيين، أضف إلى ذلك "العمى الاستراتيجي" الذي أصاب الإدارة الأميركية وضبابية موقفها من حيث عدم تشكيل ضغط حقيقي على حكومة نتنياهو والزمرة الإسرائيلية اليمنية المتطرفة، التي أضرت بالداخل الإسرائيلي قبل خارجه وصعبت من الوصول إلى هدنة حقيقية على الأرض في القطاع. ما يهمني هنا، نضج الموقف السياسي السعودي، والواقعية التي ينطلق منها كون دولتنا واقعيًا القائدة للعالمين العربي والإسلامي، وبرأيي أن موقفها كان أكثر المواقف الإقليمية والدولية وضوحًا، وهو ما يبلور سعيها الدبلوماسي العابر للحدود لتجنيب المنطقة الذهاب إلى صراع محتوم مُتعدد الوجوه والمستويات، وأفهمه وأوضحه كمتابع لحالتها الدبلوماسية وتحركاتها السياسية، رغبتها الواقعية بتعميق مفهومي "الصبر الاستراتيجي" و"الوعي الاستراتيجي" بين فرقاء المنطقة جميعًا. وللدلالة السياسية، يجب على الرأي العام الداخلي خاصة، أن يعلم أن قيادته السعودية تحركت على أكثر من صعيد مع شركائها الإقليميين والدوليين، من أجل إقناع دول المنطقة بأهمية عدم الانجرار خلف دعوات التصعيد، وأهمية التمسك بالحلول المفصلية، فضلًا عن التماسك سياسياً وتجنب المواجهات العسكرية الكبرى، فالشعوب لم تعد قادرة اقتصاديًا أو تنمويًا أو معيشيًا على تحمل تكلفة دفع هذه الفاتورة التي قد تقصم ظهرها، بفضل تداعياتها التي ربما لا تستوعبها العقول. برأي أن الظرف الراهن الذي نعيشه اليوم في منطقتنا، يُحتم علينا جميعًا الرجوع إلى الدمج بين "الصبر الاستراتيجي" و"الوعي الاستراتيجي"، وهو ما نادت به ضمنيًا وعلنيًا الرياض، وتأكيدها للجميع من دون استثناء بعدم القفز على الحواجز، والانجرار خلف دعوات الحرب التي تفتقد للأفق السياسي والتنموي، بل وأهمية الوقوف خلف تطلعات شعوب المنطقة، وقراءة المستقبل بشكل عميق، لعدم الوقوع في فخ خيار الحرب قدر الإمكان.. رحم الله الشهداء وشفى الجرحى وعافى المكلومين في فلسطين.. دمتم بخير.