جميعنا يؤمن بأن الزواج قدر واختيار، وأن الطلاق قرار، وأن الحياة الزوجية قد قدّر لها الله أن تمضي بالمعاشرة بالمعروف، وبالألفة المبنية على السكن والمودة والرحمة، وهي أوثق عرى الحياة الزوجية بين الزوجين، التي قد تعتريها بعض الإشكالات والاختلافات وهذا أمر طبيعي جدا، ومثلما كان الزواج قدرا واختيارا وحظا ونصيبا واختيار الزوجة حرية خاصة، فقد يكون قرار الطلاق، مع أنني دائما في كثير من طروحاتي وكتاباتي، وأنا ممن كتب في هذه الأمر من قديم كثيرا، كنت وغيري من الكتاب نحذر من «نتائج الطلاق وآثاره البالغة « على المجتمع والأسرة وعلى الأبناء خاصة، وهم أكبر ضحايا الطلاق، مع أن الرجل المطلق والمرأة المطلقة، كلاهما خاسر، فلا يوجد خاسر أكبر في معادلة الزواج. أقول هذا وأنا كثيرا ما وقفت بوجه الكثير من الطروحات العقيمة التي تطرح عبر قنوات وسائل التواصل الاجتماعي التي لا تحمل مضمونا جيدا قد يشير إلى مسببات الطلاق، ولا تتناول القضية برأي عقلاني حكيم قد يصل بالمتلقي إلى طرح معتبر يفضي إلى معالجة لقضية الطلاق من خلال رؤية متزنة عاقلة فاحصة لأبعاد القضية ونتائجها، دون أن يقع «في الرأي الغلط» المسيء إلى وضع المرأة المطلقة شخصيا» بشيء من التبشيع والتشنيع، ودون أن يجري خلف أحكام العادات المجتمعية، التي تضع المرأة المطلقة «دوما في قفص الاتهام» وبأنها «هي من اختارت هدم حياتها الزوجية، وأضاعت أطفالها، وشرذمت حياتها الأسرية» دون الأخذ في الحسبان، بأن الزوجة المطلقة، ربما هي ضحية لحياة زوجية مع رجل لم يحسن العشرة الزوجية، ولم يقدر الحياة معها، ولم يستجب لواجباته الأسرية، فدفع تلك المرأة الزوجة وقد ضعف صبرها وقلّت درجة احتمالها، فاختارت أقرب باب لتخرج منه، وتغادر حياة تراها كلها جحيم ونار. ولكن كي ننصف في الرأي في قضية الطلاق، فقد تكون «المرأة المطلقة» فعلا هي من أخطأت برمجة حياتها ففشلت في أن تكون زوجة مطيعة، تعرف واجباتها الزوجية، كما هي تبحث عن حقوقها، ولم تفكر إلا في إشباع رغباتها، والجري خلف نزواتها فقط، مما أجبرت الزوج الصابر إلى أن يصل إلى الفصل في حياته معها التي لم يجدها في الأصل، فكان قرار الطلاق، فلا أحد يدري من هو المتسبب في حياة لا يعرف كنه تفاصيلها إلا الزوجان، وقبل ذلك الخالق الذي يعرف السر وأخفى. عموما ما أريد أن أصل إليه ألا نستمر خلف صور التشويه من البعض تجاه المرأة المطلقة دون وعي لظروف الحالة، ونحن نعلم بأن «الطلاق أبغض الحلال إلى الله» ولا نحاول عبر الطروحات المسيئة لها، أن نقفل عليها باب العودة للمجتمع، ونقفل دونها خط الرجعة، بدلا من مساعدتها لتستعيد معها وضعها كإنسان في المجتمع من لحم ودم ومشاعر وأحاسيس، سواء أخطأت أم أُخطي بحقها، فكل إنسان يصيب ويخطئ، ويذنب ويستغفر، ولنعد إلى تاريخنا لنستلهم القصص التي تشير إلى أن المرأة المطلقة، لم تكن مرضا في المجتمع لينفر منها أحد، فالرسول صلى الله عليه وسلم تزوج مطلقة أمنا «زينب بنت جحش» رضي الله عنها التي زوجّه الله تعالى إياها من فوق سبع سماوات، والصحابة رضوان الله عليهم تزوجوا مطلقات، ولم نقرأ من قال ذات يوم «لا أرتضي بامرأة مطلقة سبق لها النوم بفراش رجل آخر»! فمن منا لم يقرأ سيرة الصحابية «عاتكة بنت زيد رضي الله عنها» شقيقة الصحابي سعيد بن زيد رضي الله عنه، فقد تزوجت عبدالله بن أبي بكر، وبعد استشهاده تزوجت زيد بن الخطاب، وبعد وفاته، تزوجت عمر بن الخطاب، ثم تزوجت الزبير بن العوام رضي الله عنهم جميعا، أحد حواري النبي صلى الله عليه وسلم، حتى قيل من أراد أن يموت شهيدا، فليتزوج عاتكة، وبنات الرسول صلوات ربي وسلامه عليه، زوّج ابنتيه لعتبة وعتيبة أولاد أبي لهب «عبدالعزى بن عبدالمطلب» قبل بعثته، وبعد البعثة، طلب من ولديه تطليق بنات الرسول، ليعلن بدء عداوته لرسول الله، ثم تزوجتا من عثمان بن عفان رضي الله عنه، إذ تزوج بداية رقية رضي الله عنها، وبعد وفاتها عنده، تزوج بأم كلثوم رضي الله عنها لهذا لُقب «بذي النورين» ولم تُرْمَ المطلقة بما ليس فيها ولا الأرملة. فليت الطرح السقيم اليوم في وسائل التواصل الاجتماعي تجاه المرأة المطلقة والأرملة والمختلعة كذلك يتوقف، مع أن أكثر تلك الآراء لا يعتد به، لأنها صادرة من أفهام سقيمة معتلة، لا تزال تخضع لهيمنة العادة المخالفة للدين الإسلامي، وتفتقد للنظرة السليمة تجاه الكثير من قضايا المجتمع، ولا تحسن قياس الأمور باتزان ووعي، وقياسات صحيحة لأبعاد القضية وللحديث بقية.