يميزنا كعرب في الجزيرة العربية وفي الأقطار الأخرى، وكسعوديين بصفة خاصة باختلاف قبائلنا، ولهجاتنا، بل حتى ملامحنا وسحناتنا؛ أننا جميعًا لدينا قيم معينة توارثناها أب عن جد وهي كدستور غير مكتوب نعرفه ونميزه كباطن أيدينا. عرفه من عرفه وجهله من جهله. ولكن الغالبية العظمى تمارسه دون وعي، لأننا من بداية حياتنا عشنا على تلك القيم ونراها أمامنا وتربينا على محاكاتها. بدأت هذه القيم في الساحة العظيمة التي تسمى المجلس وهي أوسع مساحة لدى العربي في منزله بعد «صدره». حيث يمدها قدر ما يستطيع، لأبعد من مدى نظره. وقد قيل في كرم البدو أن «الضيف إذا أقبل أمير، وإذا جلس أسير وإذا ابتعد شاعر» أي: أن الضيف يُكرّم ويحتفى به كالأمير منزلةً، يحتفون به ويحيطونه كالأسير من فرط الكرم وعندما يرحل فإنه شاعر يتغنى بكرمهم وحسن ضيافتهم. ومجالس البادية لديها من الآداب الشيء الكثير غير المنطوق ولكنه بديهي وتجده في كل مجلس رش العطر وإشعال البخور في المباخر، وأما في آداب الحوار فلا يجوز الحديث لأحد من الجلوس بالمجلس إلا في دوره، ولا يجلس الضيف بشكل عشوائي بل لكل قامة وعمر من الحضور منزلةً ومقعدًا مناسبا.. فمثلًا من يذهب للاستماع فقط له أطراف المجلس، وتمتد السهرة في المجلس ما بين حديث وبحث في أمور القبيلة ومشاورة في قضاياها، ثم ينتقل الحديث إلى أخبار البادية وأخبار التجارة. حيث إن هناك ترتيبا للمواضيع متعارف عليه. ومن أدب تلك المجالس الاعتذار من المضيف عن القصور وحتى وإن لم يكن هناك قصور.. ومن الأعراف المتعارف عليها كذلك عدم أكل وجبتين في أوقات الطعام المعروفة، فمثلًا في حال تناول الضيف وجبة غداء عند فلان فيجب عليه ألا يأكل الغداء عند شخص آخر حتى لا يتهم الأول أنه لم يشبع ضيفه لأنها «عيب» وموضع نقد شديد. بالإضافة إلى أنه يجب أن يمتنع المضيف عن النعاس أو التعبير عن النوم بأي شكلٍ كان حتى لا يشعر الضيف بثقله ويرحل. هذه الآداب غير مكتوبة ولا مدونة بل منقوشة في أذهان أبناء البادية لتترك عاداتٍ وخصالًا كريمة تشابه أهلها. الجلوس له أداب وتقديم القهوة له آداب ومن الأمور المهمة لديهم إكرام الضيف يقول الشاعر: أُضاحك ضيفي قبل إِنزال رحله ويخصبُ عندي والمحلُّ جديبُ وَما الخصب للأَضياف أَن يكثر القِرى ولكنما وجه الكَريم خَصيبُ....