من المشاهد المبهجة والجاذبة التي انتشرت مؤخرًا في المجتمع المحلي هو اتجاه فئة كبيرة من أفراد المجتمع إلى إبراز الموروث الثقافي المادي وغير المادي للمملكة العربية السعودية باختلاف مناطقها، وذلك من خلال تفعيل هذا الموروث الجميل في المتاحف والمقاهي والمطاعم وأماكن الأنشطة المختلفة، حيث حرصوا على إظهاره بشكل مميز، واجتهدوا في إيصاله إلى كافة فئات المجتمع المحلي والدولي، ودمجه مع التحديث الزمني وجعله حاضرًا رغم تفاوت السنين، وقد انعكس تواجد الموروث على الزوار بشكل جميل وفعال حيث حرصوا على معرفة ثقافة المنطقة التي يزورونها والتفاعل معها من خلال مشاهدة فعالياتها، وارتداء الأزياء، وتصويرها، وتناول الأطعمة المختصة بها، والتعرف على معمارها ورقصاتها الشعبية، واقتناء الهدايا التي ترمز لثقافة المكان، وهذا يُعتبر انعكاس إيجابي وتصدير لثقافتنا داخليًا وخارجيًا، ويعتبر إبراز الموروث بشكل مجتمعي من خلال الأفراد دلالة على عمق الهوية وعلى الإيمان بممتلكاتنا، وعلى أصالة السعوديين الذين يتباهون بهذا الإرث العميق بمختلف مظاهره ومواقيته، ومن الجميل أيضًا أن تلك الجهود الذاتية تواكب رؤية 2030، الرؤية العظيمة التي من أهدافها السامية الحفاظ على هذا التراث بكل صوره، كما تساهم تلك الجهود في تحقيق جزء من المساعي الكبيرة لوزارة الثقافة ولهيئة التراث والتي تعمل بكثافة وشغف للحفاظ على تلك الكنوز العظيمة، فمشاركتنا كشعب في ذلك الضوء سيحقق الاستدامة الثقافية، فنحن لسنا بحاجة إلى ثقافة مستعارة بل في حاجة إلى إبراز هُويتنا وثقافتنا وتعميقها في أجيالنا حتى تنمو معهم وتتجذر فيهم، خاصة أن المملكة العربية السعودية تحمل موروثا ثقافيا متنوعا هائلا ورائعا وغنيا، والمبادرات المجتمعية لها دور بنَّاء في هذا التبادل الثقافي بين مناطق المملكة، أيضًا وجودها المستمر في حياتنا يساهم في ترسيخها وحمايتها من مخاطر العولمة، كما تغذي شغف السائح الذي طالما دُهش من موروثنا العميق، وثقافتنا العظيمة، الجدير بالذكر أيضًا هو وجود فئات عمرية مختلفة سعت لإظهار الموروث، حيث نشاهد الشيخ المسن وهو يحكي عن هذا الإرث بحنين وانتماء، وقد علت البهجة تجاعيده لأن تاريخًا قد استيقظ بداخله، ونشاهد أيضًا ذلك الطفل الذي تبنى هذا الإرث بفخر وبدأ بالمجاهرة به من خلال حديثه وأرديته وإتقانه للعادات الأصيلة، نجد من هم في منتصف العمر وقد عادوا بالتفاصيل لزمنٍ قديم وثوابت عميقة وهم معتزين بهويتهم، وهذا من جماليات المشهد حيث إن التباين العمري دلالة على عمق الهوية والأصالة والانتماء والتحيز، «صحوة الموروث» مبادرة فعَّالة ورائعة لأن استدامة ثقافتنا وإبرازها رِفعة لنا ولتاريخنا العريق.