تُعرف الغربان بذكائها الاجتماعي وتعقيد سلوكياتها، وأظهرت الأبحاث أن الغربان تمتلك نظامًا اجتماعيًا متقدمًا يشمل نوعًا من العدالة الجماعية. فعندما يخالف غراب ما قواعد الجماعة أو يظهر سلوكًا عدائيًا غير مبرر، تجتمع الغربان لمعاقبته بطريقةٍ قد تصل إلى النفي أو الاعتداء البدني. هذا النظام الفريد من العدالة يشبه إلى حد ما محاكمات الرأي العام التي نشهدها اليوم على وسائل التواصل الاجتماعي. في العصر الرقمي الحالي، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي منصة قوية لتبادل الآراء والتفاعل المجتمعي. في كثير من الأحيان، يقوم المستخدمون بدور "القضاة" في محاكم رأي افتراضية، حيث يتعرض الأشخاص الذين يقومون بممارسات مرفوضة مجتمعيًا لحملات نقد وإدانة واسعة. هذا يشبه إلى حد كبير الطريقة التي تتعامل بها الغربان مع الأفراد الذين يخرجون عن قواعد السلوك المتعارف عليها داخل الجماعة. تعتبر محاكم الرأي العام سلاحًا ذو حدين؛ فيمكن أن تكون قوة إيجابية للتغيير الاجتماعي عندما تكشف وتدين ممارسات سيئة وغير أخلاقية. تؤدي في بعض الأحيان إلى تحفيز النقاشات العامة وإحداث تغييرات فعلية في السياسات والمعايير الأخلاقية. لكن بالمقابل، قد تتسبب هذه المحاكمات في إلحاق أضرار كبيرة بأشخاص أبرياء أو تصعيد مواقف دون دليل إدانة قوي، مما يقود إلى ما يُعرف ب"الاغتيال المعنوي" عبر الإنترنت. تشترك الغربان ووسائل التواصل الاجتماعي في قدرة كل منهما على فرض نوع من العدالة غير الرسمية خارج نطاق الأنظمة القانونية الرسمية. في حالة الغربان، يتم تنفيذ العقوبة مباشرة وبشكل فوري، بينما في وسائل التواصل الاجتماعي، يتم التعبير عن الاستياء بشكل حاد من خلال التعليقات والمشاركات، التي يمكن أن تصل إلى حد المطالبة بمحاسبة الشخص المعني من قبل السلطات الرسمية أو المؤسسات التي ينتمي إليها. ومع ذلك، يتوجب علينا كمستخدمين لهذه المنصات أن نتحلى بالوعي اللازم للحدود التي تفرضها هذه العدالة الجماعية. فكما أن عدالة الغربان لا تتسم بالكمال وقد تكون في بعض الأحيان جائرة، فإن محاكم الرأي العام قد تتجاوز حدود العدل إلى الظلم إذا ما استُخدمت بشكل غير مسؤول. الأهم هو التوازن بين النقد البناء واحترام حقوق الأفراد، والحرص على عدم الانجراف وراء المشاعر الجماعية التي قد تقود إلى ظلم مادي أو معنوي كما يحدث في كثير من المواقف أو تضخيم قضية تافهة. تظل عدالة الغربان ومحاكم الرأي العام على وسائل التواصل الاجتماعي أمثلة قوية على كيفية تعبير الجماعات عن رفضها للسلوكيات المرفوضة وتطبيقها للعقوبات. لكن تبقى المسؤولية على عاتق كل فرد في هذه الجماعات لضمان تحقيق العدل والإنصاف بدلاً من ترويج ودعم الظلم والانتقام. خلود المباركي