سعدتُ بقراءة كتاب "الإدارة المحلية والقطاع البلدي... الرياض أنموذجا" لسمو الأمير د. عبدالعزيز بن محمد بن عياف أمين منطقة الرياض سابقا الذي شرفني بإهدائه الكتاب. لقد أضاف محتوى الكتاب إلى معارفي الكثير، حيث تجولت في حقوله الثرية من الفصل الأول إلى الخاتمة من القطاع البلدي بين النظرية والتطبيق إلى ملامح من خطوات للمستقبل مرورا بالفرص الضائعة وتعظيم استثمارها ومبادرات الأنسنة التي قادت لواءه أمانة منطقة الرياض في عهد المؤلف وسارت على نهجه بقية الأمانات. هنا نقف على بعض محتويات الكتاب الثرية لنقل بعض ملامحه إلى القارئ الكريم. يستهل الكتاب بأهم الصعاب وهي التحديات الكثيرة في العمل البلدي وإدارة المدن، وتستمر مثل تلك التحديات ما استمر وجود المدن إلا أن التحديات شيء والوقوع في مأزق شيء آخر -وفق رأي الكاتب الذي يردف- بأن مدننا والعمل البلدي عامة للأسف واقع في كثير من المآزق ويعاني منها، يتمثل ذلك في عدم استطاعة البلديات بأسلوب إدارتها (حينذاك) وبإمكاناتها المالية المتاحة، الاستمرار في تقديم ولو الحد الأدنى من الخدمات الأساسية المطلوبة منها، فضلا عن استطاعتها تطوير هذه الخدمات وزيادتها كيفا وكما. ويضيف؛ أن التحدي الحقيقي أمام المدن السعودية هو في انتقالها من الاعتماد الكلي على الدولة في تكوين ميزانياتها إلى الاعتماد الذاتي على إيراداتها واستثماراتها البلدية في دعم ميزانياتها، وللخروج من هذا المأزق فلا بد للعمل البلدي وإدارة المدن من التفكير خارج الصندوق، وبعيدا عن رادار مظلة العمل البلدي التقليدي الحالي وبفكر جديد وخلاق. يستعرض الكتاب عددا من المبادرات والمقترحات بالإضافة إلى عدد من البرامج والمشاريع التي قامت بها أمانة منطقة الرياض، وهي مبادرات لم تكن لتثمر لولا أن الأمانة سعت، وبعيدا عن تأثير القطاع البلدي الروتيني وإدارته المركزية إلى محاكاة نهج الإدارة المحلية. ويشير إلى أنه لا يمكن الزعم بوجود تام لمفهوم الإدارة المحلية، ولكننا استطعنا إيجادها ولو بالحد الأدنى والمشي بين ملفات البيروقراطية وقد شجعنا -والحديث لسموه- ما تم من إنجازات وانفراجات في عملنا البلدي على المطالبة بضرورة تبني الإدارة المحلية في الرياض وغيرها من مناطق المملكة لأنه لا بديل غير ذلك إذا ما أردنا لمدننا أن تتطور وتتنافس في تقديم وتنويع خدماتها للسكان، وباستقلالية تامة ماليا وإداريا. ا ه. تعتبر كلمة "مبادرة" إحدى المفردات الأساسية التي تميز أمانة منطقة الرياض، حيث استخدمتها الأمانة لتعزيز العلاقة بينها وبين سكان المدينة. وقد أسهمت هذه المبادرات في بناء جسور من المحبة والتقدير والشراكة، مما منح الأمانة مكانة إيجابية في نفوس الكثير من سكان العاصمة. تستمد هذه المكانة من الاحترام والتقدير، إذ يرتبط الإنجاز البلدي بالمصداقية والقرارات المدروسة التي تهدف إلى خدمة الغالبية العظمى من السكان، لقد وضعت الأمانة سكان العاصمة في صميم اهتماماتها، حيث تسعى لتلبية احتياجاتهم ومصالحهم دون انتظار طلباتهم، بل تتجاوز توقعاتهم ورغباتهم وتسعى لنشر استبيانات لتدوين ملحوظات واهتمامات السكان. لذا، تم طرح مجموعة من المبادرات والأفكار والبرامج الجديدة التي تستجيب للمتغيرات المحيطة، مما يضمن مشاركة فعالة للسكان بديلا عن أن يكونوا مجرد متلقين. لقد ألهمت الكثير من مبادرات أمانة منطقة الرياض العديد من المدن في المملكة، حيث أصبحت مشاريع الرياض نموذجا يحتذى به، الأمر الذي جعل بعض البرامج تعمم على بقية المدن ومن ذلك على سبيل المثال، مبادرات احتفالات العيد واليوم الوطني، وإنشاء الساحات البلدية التي توفر متنفسا ترويحيا ورياضيا لجميع أفراد الأسرة والمجتمع. وقد سمع سكان المملكة -لأول مرة- بمصطلح "أنسنة المدن" من خلال مبادرة أمانة الرياض لتعزيز التنمية الثقافية، والتي شملت فعاليات تراثية وفنية متنوعة. كما انطلقت من الرياض مبادرة "ممرات المشاة" التي بدأت من "شارع الحوامل" استجابة للاحتياجات المجتمعية المتزايدة وعلى أثر ذلك تم تطوير الموقع شارع الحوامل رغم عدم ملاءمته في البداية، لتتوسع التجربة بعدها في شوارع العاصمة مثل طريق التحلية وشارع الأمير سلطان وشارع مساعد العنقري وغيرها، لتنطلق المبادرة لاحقا في أنحاء المملكة. كذلك، ابتكرت الأمانة مسارات جديدة لتغيير النمط السائد في حدائق العاصمة، مما أدى إلى زيادة الإقبال عليها بشكل ملحوظ بعد أن كانت الحدائق مصدر عزوف كثير من المواطنين. ولتأكيد أن منشأ المبادرات انبثق من قلب الأمانة، نجد أن أول عمل لتمكين المرأة كان بمبادرة من أمانة العاصمة عام 2006، حيث تم إنشاء وحدة نسائية مستقلة مكونة من ثماني موظفات لخدمة النساء في إنجاز معاملاتهن البلدية. وقد تفرعت عن هذه المبادرة تعيين وكيلة للأمين كأول وكيلة في المملكة عام 2012، مما ساهم في نقل هذه التجربة إلى بقية أمانات المناطق. ختاما يصعب الإحاطة بمحتوى الكتاب الثري غير أن المثل يقول؛ حسبك من القلادة ما أحاط بالعنق.