دخل السباق إلى البيت الأبيض مرحلة مفصلية أمس الأحد، حيث يتوقع أن تشهد الأيام المئة المتبقية قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، منافسة محمومة في ختام حملة خلطت أوراقها محاولة اغتيال الرئيس السابق دونالد ترمب وخروج الرئيس جو بايدن من الباب الضيق. وصفت كاملا هاريس نائبة الرئيس الأميركي نفسها بأنها "ليست المرشحة للفوز" في الانتخابات الرئاسية ووصفت خصمها الجمهوري دونالد ترمب بأنه "غريب تماما"، في حين وصف ترمب هاريس بأنها "ليبرالية مجنونة" بينما بدأ المتنافسان سلسلة من الفعاليات في إطار حملتهما الانتخابية. يأتي هذا التراشق بعد أسبوع عاصف شهد صعود هاريس إلى قمة بطاقة الترشيح عن الحزب الديمقراطي بعد أن تخلى الرئيس جو بايدن (81 عاما) عن مسعاه للفوز بولاية ثانية تحت ضغط متزايد من رفاقه الديمقراطيين. وتشير سلسلة من استطلاعات الرأي إلى أن دخول هاريس السباق محا التقدم الذي كان يتمتع به ترمب على بايدن في غضون أيام. وقالت هاريس في كلمة لها في فعالية خاصة لجمع التبرعات شارك فيها المغني وكاتب الأغاني جيمس تايلور في بيتسفيلد بولاية ماساتشوستس، إن الكثير مما يقوله ترمب والسناتور الأميركي جيه دي فانس المرشح نائبا على بطاقته الانتخابية "غريب تماما". ويعد استخدامها لكلمة "غريب" لوصف خصومها جزءا من استراتيجية جديدة من الديمقراطيين. ووصفت حملة هاريس ترمب بأنه "عجوز وغريب للغاية" بعد ظهوره على قناة فوكس نيوز يوم الخميس، وظهر مؤيد واحد على الأقل خلال فعالية أمس السبت حاملا لافتة مكتوب عليها "ترمب غير طبيعي". ومثلما فعلت خلال سلسلة من فعاليات الحملة الانتخابية خلال الأيام القليلة الماضية، قارنت هاريس مرة أخرى بين سجلها كمدعية عامة وسجل ترمب كمجرم مدان، وقالت إن مسعاها يتعلق بالمستقبل بينما يريد ترمب إعادة البلاد إلى "الماضي المظلم". وبعد ساعات، أطلق ترمب وابلا من الهجمات في تجمع حاشد في سانت كلاود بولاية مينيسوتا، حول قضايا تتراوح من السلامة العامة إلى الهجرة. وقال ترمب "إذا تمكنت ليبرالية مجنونة مثل كاملا هاريس من الوصول إلى السلطة، فإن الحلم الأميركي سيموت"، مضيفا أن هاريس "أسوأ" من بايدن. وقالت هاريس خلال لقاء لجمع التبرعات في بتسفيلد بولاية ماساتشوستس في شمال شرق البلاد السبت "نحن لم نكن مرجَحين في هذا السباق، هذا صحيح. لكن هذه حملة أساسها الناس" والدعم الشعبي. في اليوم نفسه، كان ترمب يَعِد مؤيديه خلال تجمع في ولاية مينيسوتا (شمال) بأنه "في نوفمبر، سيقوم الشعب الأميركي برفض التطرف الليبرالي المجنون لكامالا هاريس بشكل ساحق". وبينما تمتد الحملات الرئاسية الأميركية عادة لسنتين تقريباً، أعيد إطلاق نسخة العام 2024 من الصفر تقريباً، ما سيجعل منها الحملة الانتخابية الأقصر على الإطلاق. وبات بحكم المؤكد أن تواجه السناتورة والمدعية العامة السابقة الديموقراطية هاريس (59 عاماً)، ترمب في الانتخابات التي يرى محللون أن نتيجتها قد تكون مرهونة إلى حد بعيد بنتيجة أصوات نحو 100 ألف ناخب في عدد محدود من الولايات الأساسية. وقال أحد واضعي الاستراتيجيات في الحزب الجمهوري مات تيريل لشبكة "بي بي سي" إن "الأمر يتعلق بأولئك الناخبين المستقلين الذين لم يحسموا خيارهم. التضخم، الهجرة، الاقتصاد ومعدلات الجريمة هي ما يشغل بالهم". وأضاف "في الوقت الراهن، أعتقد أن الرئيس السابق ترمب يحسن التعامل مع هذه المسائل. الانتخابات ستكون استفتاء على المرشحين المتنافسين". ويترقب المعسكر الديموقراطي المؤتمر الوطني للحزب الذي يبدأ في 19 أغسطس ويتوقع أن يتوّج هاريس رسمياً مرشحة للحزب، بعدما بدأت في الأيام الماضية حملتها بالحصول على دعم مندوبين وشخصيات نافذة في الحزب، إضافة الى تبرعات مالية سخية. ونجحت هاريس في إعادة تحفيز القواعد الشعبية للحزب، في تناقض صريح عما كان عليه الوضع قبل أسابيع فقط. وكان الرئيس بايدن (81 عاماً) اختار الاستمرار في حلبة المنافسة الانتخابية ضد ترمب (78 عاماً) على رغم الشكوك المتزايدة لدى الديموقراطيين والناخبين بشأن قدراته الجسدية والذهنية مع تقدمه في السن. إلا أن أداءه الكارثي في المناظرة التلفزيونية الأولى بين المرشحين في 27 يونيو، قطعت الشكّ باليقين لناحية ضرورة الذهاب نحو خيار بديل. في مقابل التخبط لدى الديموقراطيين، بدا الجمهوريون في موقع قوة مع مؤتمر وطني عام عكس توحد الحزب خلف ترمب الذي اكتسبت حملته وصورته زخماً إضافياً بعد نجاته من محاولة اغتيال خلال تجمع انتخابي في بنسلفانيا. رضخ بايدن في نهاية المطاف للضغوط، وأعلن انسحابه في 21 يوليو، أثناء عزل نفسه لإصابته بكوفيد. لم يدم الفراغ طويلاً، اذ أعلن بايدن في اليوم نفسه دعم هاريس، أول امرأة تتولى نيابة الرئيس، وأول سوداء وجنوب آسيوية تشغله، لنيل بطاقة الترشيح الديموقراطية بدلاً منه. بعد يومين فقط، عقدت هاريس لقاءً انتخابياً كان الأكبر للديموقراطيين منذ بدء الحملة، وجمعت 120 مليون دولار من التبرعات خلال أيام، بعدما رهن العديد من المانحين الديموقراطيين دعمهم المالي بشرط انسحاب بايدن من السباق. وبعدما كان التقدم في سنّ بايدن سلاحاً بيد ترمب، انقلب السحر على الساحر، وبات الجمهوري البالغ 78 عاماً، أكبر مرشح رئاسي سنا في تاريخ الانتخابات. ضخّ ترشح هاريس زخماً جديداً لدى الديموقراطيين في استطلاعات الرأي، اذ تمكنت خلال أسبوع فقط، من تقليص فارق النقاط الثلاث لصالح ترمب الى النصف. لكن الديموقراطيين يدركون أن الطريق للاحتفاظ بالبيت الأبيض ليس سهلاً. وقال المتخصص في استطلاعات الرأي ضمن فريق ترمب توني فابريزيو "بعد فترة وجيزة، سينتهي شهر العسل بالنسبة إلى هاريس وسيعاود الناخبون التركيز على دورها الشريك والمساعد لبايدن". من جهته، قال جيمس كارفبل أحد واضعي الاستراتيجيات في الحزب الديموقراطي لشبكة "أم أس أن بي سي" إن على الديموقراطيين الكفّ عن الاحتفال بفرح والتحضير للعاصفة المقبلة. وقال "إنهم يهاجموننا وسيواصلون القيام بذلك. هذا النوع من الابتهاج لن يكون ذا فائدة لفترة طويلة". حتى الرئيس السابق باراك أوباما قرع جرس الإنذار بالنسبة لمعسكره الديموقراطي، مذكّراً بضرورة استعادة ثقة الناخبين قبل التمكن من الفوز.