انتهت الانتخابات، ونقف الآن على مشارف الإعلان عن النتائج النهائية، بعد أن ظهرت ملامح أولية لتلك النتائج التي يمكن إجمالها بالقول: إن جميع المعسكرات والأحزاب والفئات، وبخاصة الرئيسية منها، كسبت بنسب متفاوتة، وان جميعها، بدون استثناء، خسرت مناسيب معينة من المقاعد أو الفرص أو المطالب أو التمنيات، ثمة الكثير مما يقال عن التجاوزات والاختلالات والطعون، وضعف التزام قواعد اللعبة، وقلة استيعاب قيم التنافس والديمقراطية، واستشراء الوعيد والتهديد والتضييق على الصغار، والاستئثار بالفرص والوجاهات والمساحات، وتردي وعي الشفافية، وما يقال عن سلبية الجمهور والأوساط والنخب الثقافية والمهنية، وعجز مرجعية الانتخابات المستقلة وتضارب أدائها، وحتى تحيّز بعض كادراتها وموظفيها، وهي حصائل ستبقى تأكل من حصة الفوز والانتصار، وترافق كل خطوة نحو معافاة الحياة العراقية الجديدة وتنشيط الدورة الدموية للعمل السياسي، كما وتؤثر في مجرى تشكيل الحكومة الجديدة، وبرنامجها، واصطفافاتها، وهو الأمر الأكثر خطورة وأهمية من كل ما تترتب على الانتخابات ونتائجه. في التفاصيل، يمكن الحديث، على ضوء النتائج المرئية بان أي معسكر سياسي لم يحصل على منسوب برلماني مناسب بحيث يستطيع الاستفراد بالهيئة التنفيذية المقبلة، وان الباب سيبقى مفتوحا لجملة من الخيارات على هذا الصعيد مع الأخذ بعين الاعتبار بان المشهد السياسي اتسع بالعرض والطول مع دخول ممثلي المناطق والبلدات والجماعات الغائبة والتي قاطعت انتخابات كانون الثاني الماضي في البرلمان، ما يعني أشياء كثيرة، من بينها خطورة تجاهل هذا المعسكر غير أن الأمر الأكثر أهمية يتمثل في السؤال التالي: هل تعكف الأطراف الفاعلة والرئيسية والمعنية على قراءة النتائج التي أسفرت عنها انتخابات الخامس عشر من الشهر المنصرم قراءة متمعنة وواقعية انطلاقا من المصلحة العامة؟ اعني هل ستجري هذه القوى تعديلا جوهريا في مفهوم الاصطفاف السياسي لقيادة المرحلة المقبلة، الأكثر خطورة في مجرى عملية التغيير، وذلك بتحويل مبدأ المحاصصة الذي حول الحكومة والمؤسسات الرسمية جزرا وتابعيات إلى مبدأ المشاركة الذي يحول الحكومة ومؤسساتها إلى وحدة فاعلة للخدمة والتنمية وإعادة الاعمار؟. إن نتائج الانتخابات، في جميع التقديرات، لن تجيز لكتلةٍ من الكتل أو لقائمةٍ من القوائم الاستفراد في تشكيل الطاقم الحكومي، وحتى لو شُكلت حكومة من معسكر سياسي، منفرد، فإنها ستكون حكومة ضعيفة، ورهينة الخوف من السقوط بمواجهة معارضة برلمانية واسعة، وهذا يفتح الطريق إلى البحث في توسيع المساهمة في هذه الحكومة، وهو الاحتمال الأكثر تماسا للواقع، والأكثر ملامسة لمصلحة الجميع، بل لمصلحة العراق في ظروف تتسم بالخطورة. ولعل خطيئة المرحلة السابقة تتمثل في الظلال القاتم لمبدأ المحاصصة الطائفية الذي انتهى إلى تكوّن مرافق ومؤسسات حكومية على هيئة جزر منقطعة، والى شلل واختلال في الأداء الوزاري، والى تضارب واضح في وظائف الوزارات والمؤسسات ومهماتها، وضعف ظاهر في التنسيق بين الأنشطة الحكومية وبخاصة الخدمية منها، وغيابٍ للرقابة والمحاسبة والتدقيق، وعسَفٍ في حقوق المواطنة بالمساواة في الفرص والحقوق الدستورية، والى إمعان في استخدام السلطة لأغراض فئوية وذاتية، هذا بالإضافة إلى ما نتج عن ذلك من استشراء الفساد الإداري والمالي وانهيار الكثير من البنى المادية والأخلاقية في مفاصل الدولة والمجتمع، وما أسفر عن انتشار الأعمال الإرهابية الإجرامية على نطاق لا سابق له، وما أدى إلى تلكؤٍ في بناء سبل حماية الحدود ووقف التمدد الإقليمي في الحياة السياسية العراقية. إن المشاركة السياسية كأرضية لبناء الفريق الحكومي الجديد، التي هي بديل عن تجربة المحاصصة المريرة، تعني إحياء ثقة الشارع بالإجراءات الحكومية والمراجعة الجدية لأخطاء وخطايا المرحلة السابقة، ومعالجة التنافر بين الإجراءات والسياسيات، وتعني، قبل كل شئ إنهاء التناسب التمثيلي الجهوي والطائفي في الهياكل الحكومية المختلفة، وبناء سلطة متجانسة يحتل فيها المتخصصون والتكنوقراط الأكفاء من ذوي الانتماء الحر والمستقل مكانا فاعلا يضمن تهدئة الاستقطاب السياسي ونزع فتيل المواجهة الاجتماعية وبناء السلم الأهلي، ثم الانتقال إلى حل المشكلات التي علّقتها مرحلة المحاصصة على حبل المساومات (خذ وهات) وعرّضت فيها مصير التغيير إلى الخطر. المشاركة.. الضمانة الوحيدة إن المشاركة، وليس المحاصصة،أو الطائفية أو العرقية والأثنية هي باب السلامة للعبور إلى استعادة السيادة العراقية وتحرير البلادوإعادة الاعمار وبناء الدولة الموحدة الراسخة، ودرء خطر الحرب الأهلية، وهي تقوم على إسقاط نزعة احتكار القرار السياسي من قبل ممثلي طائفة معينة وإقامة فضاء من الثقة لصياغة هذا القرار بشكل جماعي..يكفي القول بأن حاجز المحاصصة حالَ دون انخراط عشرات الآلاف من الكفاءات والمواهب والتخصصات العراقية، في دورة بناء وتأهيل العهد الجديد، وحرم الدولة من طاقات هائلة كان يمكن أن تساعد في تسارع الانتقال إلى المسار المطلوب. العراقيون وضعوا آمالهم في الصناديق لم يضع العراقيون في صناديق الانتخابات أوراقهم فقط بل وضعوا معها آمالهم بالخلاص.. وأي خلاص يريده العراقيون!! خلاص من حراب الاحتلال التي استباحت الوطن.. وحاولت أن تمحو ذاكرته وتاريخه وتراثةوإنجازاته العلمية والعملية.. وعمقت شروخ الطائفية البغيضة في الجسد العراقي الواحد.. واغتالت أحلام الناس بغدٍ مشرق تصان فيه كرامة الوطن.. والمواطن. ولأن العراق عصي على الاغتيال عض على جراحه النازفة وتوجه إلى صناديق الانتخابات مدفوعاً بأمل الخلاص... وأي خلاص يريده العراقيون!! خلاص من حالة المحاصصة ومحاولات التقسيم تحت أية ذريعة.. وخلف أي شعار.. ومن حالة الانحدار باتجاه الطائفية المدمرة لعراقة هذا الوطن العريق حتى الثمالة.. وخلاص من الرموز التي تسيدت في غفلة من الزمن وقادت الوطن باتجاه الخراب والاضطهاد والمحاصصة والتمزيق.. خلاص من الفساد والإفساد الذي انتشر في كل مكان كالأورام الخبيثة... وأنهك الجسد بكامله. وخلاص من تسلط الميليشيات التي ترتدي ملابس وزارة الداخلية, وتعيث فساداً في البلاد وبين العباد... فتقتل هنا.. وتعذب هناك.. وتنشر الرعب والقلق هنا... وهناك. وخلاص من المستقبل القاتم لأطفال فتحوا عيونهم على الانفجارات والقتل على الهوية والفساد... كل هذا.. وغيره الكثير وضعه العراقيون مع ورقتهم الانتخابية في الصناديق... وانتظروا بأمل وترقب.. فماذا أنجبت هذه الصناديق في ظل الاحتلال.. ومن يعشق إلغاء الآخرين ويقاتل من أجله؟!! أنجبت تزويراً... وتحريفاً.. وتدخلات سافرة ومقنعة, وانبعثت منها رائحة غير زكية ملأت الأفق قبل أن تحصى الأرقام... في حين أرادها العراقيون وروداً تفوح بروائح طيبة تضمد الجراح وتوحي بأفق نقي... ومريح.. إذا كانت خطوة صحيحة باتجاه ديمقراطية منشودة تخفف عن كل العراقيين مآسي الماضي الذي عاشوه بكل ثقله.. ومصائبه.. وفظاعته.. وفضائحه. وإذا كان للانتخابات من ميزة، فإنها تكشف معادن الناس، وتظهر رقعة التأييد الجماهيري التي يتمتع بها كل كيان سياسي، دينيا كان أو ليبراليا أو علمانيا، قوميا كان أو طائفيا، وهي في الوقت نفسه تجلي معالم الخارطة السكانية للعراق من زواياها الدينية والعرقية والمذهبية، فعملية الاستفتاء التي شارك فيها سنة العراق بشكل فاعل وأحجم عنها شطر غير قليل منهم، فان البعض من القيادات العراقية رفض القبول بالأرقام التي خرج بها الاستفتاء، وهو ما كان متوقعا. حيث سجلت نسبة أصوات سنة العراق في بغداد العاصمة بنحو 18٪ فقط. الجبوري: جميعنا شركاء وثمة أصوات معترضة على نتائج الانتخابات ومنهم الدكتور عبد الكريم الجبوري نائب رئيس «كتلة المصالحة والتحرير» التي يتزعمها مشعان الجبوري الذي قال: إن مبدأنا يؤكد بأننا جميعاً شركاء في هذا البلد نتطلع إلى شراكة حقيقية لأن الدم العراقي غال وهذا النزيف من الدم يحتم علينا جميعاً كشركاء سياسيين أن نتحاور لمصلحة العراق والعراقيين، ونحن ضد قتل الشرطة والحرس الوطني وضد قتل أي شخصية، لكن الاحتلال له حالة أخرى وهي المقاومة الشريفة التي تعمل على مناهضة المحتل، لذلك نحن نتطلع إلى حرية المفوضية المعينة من قبل الأممالمتحدة وان شاء الله ستكون عادلة ونزيهة لأنها لمصلحة العراق، ويفترض بها أن تقف موقفا بطوليا ونزيها وشفافا الآن. ونحن لسنا ضد أي شخص ومن دون استثناء ونحن جميعاً اخوة ومستعدون لأي شيء فيه مصلحة العراق والعراقيين. وعن موقفه من المراقبين الدوليين الذين أكدوا نزاهة الانتخابات قال: بخصوص المراقبين الدوليين فنحن طلبنا من الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان رسمياً عند زيارته لبغداد أن يكون حضور المراقبين الدوليين قوياً، لكنه لم يكن حضوراً قوياً في الانتخابات ولو كان لهم حضور لما حصلت أية مشكلة وعن إعادة الانتخابات قال: لا ضير في إعادة الانتخابات تحت إشراف أممي ونحن لم نختلف مع الكتل الأخرى، ونحن عراقيون مصيرنا مشترك وإذا حصل خطر خارجي على العراق فالكتل الأخرى ستقاتل من اجل العراق قبل كتلنا. نحن أخوة وأنا أناشد علماء الدين والمراجع العظام وشيوخ العشائر بأن يتكلموا بالعقل والحكمة والتروي لأننا في هذه التظاهرة السلمية نريد الحفاظ على الدم العراقي، ونحن نريد عراقاً واحداً غير مجزأ، نختلف في الرأي وهذا من حقنا وحق غيرنا، نختلف في الرأي ونتحاور وهذه هي الديمقراطية، نختلف ونتحاور إلى أن نصل إلى الهدف، ونحن نختلف في الرأي من اجل مصلحة العراق، أما العنف فمن اليوم أناشد رجال الدين والكيانات السياسية أن يصدروا فتاوى بتحريم سفك الدم العراقي الغالي. انتهى كلام السيد الجبوري فماذا عن آراء أخرى: المثقف العراقي.. والمسؤولية الكبرى يقول المخرج المسرحي العراقي باسم داوود الذي يعمل في إدارة الشارقة: المثقف العراقي - الآن أكثر من أي وقت آخر مضى- أمام مسؤولية جسيمة وليس من واجبه ان يقوم ببث الفرقة والشتات بين الصفوف وليس من واجبه نصرة فريق دون آخر ويا للعجب من مثقف ينسى ما هو ملقى على عاتقه تجاه قضايا بلده، ويساهم وبفعالية منقطعة النظير لتبديد الخلافات بين مختلف الشرائح والطوائف السياسية والمذهبية. إن من واجبنا نحن الذين ندعي الثقافة ان نتحرك حسب ما تمليه علينا مصالح البلد العليا ومصالح الأهالي ونعمل من أجل نشر ثقافة التسامح وقبول الآخر واحترام الرأي المخالف، لا أن نأتي ونعمق الجراحات ونوسع من الفجوة ونتحرك حسب أهواء القيادات السياسية التي تتفانى للوصول إلى كرسي الحكم...بل نتحرك بما تمليه علينا ضمائرنا ومحبتنا لوطننا ولأن العراقيين عصاة على الهزيمة وعلى الاعتراف بها فلقد تنادوا لرأب الصدع الذي أوجدته انتخابات كهذه, ولتجاوز المحنة السياسية الجديدة. ويقيناً إذا تحلى المخلصون بالحكمة والصبر والمصابرة والحلم فسوف يتجاوز العراق هذه المحنة وستسقط... وستأخذ معها كل المراهنين على التقسيم.. والمحتمين بحراب الاحتلال... وسيتجاوز العراقيون هذه المحنة بإصرار وعزيمة ولن يقعوا في فخ الاقتتال.. والاحتكام إلى السلاح لحل المشكلة كما يريد لهم البعض. وهذه دعوة للعراقيين.. كل العراقيين.. إلى الوقوف بحزم والتصدي لهذه الأزمة مدججين بسلاح الحكمة.. والعزيمة والحوار الذي يعترف بالآخر.. ويحترم حق الخلاف والاختلاف ويعتبره ظاهرة صحية تقود إلى الغنى وليس للقطيعة. وإلغاء الآخر.. ولطالما مر على العراق أزمات ونكبات وتجاوزها الشعب العراقي وخرج منها منتصراً كما خرجت العنقاء من رمادها سليمة معافاة.. وللعراقيين.. كل العراقيين.. نقول إن العراق يستحق ذلك.. ويستحق ما هو فوق ذلك.. خروقات الانتخابات وأكد طارق الهاشمي الناطق باسم الحزب الإسلامي العراقي أحد تشكيلات جبهة التوافق العراقية: أن الانتخابات شكلت بأرقامها المعلنة وخاصة فيما يتعلق بمحافظة بغداد صدمة كبيرة للجميع وأن الخروقات التي تأكدت لدى الجبهة تزيد عن (150000) صوت عن التقديرات التي وصلتها عن طريق وكلاء الكيانات السياسية ومراقبيها في مراكز الانتخابات المتفرقة في بغداد، مؤكدا إلى أن المعطيات تشير إلى أن مشاركة العراقيين في المناطق التي للجبهة حضور قوي وفاعل فيها عالية جداً وهو ما يتطلب أن تكون النتائج متكافئة مع تلك المعطيات ومع مجموع السكان الذين شاركوا في الانتخابات، وحذر من أن الجبهة لن تسكت على الإطلاق على تلك الخروقات. إلى ذلك روجت مجموعات موالية للنظام الإيراني في عدد من أحياء بغداد كالشعلة والشعب وحي أور إشاعات تفيد أن كل من يدلي بصوته لقائمة إياد علاوي فسوف يتم قتله أو الثأر منه، بل ذهب البعض إلى أكثر من ذلك حيث تم في بعض المراكز إلغاء وإبطال الأصوات التي أدلى الناخبون بها لصالح قائمة إياد علاوي واستبدالها بأوراق موزعة مسبقاً بين المراقبين على صناديق الاقتراع، والأخطر من ذلك ما جرى في مدينة (بلدروز) في محافظة ديالى عندما توجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع بعد التأخير في افتتاح المراكز الانتخابية هناك ليجدوها قد امتلأت بالاستمارات الانتخابية المعدة سلفاً، وكانت صهاريج قد دخلت إلى العراق عبر الحدود مع محافظة ديالى في يوم 14 كانون الأول 2005 يستقلها ثلاثة إيرانيين محملة بصناديق الاقتراع حسبما ذكرته قوات الأمن الداخلي الإيرانية في محافظة كرمن شاه في تقرير لها، ولم يسمح عناصر من منظمة بدر لأهل السنة من التصويت في منطقة حي العمال بمدينة الخالص في مدرسة بعلبك حيث منعوا (300 ) ناخباً ممن كانوا قد أدلوا بأصواتهم سابقاً في الاستفتاء على الدستور من الإدلاء بأصواتهم هذه المرة، وحصل الأمر ذاته في حي الجنود في المدينة وأيضاً في مناطق الغالبية والطارمية، كما وقامت عناصر من الشرطة ووزارة الداخلية الموالية لبعض القوائم بشطب أسماء بعض المسجلين في المناطق السنية في بعقوبة وكانوا يمنعون البعض الآخر من الإدلاء بصوته بشتى الذرائع، وفي الساعة الرابعة والربع أُعلن في مناطق (بهرز والكاطون وكنعان والمعلمين) عن إغلاق مراكز الانتخابات وذلك بحجة أن المفوضية العليا للانتخابات لن تسمح للمواطنين المشطوبة أسماؤهم من المشاركة في الانتخابات باستعمال البطاقات التموينية عوضا عن شطب أسمائهم في المراكز الانتخابية، وفي مدينة الموصل شمال العراق وفي منطقة المضمار تحديدا قامت عناصر من القائمة (555) بسرقة عدد من صناديق الاقتراع. انتهى كلام طارق الهاشمي الذي صرح وعلى أصحاب الشأن التحقق من صحة هذه التصريحات احتراما للحقيقة والمصداقية فالأيام القادمة في حياة العراق الحاضرة والمستقبلية هي أحوج ما تكون إلى ذلك.