أسمت وزارة الثقافة الأعوام الأربعة الماضية بأسماء رموز ثقافية وطنية، لزيادة الحراك الثقافي، والاهتمام بشكل مركز على تلك المسميات من حيث المحتوى والفعاليات التي تتناسب من النسق الثقافي الوطني لتخليد الرموز الثقافية الوطنية. وانتقت الوزارة كونها الجهة المعنية بمثل هذا الحراك، اختيار المسمى وجاء في العام الأول لهذا المشروع 2020م بعام "الخط العربي" حيث أعلن ذلك صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان وزير الثقافة، وامتد الاحتفاء به عاماً إضافياً ليشمل عام 2021م نظراً لظروف جائحة كورونا آنذاك، لما له أهمية واتصال وثيق باللغة العربية، وما يمتلكه من تاريخ وجماليات في هندسته وتفاصيله وأشكاله، التي تبرز مخزوناً ثقافياً إبداعياً يعكس ثراء الثقافة العربية؛ بهدف تعزيز حضور الخط العربي بجميع القطاعات الحكومية والخاصة والأفراد، إلى جانب حضوره في المحافل والمؤتمرات المحلية والعالمية، إضافةً إلى الدور المعرفي والتثقيفي الذي تتبناه الوزارة في نشاطاتها عبر نقله من مصدرٍ معرفي إلى أيقونة تمثل الهوية السعودية، والفنّ المتجدد، والإرث الحضاري. واختير عام 2022م ب ''عام القهوة السعودية''، حيث أطلقت وزارة الثقافة 2021م الهوية البصرية الخاصة، مستلهمةً شعار الهوية من "الفنجال" بما يحمله من إشارات دلالية مرتبطة بالقهوة، وبقيم الكرم والضيافة السعودية الفريدة، التي رافقت جميع الأنشطة والتفعيلات والتصاميم كونها إرثاً ومنتجاً ثقافياً مسجلاً للمملكة العربية السعودية عبر تاريخ حافل بالعادات والتقاليد، والحضور الإنساني والجمالي والفني في الأغاني والقصائد واللوحات، حتى أصبحت عنصراً رئيساً في الثقافة والموروث الشعبي السعودي، وعلامةً ثقافيةً تتميز بها المملكة، سواءً من خلال زراعتها، أو طرق تحضيرها وإعدادها وتقديمها للضيوف، ومن منطلق المكانة العالية لهذا الرمز الثقافي والوطني، وتسليط الضوء على البُن الخولاني السعودي بوصفه منتجاً سعودياً أصيلاً. ويقول أحد المهتمين والباحث في القهوة ناصر المجماج: "ترمز القهوة السعودية لأهم وأبرز القيم التي يفخر بها العرب فهي الرمز الأقوى للكرم، وهي المنعش الوحيد للرؤوس الشامخة، والنفوس الرفيعة، كما أنها العنوان الأهم للتحدي بين الأبطال قبيل بدء المعارك، كذلك اهتم السعوديون قديماً بالقهوة صنعاً وتقديماً حتى إن الرجال تولوا صنعها بأنفسهم في صدور مجالسهم حتى أطلق على المجلس مسمى (القِهَوة) بكسر القاف وفتح الهاء بعدها، كما فخر الكرماء بتميز ما يصنعونه منها وتفنن الشعراء بوصف طريقة صنعها ومراحلها، ووصف أوانيها، وما يضاف إليها من إضافات. ويروي الباحث المجماج محمد العبدالله القاضي وصف اهتمامهم باختيار النوعية الجيدة من القهوة، وتصفية حبوبها من الشوائب : قربت له من غاية البن مالاق ** بالكف ناقيها عن العذف منسوق ثم يصف حمسها ورائحتها وما يضاف إليها من منكهات كالهيل والقرنفل والزعفران والشمطري.. احمس ثلاث يا نديمي على ساق ** ريحه على جمر الغضا يفضح السوق حذراك والنية وبالك والاحراق ** واصح تصير بحمسة البن مطفوق إلى أصفرّ لونه ثم بشّت بالأعراق ** وصارت كما الياقوت يطرب له الموق وعطّت بريح ٍفاضح فاخر فاق ** لا عنبر ريحه بالأنفاس منشوق ثم يوصي بدقها بالنجر، والنجر أهم ما يدعي الضيوف فهو الإعلام بوجود قهوة ومجلس مفتوح: دقه بنجر يسمعه كل مشتاق ** راع الهوى يطرب ليادق بخفوق وأسمت وزارة الثقافة عام 2023 ليكون "عام الشعر العربي" من أجل ترسيخ هذا المكون الحضاري تسعى المملكة العربية السعودية إلى جعله حاضراً في الحياة اليومية للثقافة السعودية والعربية، حيث احتلّ الشعر العربي مكانة ثقافية باعتباره من أهم المكونات الحضارية للثقافة العربية، وحتى وقتنا المعاصر تصدر الشعر العربي المحافل الأدبية على مدى عقود مضت. وأكد الشاعر والأديب ناصر السبيعي، أن الاحتفاء بالشعر يدل على اهتمام المملكة الكبير بالإبداع والأدب، ودعم الموهوبين وتكريم الرواد لما لهذا الأدب من دور كبير ومكانة كبيرة لدى المجتمع، مشيراً إلى أن احتفاء المملكة بعامٍ للشعر غير مستغرب فهي بلد المعلقات التى كانت مقصداً لكل الشعراء فى الوطن العربي وما زالت. من جهتها أكدت الشاعرة الدكتورة مناير الناصر، أن الاحتفاء بعام الشعر العربي كرس لدى النساء أهمية وجودهن على المنبر الثقافي، وحراكاً أدبياً، ودعماً لهن في الإنتاج الأدبي، والوجود من خلال الأمسيات الشعرية المحلية، والمحافل الدولية التي تعكس ثقافة وعادات وتقاليد المرأة السعودية الأصيلة. وتبلورت تلك الاحتفالات الثقافية في آخر إعلان حينما جاءت موافقة مجلس الوزراء على تسمية عام 2024 ب«عام الإبل»، لما تمثله الإبل في القيمة الثقافية الفريدة في حياة أبناء الجزيرة العربية، وتأصيل مكانتها الراسخة، وتعزيز حضورها محليّاً ودوليّاً، باعتبارها موروثاً ثقافيّاً أصيلاً، ومكوناً أساسيّاً في البناء الحضاري، كما أقامت وزارة الثقافة مسابقة مغامرة مزيونة، وهي مسابقة رقمية الموجهة للأطفال واليافعين ضمن مبادرة عام الإبل 2024م، بهدف التشجيع على تأليف القصة المصورة، وتسليط الضوء على مكانة الإبل في الثقافة السعودية وعلاقتنا الوطيدة بها، وتدور أحداث القصة حول الناقة مزيونة ومغامراتها الشيقة في صحاري المملكة. وأكد المهتم بالإبل الدكتور هاجد الحربي، أن تسمية عام (2024) عام الإبل، أتى لتأصيل عمق الرؤية الوطنية (رؤية 2030)، وتركيزها على المكونات الثقافية لأبناء الجزيرة العربية النابعة من تراثهم الأصيل . وأشار إلى أن الإبل على وجه الخصوص تحظى بمكانة كبيرة واهتمام بالغ في الثقافة العربية، لا سيما في شبه الجزيرة العربية والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص مما يؤهلها لتكون أيقونة تاريخية ورمزاً ثقافياً ارتبط بصورة متوهجة وناصعة في تراث الأمة العربية والإسلامية، ولذلك يزخر الموروث الفكري والثقافي العربي بجميع أنماطه التاريخية وأشكاله التعبيرية بحضور عالم الإبل بصورة أثيرة، ابتداء بالنصوص الدينية المقدسة واسترسالاً إلى النقوش والآثار التاريخية، ومروراً بالشفويات والمدونات المتعددة في المنثور والمنظوم من التراث العربي على مر العصور. وعلى الصعيد الاجتماعي لا تزال الإبل في حياة واهتمامات الإنسان السعودي ذات قيمة خاصة وحضور متميز وتطور ثقافي وتنموي يتناغم بانسجام مباشر مع ما توليه القيادة الحكيمة من متابعة واهتمام فاعل بهذا الشأن، كما أن الاهتمام المباشر من جميع مؤسسات الدولة وعلى رأسها وزارة الثقافة وصندوق الاستثمارات العامة والمؤسسات الحكومية الأخرى بالإبل يعطي انطباعاً صادقاً بتحقيق إسهام أصيل، وتأثير انعكاسي مثمر للإبل في رؤيتنا التنموية الطموحة.