لم أشاهد مسلسلاً أكثر من مرة، مثلما شاهدت مسلسل "الشرار" والذي يحمل قيمة فنية وجودة في القصة والسيناريو والحوار والتمثيل والإخراج، حيث دارت أحداثه من وحي خيال المؤلفة المبدعة لمياء الزيادي، أحداث بين بادية وقرية متجاورتين بين الحجاز ونجد، خيال درامي مليء بالأحداث التصاعدية، بدأ بامرأة تكتشف أثناء جمعها للحطب فضيحة تتطور وتتشابك إلى قصص اجتماعية تحمل في طياتها الكثير من الأسرار الخفية والغموض، لا تنكشف إلا في الحلقة الأخيرة، لقد جذبتني قصة الشرار كمحب لمشاهدة المسلسلات المحلية، خاصة التي تحمل الطابع الاجتماعي المحملة في طياتها بالكرم والشعر والنخوة والشجاعة والعشق، إلى جانب القيم الأصيلة والأحداث المليئة بالتشويق، دارت أحداث هذا المسلسل في حقبة زمنية تعود إلى أكثر من مئة عام، حيث ذكرت كاتبة العمل في أحد لقاءاتها الإعلامية سابقاً، أن الفكرة أتتها من غيرتها على التراث البدوي والذي لم يترجم بعمل درامي حتى الآن، رغم أن الجزيرة العربية منبعه، فاختارت أن تكون أحداث عملها في تلك البيئة والحقبة الزمنية، وتناولت فيها قضية القذف وغلفتها برسالة هادفة مع الحرص على إبراز الشيم والقيم والعادات والتقاليد البدوية، نحن سواء أكان العمل الذي ظهر لنا من وحي خيال المؤلفة أو مستنداً على قصة واقعية من الماضي، فالعمل الذي يروي قصة امرأة من البادية السعودية وتوجه إليها أصابع الاتهام الطاعنة في شرفها وعفتها، فتناضل من أجل إثبات براءتها، بعد أن تخلى عنها كل من حولها بسبب العار والسمعة، يعد توضيحاً لجرائم القذف والشرف والكيد، الأمر الأزلي الذي تواردت قصصه عبر العصور، وقصة "منيفة" جعلتنا في حالة اندماج كامل معها من بدايتها إلى النهاية، ذلك لأن الكاتبة كتبت الحوار بإحساس مرهف، لامس المشاعر فعشناها بواقعية، فما عانته منيفة عانى منه الكثير من النساء في كل المجتمعات، فكم من امرأة وفتاة اتهمت بشرفها وراحت ضحية لغسل العار ظلماً حتى وقتنا الراهن في مجتمعاتنا العربية، حقاً إنها رسالة إنسانية من خلال هذا العمل، رسالة ناقشت قضية قادت إلى صراعات مختلفة بين الخير والشر، العمل كجزء أول ظهر في "21" حلقة تاركاً النهاية مفتوحة، لتعلقنا الكاتبة وتجعلنا نتوق للجزء الثاني، وخلافاً لمحور الأحداث الذي ارتكز عليه الشرار حول الشيخ سلمان "خالد صقر" ومنيفه "ريم عبدالله"، فإن المسلسل أعطى محوراً قوياً وشرارة أولى دارت عليها الأحداث، ذلك محور فضة وأختها سارة، واللتين قامتا بجرائم قتل ذكرتنا بجرائم "ريا وسكينة" العمل السينمائي والتلفزيوني والمسرحي المصري الشهير، جرائم نسوية انتهت بالإعدام، ختاماً نحن على يقين أن طاقم العمل في الجزء الثاني سوف يواصل تقديم كل ما لديهم من عطاء فني، من أجل توصيل رسائل مهمة فيها الطابع الاجتماعي والوطني وفيها التشويق والإثارة والمتعة الدرامية البصرية، أحيي مع الشكر طاقم العمل بلا استثناء، خاصة النجم الممثل المعروف نايف الظفيري، في دوره ذعار، والنجمة الصاعدة الممثلة رحاب العطار في دورها فضة.