لا أحد يختلف على ريادة المملكة العربية السعودية الإسلامية، وهذه الريادة استحقاق لم يأتِ جزافاً؛ وإنما مستجيباً لموقعها الديني والجيوسياسي الذي جعلها مهوى أفئدة العالم بأسره إن على المستوى الديني أو على المستوى السياسي أو الاقتصادي وغيره. والمملكة منذ تأسيسها، وكما يشهد بهذا مفكّرو العالم الإسلامي وزعاماته الدينية المختلفة تؤكد على أن المملكة تقوم بدور كبير في التصدي للكراهية بما يتسق مع ريادتها للعالم الإسلامي، وقد ترجمت بلادنا هذا الشعور والدور الذي تنهض به عمليّاً من خلال احتضانها لكل ما يخدم هذا الدين وتوجهاته التي تخدم البشرية جمعاء، فنجد أنها ترعى وتدعم المؤتمرات التي تحث على تعزيز التسامح والتعايش والتصدي للكراهية؛ إذ تعمل بكل ما أوتيت من إمكانات وقدرات للقيام بمسؤولياتها التاريخية التي حتّمتها الأوضاع المتسارعة والمتغيرة والتي تهدد في غالب الأوقات لحمة عالمنا الإسلامي واستقراره وتهدد كذلك منظومته القيمية. ولعلّ من أهم مميزات الأدوار التي تقوم بها المملكة تجاه العالم الإسلامي هو تفاعلها الخلاّق واستجابتها الراهنية المرنة مع كل ما تقتضيه التحولات التي يشهدها عالمنا الإسلامي، من تجدّد في الظروف ومقتضيات العصر، وانفتاحها على كل المستجدات، ومكتسبات المعرفة، فكان انفتاحها على كل الأفكار، والظروف بشكل مرن مع احتفاظ هذا الدور والموقف، بثوابت ديننا الإسلامي الحنيف، وتعاليم شريعتنا الغراء، فكانت الموازنة الفطنة التي تسير بثبات نحو العصرنة والتجدد، والأخذ بمقتضيات العصر، والانفتاح عليه، مع الحفاظ على الثوابت، ومنظومة التشريعات والقيم التي تأخذ بالتسامح والتجديد في الفكر، ونبذ التعصب، والانفتاح على الآخر والتحاور معه. من هنا فإن هذه الريادة الإسلامية للمملكة تتأكّد باستمرار، ويبدو هذا جليّاً من تعزيزها لكل القيم الناظمة لوحدتنا الإسلامية، ولعلّ احتضانها للمؤتمر التاسع لوزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية في دول العالم الإسلامي ومجلسه التنفيذي الذي يأتي برعاية من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله- ويعقد بمشيئة الله تعالى في مكةالمكرمة خلال الفترة من 28 المحرم إلى 1 صفر لعام 1446ه بعنوان: (دور وزارات الشؤون الإسلامية والأوقاف في تعزيز مبادئ الوسطية وترسيخ قيم الاعتدال)، لعل هذا المؤتمر يرسّخ الدور والريادة السعودية لكل ما يخدم تضامننا الإسلامي، ويعزز قيمنا الفكرية، وروابطنا الدينية والثقافية وغيرها، إذ يشارك في هذا المؤتمر المهم وزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية، ومفتون ورؤساء مجالس وجمعيات إسلامية في أكثر من 60 دولة، يبحثون خلاله موضوعات راهنة مهمة في عناوينها وموضوعاتها، منها على سبيل المثال: تعزيز مبادئ الوسطية، وترسيخ قيم الاعتدال، ودعم القيم الإسلامية المشتركة وقيم التسامح والتعايش والعمل على مواجهة مستجدات التطرف والغلو والإرهاب، وأهمية تحصين المنابر من خطابات الكراهية والتطرف، ومنها كذلك خطورة الفتوى بدون علم أو تخصص وأثر انحرافها عن منهج الوسطية والاعتدال، وتعزيز المواطنة في دول العالم الإسلامي، ووسائل التواصل الحديثة ودور وزارات الشؤون الإسلامية والأوقاف في الاستفادة منها والوقاية من أخطارها، ومخاطر الإلحاد وسبل مواجهته. عناوين مهمة، وقضايا راهنة بين يدي المؤتمرين، جديرة بالمتابعة والتنفيذ، كل هذا في مؤتمر تحتضنه مكةالمكرمة أقدس البقاع وأطهرها.