الدلالات الحضارية للتطور العمراني في مدينة الرياض منذ نشوئها حتى عام 2000م

بمناسبة اختيار الرياض عاصمة للثقافة العربية للعام 2000م الحلقة الثالثة د, عبدالله خلف العساف

(1319-1420ه - 1902 -2000م
المقدمة:الاختلاف في تقسيم المرحلة, محطات التطور العمراني في هذه المرحلة .
أولا المحطة الأولى: مرحلة التأسيس والاستقرار:
دخول الرياض، توحيد المملكة، جعل الرياض عاصمة للمملكة، وانعكاس ذلك على العمران فيها، إعلان المملكة، توسع المدينة، ومضاعفة مساحتها، وعدد سكانها، بناء قصر المربع/1356ه، بناء قصر الضيافة، تفصيل ببعض عناصر قصر المربع كنموذج لهذه المحطة الأولى .
المقدمة:
مثلما اختلف الباحثون في عدد المراحل الأساسية التي مر بها التطور العمراني لمدينة الرياض، اختلفوا أيضا في تقسيم هذه المرحلة؛ فمنهم من قسمها إلى ثلاث مراحل جزئية، ومنهم من زادها الى خمس، ومنهم جعلها في عقود، وتناول التطور العمراني فيها على أساس ذلك.
ومن خلال قراءة متأنية لذلك وجدنا أن تقسيم هذه المرحلة الى محطات هو الأكثر جدوى لوجود ما يبرره على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، وليس مجرد تقسيم إجرائي، وهو على النحو التالي:
1 المحطة الأولى 13391356ه 1920 1937م , مرحلة التأسيس والاستقرار.
2 المحطة الثانية:13561389ه 1937 1969م مرحلة اكتشاف النفط.
3 المحطة الثالثة: 13891420ه 19692000م مرحلة الازدهار الاقتصادي.
وسنتناول هذه المحطات بشيء من التفصيل.
المحطة الأولى: مرحلة التأسيس والاستقرار 13191357ه 1902 1937م :
تشكل هذه المحطة مرحلة التوحيد والتأسيس، وبداية الاستقرار، والانطلاقة المعمارية الهامة لمدينة الرياض, فعلى الصعيد السياسي تم للملك عبدالعزيز وصحبه الأربعين دخول الرياض عام 1319ه 1902م، ثم كانت بعد ذلك مسيرة التوحيد فبدأت من نجد حين أخرج الملك عبدالعزيز منها ابن رشيد والحاميات الأجنبية ما بين 1320 و1324ه، ثم استعاد الأحساء من العثمانيين عام 1331ه 1913م, وفي نهاية الحرب العالمية الأولى ألحقت قوات الملك عبدالعزيز هزيمة ساحقة بقوات الشريف حسين حاكم الحجاز مما أدى الى استعادة عسير والجوف، وبسط السيطرة عليها، وإعلان عبدالعزيز سلطانا على نجد وتوابعها عام 1341ه 1921م, وفي عام 1339ه 1920م أعلنت الرياض عاصمة, وفي عام 1344ه 1926م بويع السلطان عبدالعزيز ملكا على الحجاز, وفي عام 1351ه الموافق 23/9/1932م تم الاعلان عن قيام المملكة العربية السعودية بعد أن تم للملك عبدالعزيز توحيد كافة البلدان التي دانت له جميعها، واعترفت به ملكا عليها, ثم تفرغ الملك عبدالعزيز بعد ذلك الى تنظيم شؤون الدولة السعودية من خلال تقسيمها الى مقاطعات ادارية روعيت فيها الاعتبارات الجغرافية، وعدد السكان، وظروف البيئة، ومقتضيات الأمن, وكانت هذه المقاطعات تعتمد في شؤونها العامة والمالية والدفاعية على السلطة المركزية في الرياض.
خير الدين الزركلي قلعة منبسطة كثيرة المنعطفات والتعاريج مبنية بالحجر والطين النيىء 5354 .
ولم يطرأ في هذا العقد الثالث من القرن الرابع عشر الهجري، الأول من القرن العشرين الميلادي على بناء الرياض تغيرات جذرية, فقد كانت شبه دائرية الشكل قطرها ثلاثة أرباع الكيلومتر، ومساحتها حوالي 0,7كم مربع, وكانت قرية منفوحة التي نمت فأصبحت مساحتها تصل الى 400م مربع تبعد عن مركز الرياض 4,5 كم من الجنوب الشرقي 55 , وفي العقد الثاني تغير شكل الرياض فأصبح مستطيلا يتجه من الشمال الى الجنوب, وأصبحت مساحتها حوالي 0,9كم مربع, وبدءا بعام 1328ه 1911م كرّس الملك عبدالعزيز وقتا أكبر للأعمال العمرانية، فأخذ في توسيع، وإعادة بناء القصر القديم ليتخذه مقرا للحكم، وتحول قصر المصمك الى سجن.
وقد اتسع القصر كثيرا لدرجة أنه كان من أبرز معالم المدينة من حيث الارتفاع,, كما بنيت أبراج مراقبة دفاعية في أسوار مدينة الرياض، وجرى تصفيح البوابات الخشبية الضخمة التي زاد عددها في هذا العقد الى سبع بوابات برقائق من الحديد لتقويتها 56 , لقد كان السور سميكا ومصنوعا من الطين المجفف، يبلغ ارتفاعه 25 قدما، ويحيط به شريط من البساتين المتداخلة من الأبراج كالأسنان 57 .
وفي عام 1336ه 1917م وصف فيلبي في كتابه قلب الجزيرة العربية سور الرياض على النحو التالي:يحيط بالرياض سور عريض إحاطة السوار بالمعصم, وهذا السور مبني من اللبن الخشن، وهو مزخرف في أطرافه العليا بحافة مسننة بطول السور، وبلا انقطاع إلا في المواضع التي يكون بها معاقل دفاعية بارزة أو أبراج عالية للمراقبة يتراوح ارتفاعها ما بين 30 و40 قدما,وهي بارزة بروزا خارجيا طفيفا عن المحيط الخارجي العام للسور لتوفير السهولة في الدفاع 58 .
أما الأحياء السكنية فلم تتغير كثيرا، وظلت كما هي بشوارعها الضيقة الملتوية، وبيوتها التقليدية المبنية من اللبن والمتجاورة كثيرا من بعضها بعضا اتقاء لحرارة الجو نهارا من جهة، ولتفادي العواصف من جهة أخرى 59 , ويصف هاريسون الرياض عام 1917م قائلا: الرياض مدينة صغيرة، وسكانها في حدود عشرة آلاف نسمة، تحف بها أشجار النخيل، لكن لابد لرفع الماء لهذه البساتين من آبار على عمق حوالي تسعين قدما، ولذا فالعائد قليل 60 .
وفي العقد الثالث من هذا القرن توسعت الرياض فتضاعفت مساحة الأرض المشغولة بالعمران في عشر سنوات، وامتدت من الشمال الى الجنوب على وجه مواز لمجرى وادي البطحاء, فأصبحت تمتد 1,6كم شمال جنوب، و1,3 كم شرق غرب, ومساحتها 2كم مربع, وتوسعت في الغرب والشمال بعمق 300متر، وفي الشرق بعمق 100متر حتى حافة وادي البطحاء، وفي الجنوب بين 50 الى 75م 61 , وفي منتصف هذا العقد عام 1344ه 1925م شكل النازحون من الريف حيا جديدا هو منفوحة الجديدة في قلب بساتين نخل على جوانب البطحاء 62 .
ويروي الريحاني الذي زار الرياض عام 1922م بعض مشاهداته قائلا:ليس هناك منازل يمكن أن يراها المرء في الشارع لأن أسوار الطين التي يتراوح ارتفاعها بين عشرين الى ستين قدما لا توفر أي دليل على وجود سكان,, تبنى المنازل عادة وسط حوش غير مرصوف، ويكون له فناء، لكن ليس فيه نافورة، أو شجرة ورد,, لم أر شجرة عطرية أو وردة واحدة داخل الأسوار الطينية للرياض 63 .
ولابد من الاشارة الى أن البناء في هذه المرحلة، وبخاصة في بداية عهد الملك عبدالعزيز كان لغاية دفاعية في السور والبوابات وادارة الحكم كتوسيع قصر الحكم وغيره, ثم أخذ العمران بعد ذلك ؛ أي بعد الاستقرار اتجاهين دفاعياً وسكنياً.
وفي العقد الرابع توسعت مدينة الرياض خارج الأسوار بسبب استتباب الأمن وتزايد عدد السكان وتطور الحياة، ولعل أبرز ما هو جديد في هذا العقد معماريا يتمثل في الآتي:
بناء قصر للضيافة من اللبن والطين على ضفة وادي حنيفة على بعد 5كم غرب مركز المدينة.
ظهور منطقة سكنية منعزلة ثانية يبعد/3كم غربا من مركز المدينة اسمها عتيقة أنشأها الوافدون من القرى المجاورة 64 .
استحداث وزارة المالية التي اجتذبت موظفين الى العاصمة في أعداد متزايدة, هذا بدوره زاد الطلب على المنازل، وعلى الناس الذين يقدمون الخدمة لها 65
لكن الانجاز الأهم في هذا العقد على الصعيد المعماري يتمثل في بناء قصر المربع, وهو أول بناء يقام خارج أسوار الرياض، إيذانا بانتهاء مرحلة الخوف والحروب، وبدء مرحلة الاستقرار والازدهار 66 .
ويستحسن التوقف عند هذا الصرح المهم، وتسليط الضوء على جماليات بنائه المعماري لما له من أهمية حضارية، وتاريخية، وثقافية في مدينة الرياض.
إن قصر المربع هو اسم القصر الذي بناه الملك عبدالعزيز يرحمه الله خارج أسوار مدينة الرياض القديمة في مكان اسمه المربع , وقد أخذ القصر اسمه من انتسابه الى هذا المكان, وقد كانت أرض المربع قبل بناء القصر عليها أرضا خصبة تزرع شتاء عند نزول الأمطار, وكانت تعرف بمربع آل سيفان, وهم من قدامى فلاحي الرياض, ولعل الأصل الأول للمربع يعود الى الشكل ذي الأربعة أضلاع المتساوية المستقيمة من أربع زوايا قائمة, وهو شكل الأرض المنبسطة التي بُني عليها قصر المربع في شمال منطقة الرياض القديمة.
لقد أمر الملك عبدالعزيز في عام 1937م بالشروع في بناء قصر جديد خارج سور الرياض القديمة، وسمي بقصر المربع, وكان الغرض من بناء هذا القصر الجديد هو تلبية الاحتياجات المتزايدة للقصر الملكي والحكومة الجديدة في المملكة، وكذلك نظرا لاعتبارات الحكم التي استجدت، والأسرة التي نمت وكبرت بحيث لم يعد المجمع القديم بقصر الحكم يفي بحاجة الملك عبدالعزيز السكنية ودوائره الرسمية، فضلا عن اكتظاظ المنطقة منطقة قصر الحكم بالسكان, فرأى يرحمه الله أن يقيم مسكنا خارج المدينة القديمة، ومجمعا من القصور والأبنية تسد حاجته على أن يترك المجمع القديم للدوائر الحكومية، والبلاط الملكي، والمستودعات، والأجهزة الأمنية، والاستعلامات الحكومية.
كان يحد موقع المربع من الناحية الشمالية سلسلة مرتفعات، ومن الشرق ضفاف وادي البطحاء الوتر قديما ، ويحده من الغرب مجمعات ومجاري وادي أبورقيع، ومن الجنوب تحدّه بساتين الفوطة والحوطة، والسويدي.
وكان قصر المربع يقع شمال مدينة الرياض القديمة على بعد نحو 2كم, وقد أقيم في بداية بنائه على شكل مستطيل تبلغ أبعاد أسواره حوالي 300متر الى 400متر، ثم اتسعت مساحته بعد ذلك فبلغت ستة عشر هكتارا في أوائل الخمسينيات.
ومبنى قصر المربع هو عبارة عن طابقين بُنيا على الطريقة التقليدية من حيث الفناء الذي تفتح صوبه جميع الغرف, وقد روعي في التصميم ضمان الحماية والستر الى جانب المحافظة على الغرف باردة في شدة حرارة النهار.
لذلك فقصر المربع هو مثال متميز للبيت التقليدي الملحق به فناء واسع تفتح نحوه جميع الغرف فيوفر لها الستر والنور والهواء معا.
ويعتبر فناء قصر المربع كما كل البيوت التقليدية أشبه بنظام طبيعي لتكييف الهواء، فحين تنخفض درجة الحرارة أثناء الليل يجتمع الهواء البارد في الفناء، ويهب صوب الغرف المحيطة به, وحين ترتفع الحرارة أثناء النهار يشكل الفناء تيارات تعمل على تهوية الغرف وتلطف من حرارتها.
لقد شيد قصر المربع على الطريقة التقليدية النجدية، وروعي في بنائه تحقيق أعلى مستويات براعة العمل والتصميم, وقد بنيت الجدران الضخمة والسقوف الداخلية والخارجية المصنوعة من الأثل وسعف النخل بسرعة فائقة بدءا بعام 1936م، ليصبح قصرا جديدا للملك عبدالعزيز، وللحكم في المملكة العربية السعودية الناشئة آنذاك.
وقد استخدم في بناء قصر المربع مواد مختلفة من أهمها الأحجار التي كانت في أساسات القصر والأعمدة الحاملة للأسقف، كما استخدمت الأخشاب للأبواب والنوافذ، وجعل منها شرائح للاستخدام، وزينت بزخارف هندسية غائرة وبارزة، ومسامير ذات رؤوس كبيرة.
واستخدم في بناء الجدران الطوب المجفف بأشعة الشمس والمغمور في ملاط مخلوط بالقش, وكانت تُغطى الأسطح بالجير، وكان يستعمل الجص المحروق والمسحوق لتغطية جدران الحجرات والممرات والواجهات المطلة على الأفنية.
ولابد من الاشارة هنا الى أن جميع المواد الأولية التي استخدمت في بناء قصر المربع هي من المواد المتوفرة محليا, فالجدران مبنية من مادة الأرض نفسها، فيما كانت الأخشاب وجريد النخيل المستعملة للسقوف مأخوذة من أشجار تُستنبت محلياً.
يتميز قصر المربع إلى جانب ما تقدّم، وكما يذكر الأستاذ عبدالرحمن الرويشد ببعض الميزات المعمارية والفنية؛ فحين تُجمع تلك العناصر مع العناصر المذكورة سابقا، فإنها تعطي معا صورة واضحة لقصر المربع بطابعه التقليدي المميز, ومن أهم تلك العناصر:
أ: استواء الأسقف بحيث لم تستخدم في القصر القباب، أو أي نتوءات أو أقبية, واقتصر في صناعة الأسقف على خشب الأثل المستقيم، وبُسطت عليه جرائد النخيل المجرودة، وغطيت بأهداب الجريد, ثم بالطين الممزوج بالتبن وهدب الأثل.
ب ومنها أيضاً الوضع المميز للأدارج المؤدية من الطابق الأسفل إلى الطابق الأعلى, وهي عبارة عن كتل بنائية مكونة من الحجر والطين المغطى بطبقة من الأسمنت.
ج ومن تلك العناصر الأعمدة, وهي من أهم العناصر الإنشائية في قصر المربع حيث تقوم بحمل الأسقف, وهي تتألف من صخور مدورة الشكل بواسطة مادة الجص، ولها تاج في الأعلى، وأغلب تلك الأعمدة مصمتُ خال من الزخارف, وتقع هذه الأعمدة في المجالس الكبيرة في الساحات، وفي الممرات المطلة على البهو، والممرات المؤدية الى الخارج.
د ومنها أيضاً البروزات الخارجة عن سمت الحيطان، وتستند إلى روابط خشبية، وتكون مواقعها في الجزء الأعلى من جدران سترة السطح مباشرة.
ه ومنها وسائل تصريف مياه السيول والأمطار عن أسطح المساكن والقصور بواسطة (ميازب) خشبية تساعد على تصريف الماء المنهمر, والميزاب هو عبارة عن قطعة خشبية بطول مترين مشقوقة من الوسط، فيها مجرى ينقل الماء من الأسطح إلى الخارج.
أما تصريف الماء في النظافة والغسيل والاستعمالات الأخرى من الحمامات والقاعات وأماكن الاستخدام، فإنه يُصرف بواسطة مجار مغطاة بمادة الأسمنت أو الجص الأخضر إلى الحفر خارج القصر تسمى (البلاعة), وهي حفرة مربعة أو مستطيلة أو مستديرة خارج القصر تنحدر إليها المياه من الحمامات، ومياه السيول التي تتساقط من الأفنية المكشوفة.
إن الداخل إلى قصر المربع والمتأمل فيه يكتشف أنه يمثل ذروة الفن المعماري التقليدي النجدي, فالجدران فيه مزخرفة بأنماط هندسية منقوشة في الجص، في حين تحمل عوارض السقف صفوفاً منتظمة من الخطوط المطلية بألوان مختلفة، ونقط سوداء وحمراء فوق خلفية من اللون الأصفر الفاتح.
ولعل فكرة الزخرفة التقليدية التي استخدمت في قصر المربع كان هدفها تجسيد العراقة في هذا المكان، وبخاصة أن هذا النوع من الزخرفات مرتبط بقرون من البناء التقليدي في شبه الجزيرة العربية، وكذلك بالأنماط الهندسية البسيطة التي تعود إلى عصور قديمة.
لقد كان من أهم عناصر قصر المربع، وما حوله من بيوت طينية السّورُ المنيع المكوّن من الطين المسلّح بالأخشاب والحجر الذي يصل ارتفاعه كما يذكر المؤرّخ عبدالرحمن الرويشد إلى سبعة أمتار, وهذا السور يحيط بقصر المربع وما حوله من بيوت طينية, وقد دُعم ذلك السور بأبراج مربعة الشكل يرتفع نصفها الأعلى عن أعلى السور، ويتراوح ارتفاعها من بين ستة أمتار إلى سبعة.
ويبرز جزء من هذه الأبراج خارج خط السور وداخله, وتظهر في السور حصون عديدة يرتفع بناؤها عنه، وتبرز داخله وخارجه مكونة حصوناً شاهقة من دورين ونصف، لا تقل مساحة كل حصن عن مائتي متر.
وقد خُصصت تلك الأبراج للسكن والمراقبة, وهي مشغولة سكنياً بوحدات الشرطة، وبمجموعة من العساكر والضباط التابعين للحرس الملكي, وعدد هذه الأبراج لا يقل عن ستة عشر برجاً للجهات الأربع.
ويوجد في السور من الناحية الجنوبية بوابتان رئيسيتان تؤديان إلى خارج السور، ويقوم عليها حراس أشداء يقيمون في الجزء العلوي من البوابة, وتدعى إحدى هاتين البوابتين (الدروازة الجنوبية)، أو (الكبيرة) وهي المدخل المخصص للملك عبدالعزيز والداخلين إلى القصر من الرجال فقط, أما البوابة الثانية فتقع في منتصف السور الجنوبي (وتسمى الباب الجنوبي) أو (دروازة العناني)، وسُميت أيضاً بباب الحريم لأنها مخصصة لدخول النساء.
وهناك بوابة ثالثة تقع وسط السور الغربي تُسمى البوابة القبلية, أما البوابة الرابعة فتقع في السور الشمالي, والجدير بالذكر أن جميع هذه البوابات كانت تغلق ليلاً وتفتح نهاراً طيلة حياة الملك عبدالعزيز سواء أكان في القصر أم خارجه.
ولهذه البوابات حراس مكلفون بالإقامة فيها ليلاً ونهاراً, وهم من الشرطة والحرس الملكي.
ويعتبر قصر المربع اليوم من أهم العناصر الموجودة في منطقة مشروع المركز المذكور لما له من قيمة تاريخية، وتراثية وفنية عالية فهو من جهة أول المباني الرسمية التي بُنيت خارج السور القديم لمدينة الرياض، وهو من جهة أخرى من أول المباني الطينية المهمة التي أقيمت في المدينة.
ويحتل قصر المربع الآن ضمن مركز الملك عبدالعزيز التاريخي مساحة قدرها (1680) متراً مربعاً، وتبلغ مساحة مبانيه بوضعها (2957) متراً مربعاً، وهو يُطل داخل المركز على الميدان الرئيسي من جهة الغرب, وقد تم إصلاح الأجزاء المتداعية فيه مثل بعض الأسقف والجدران لإعادته إلى الوضع الذي كان عليه تماماً في أواخر عهد الملك عبدالعزيز, وقد تمّ تأثيثه بالطريقة نفسها التي كان عليها الوضع في تلك الفترة ليكون جزءاً من العناصر المتحفية المهمة في مركز الملك عبدالعزيز التاريخي.
يتضمّن قصر المربع مجموعة كبيرة من الغرف والمكاتب موزّعة على طابقين، تُشرف جميعها على فناء مربع واسع تحيط به, ولكل غرفة، ومكتب اختصاص محدد ظل عليه كذلك حتى وفاة الملك عبدالعزيز.
ومن خلال نظرة مجملة لتوزيع اختصاصات الغرف والمكاتب يُلاحظ الزائر أنها تتكامل معاً بحيث إن من يدخل القصر يجد فيه كلّ شيء.
ولذلك فقد وُزعت بشكل مدروس بحيث يحقق كل منها الشكل الأمثل لمتطلبات الملك في المكان والتفكير والمتابعة السياسية وإدارته للمملكة والنظر في قضايا الناس.
فهناك غرف لمجلس الملك الصيفي والشتوي، وأخرى لإدارة شؤونه الخاصة، وهناك مكاتب لحرس الملك الشخصي وحرس القصر، وغرف للزوار، والنظر في قضايا الناس، وأخرى للشؤون السياسية والاتصالات، وكتّاب الملك والخويا ومخازن الطعام والوقود,ويوجد في قصر المربع ثلاثة جسور رئيسية تربطه بالقصور الخاصة التي كان الملك عبدالعزيز يسكنها مع أسرته، وبالمسجد الذي كان يصلّي فيه.
وهذه الجسور هي عبارة عن ممرات تُحمل على أعمدة من الأحجار ومسقوفة بالأخشاب (67).
ثم بعد بناء قصر المربع شيّد الأمير فيصل مقراً له في منتصف الطريق بين الرياض وقصر المربع.
ولابدّ من الإشارة إلى أنه كان للبرنامج الإنشائي في هذا العقد الرابع آثار على مدينة الرياض، على رأسها إدخال السيارة كوسيلة جديدة للمواصلات كأهم وسائل النقل حتى الآن، كما عَمِلَ على توسيع رقعة المدينة، فتضاعفت مساحتها فأصبحت 3,5كم 2 ، وحدّدَ اتجاه نموها العمراني، فتبين للناس أن أسوار المدينة لم تعد مانعاً يحول دون توسعها، وأن الجهة الشمالية قد أصبحت مساراً لذلك التوسع (68), وقد استمر شكل المدينة مستطيلاً فوصل الى 1750 م شمال جنوب و2500 م شرق غرب.
وقد تخطى البناء حدود مجرى البطحاء الى شرقه, واتسعت المدينة في الغرب بحدود 500 متر، واتجه العمران من شارع الخزان شمالاً باتجاه قصر المربع في منطقة الفوطة ممتدا بعمق 150 م، وقد بنى بعض أفراد البيت الحاكم قصوراً لهم في هذه المنطقة (69), كما انتشر العمران ايضا على ضفة وادي البطحاء الشرقية بعمق يتراوح ما بين 200 م الى 300 م، وسرعان ما رافق ذلك نشوء أسواق جديدة شرقي البطحاء لتلبي حاجات السكّان شرقي المدينة (70).
ومن خلال قراءة مجملة لطبيعة العمران في هذه المحطة الأولى (1319 1357ه 1902 1937) م نلاحظ انعكاس العادات الاجتماعية والدينية بشكل واضح على الأنماط العمرانية، الى جانب مراعاة البيئة وظروفها المناخية بهدف التكيف مع الواقع القائم في المنطقة.
فقد جاءت طرق البناء المتراص السائد في المناطق التقليدية بالرياض جنباً إلى جنب مع توسط موقع المسجد، إلى جانب أن نمط الشوارع لم يكن منتظماً، ولكثير منها نهايات مسدودة، ربّما لتصبح أماكن شبه خاصّة يصعب على الأغراب التجوّل فيها.
أما المنازل فجاء معظمها متلاصقاً وذات فتحات قليلة على الشارع بحيث يرى فيها من يشاهدها جدراناً صمّاء ليس بها سوى فتحات قليلة ضيقة الاتّساع (71).
وبُني المنزل التقليدي بمواد بناء محلية كاللبن والخشب, ومعظم البيوت مستطيل الشكل ذات طابق واحد أو طابقين, ولكل منها فناء داخلي يتوسطها، وتُطل عليه الحجرات.
أمّا الأسطح فهي محاطة بجدران عالية تحقيقاً لأكبر قدر من الخصوصية وكثيراً ما يكون للمنزل أكثر من مدخل، أحدهما للنساء والعائلة، والآخر للرجال والضيوف, ويُفتح باب المنزل على بهو ذي باب جانبي بحيث يستحيل على من يقف في الشارع أن يرى من بالفناء.
يُلاحظ مما تقدّم أن هذا النمط المعماري الذي كان سائداً في هذه الفترة يحقق حرمة لمجتمع الرياض والمجتمع السعودي عامة المتمسك جداً بالقيم الاجتماعية والدينية التي تمنع الاختلاط (72).
هوامش الحلقة:
51 الرياض التطور الحضاري للداغستاني ص 54، والإسكان في المملكة ص 56 و57، وانظر تفصيلاً بأسماء الأبواب: مدينة الرياض لمضاوي 137.
52 التطور والإنجازات: نفسه ص 45.
53: نفسه 43.
54: إدارة المدن الكبرى، تجربة مدينة الرياض عبدالله العلي النعيم ص 193 الرياض ط 1/ 1415ه 1994م.
55 مدينة الرياض لعبدالرحمن الشريف ص 125، والرياض وثبة ازدهار لأديب فارس ص 151.
56 الرياض التطور الحضاري للداغستاني ص 54.
57 مدينة الرياض لعبدالرحمن الشريف ص 126 127.
58 الرياض للداغستاني نفسه 55 56, وانظر: الرياض المدينة القديمة لوليام فيسي ص 359 360.
59 الرياض للداغستاني ص 54 55.
60 الرياض المدينة القديمة لوليام فيسي ص 341.
61 مدينة الرياض للشريف ص 128، وانظر: الرياض وثبة ازدهار لفارس ص 125.
62 الرياض وثبة ازدهار لفارس ص 125 153.
63 الرياض المدينة القديمة لوليام فيسي ص 392.
64 مدينة الرياض للشريف 130 131.
65 الرياض المدينة القديمة لوليام فيسي ص 426.
66 مدينة الرياض لمضاوي 142 , 48.
67: انظر ما كتبناه عن قصر المربع بالاشتراك مع الدكتور عدنان بن عبدالحميد القرشي في صحيفة الجزيرة الاثنين 21 8 2000م، العدد 10189 وانظر أيضا: مركز الملك عبدالعزيز التاريخي إصدار الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض 1988م، والرياض المدينة القديمة لوليام فيسي ص 455 حيث يروي المؤلف وصف السيد والسيدة ديكسون لقصر المربع، وكيف ظنّا حين رأياه أول مرة أنه مدينة الرياض, وانظر كذلك: نفسه الفصل الثالث والعشرين ص 475 وما بعد وانظر أيضاً ما كتبه عبدالرحمن الرويشد في الأعداد التالية من صحيفة الجزيرة 10919، 10923، 10926، 10933، لعام 1998م.
68: المدينة العربية الاسلامية صالح الهذلول ص/142, الرياض ط 1994م.
69: مدينة الرياض للشريف/ 132، وادارة المدن الكبرى للنعيم/ 93م.
70: نفسه/ 133، وانظر: الرياض مدينة المستقبل/ 3233.
71: مدينة الرياض لمضاوي/145 146.
72: نفسه ص/ 147.