عندما شرع الخالق سبحانه وتعالى الزواج، وضع له ضوابطه التي تحقق الهدف منه لتحقيق الاستقرار الأسري وبناء أجيال صالحة، من ثمار هذه العلاقة القائمة على المودة، والرحمة إلا أن البعض لا يعي هذا الهدف، ويسيء استخدام وتفسير المعاني السامية المرتبطة به، ومن ذلك ما يسمى«الزواج بنية الطلاق» دون وعي بالآثار السلبية المترتبة عليه التي قد تتنافى مع المعنى الحقيقي للزواج. وقد تعددت الندوات التي تحذر من مخاطر هذا النوع من الزواج الذي يفتقد إلى الاستمرارية التي تحقق الأمن وحسن العشرة بين الزوجين، ولكن ما هو «الزواج بينه الطلاق» واثاره ومخاطره وموقف الشريعة منه، وغيرها من الأسئلة التي حاولنا الإجابة عنها من خلال هذا التحقيق. زواج الودود الولود. ومن مصالح النكاح أيضاً تكثير الأمة ولا شك أن كثرة الأمة هو سبب عزها ونصرتها لهذا امتن الله- عز وجل- على بني إسرائيل بذلك فقال سبحانه وتعالى:{وّجّعّلًنّاكٍمً أّكًثّرّ نّفٌيرْا} ، وقال النبي- صلى الله عليه وسلم- :«تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة» من مصالح النكاح تحقيق مباهاة النبي- صلى الله عليه وسلم- بأمته بين الأمم يوم القيامة كما تقدم في الحديث السابق، وأيضاً من مصالحه غض الأبصار وحفظ الفروج كما تقدم في حديث ابن مسعود أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال:« من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج». تنازع الفقهاء. ويضيق الدكتور خالد المشيقح ومن مصالح النكاح حفظ الأنساب وما يحصل لهذا الحفظ من التعارف والتآلف وغير ذلك ومن مصالحه أيضاً القيام على المرأة وكفالتها والإنفاق عليها وإعفاف فرجها إلى آخره، ولما كان هذا النكاح يترتب عليها هذه المصالح شرع التعدد ولهذا كان قول من قال بأن التعدد افضل من عدمه أسعد بالدليل في حديث ابن عباس- رضي الله عنهما- أنه قال:«خير هذه الأمة أكثرها نساء». أما ما يتعلق بالنكاح بنية الطلاق فقال فضيلته إن هذه المسألة تنازع فيها الفقهاء قديماً وحديثاً والمتأمل لأدلة كل قول من هذين القولين يجد أن ما ذهب إليه الحنابلة- رحمهم الله- من تحريم هذا العقد هو الأقرب لمقاصد الشريعة وأصولها لما يترتب على هذا النكاح من مفاسد، والأدلة كثيرة في تحريم هذا العقد، فالحنابلة- رحمهم الله- جعلوا النكاح بنية الطلاق من نكاح المتعة فهم يقولون بأن نكاح المتعة له ثلاث صور، الصورة الأولى أن يتزوج المرأة لمدة محددة كأن يتزوجها لمدة أسبوع أو أسبوعين أو شهر أو شهرين ونحو ذلك، والصورة الثانية أن يتزوجها بشرط إذا مضى الوقت المحدد فإنه يطلقها بأن يقول زوجتك هذه المرأة على أنه إذا مضى شهر أو شهران فإنك تطلقها، أما الصورة الثالثة وهي النكاح بنية الطلاق وذلك بأن يتزوج الغريب بنية متى رجع إلى بلده فإنه يطلقها. وان نكاح المتعة محرم ولا يجوز وهو عقد باطل، وإنما قال به الرافضة قبحهم الله، أما أهل السنة والجماعة فإنهم يذكرونه في عقائدهم ويرون بطلانه، وفي حديث سبرة- رضي الله عنه - قال: أمرنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بنكاح المتعة ثم لم نخرج- عام حجة الوداع- حتى نهانا عنه، وفي رواية أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال:«أيها الناس إني قد أذنت لكم في الاستمتاع بالنساء فمن كان عنده شيء فليخلّف فإن الله حرم ذلك». ويشير الدكتور المشيقح إلى أن المتأمل والمقارن بين عقد النكاح بنية الطلاق وبين ما ذكرنا من مصالح النكاح يجد أن أعظم مصالح النكاح ومقاصده التي قصدت من شرعية النكاح لا تتوافر في مثل هذا النكاح، فالمتزوج بنية الطلاق لا يريد الذرية ولا النسل ومن مصالح النكاح وأعظمها هو تحصيل الذرية وتحقيق مباهاة النبي- صلى الله عليه وسلم-، وأيضاً أن هذا النكاح لا يكون فيه بين الزوجين ما يتعلق بالمودة والألفة والرحمة والسكن والمحبة الذي يكون بين الزوجين في النكاح الذي يراد بالدوام والاستمرار، أيضاً ما يتعلق بحفظ النسب وتكوين الأسرة فلا وجود له في مثل هذا النكاح، ومما يدل على تحريم هذا العقد أنك عند مقارنته بالعقود الأخرى التي حرمها الشارع يوجد أنه قريب منها، فالشارع حرم نكاح الشغار وهو أن يتزوج الرجل موليته على أن يزوجه الآخر موليته، بما في ذلك من ظلم المرأة والنكاح بنية الطلاق فيه ظلم للمرأة وغش لأوليائها وبخس لها، وهذا الظلم والبخس لاحظه الشارع فحرم نكاح الشغار، ولذلك الشيخ محمد رشيد رضا- رحمه الله- يرى أن النكاح بنية الطلاق أشد من نكاح المتعة لأن نكاح المتعة تدخل المرأة وهي على بصيرة من أمرها وأنها تتزوج لمدة شهر أو شهرين، أما النكاح بنية الطلاق فإن المرأة لا تدري ما يكنه الرجل- الزوج- في نفسه، وفي ذلك غش لها وظلم وغش لأوليائها. النكاح المؤقت! ويؤكد الشيخ المشيقح أنه بالنظر إلى نكاح المتعة الذي حرمه الشارع لا يكاد يوجد فرق بينه وبين النكاح بنية الطلاق فكل منهما فيه الإيجاب والقبول والشهود والمهر إلى آخره، والبعض يفرقون بين نكاح المتعة وبين النكاح بنية الطلاق فيقولون ان نكاح المتعة أن تطلق المرأة بمجرد مضي المدة، أما النكاح بنية الطلاق فإنه قد يستمر هذا الزوج وقد لا يستمر يعني أنه قد يتزوجها لمدة أسبوع ثم يطلقها وقد يبدو له أن يستمر بعد ذلك وهذا لا يغير من الحكم شيئاً والغالب على مثل هذه الأنكحة التي لا تتخير فيها المرأة ولا ينظر في جمالها وفي نسبها أو نحو ذلك الغالب على مثل هذه الأنكحة أن الإنسان لا يستمر فيها وحينئذٍ يكون هذا الفرد غير مؤثر شرعاً، وأيضاً من الأدلة على ذلك أن الشريعة جاءت بجلب المصالح ودرء المفاسد وأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. زواج الخدعة!! فكيف تتحقق السكينة في زواج يقوم على الخداع من بدايته وفيه لؤم في قرارة هذا الزوج الذي أراد أن يتزوج بهذه النية. وتساءل الدكتور الجوير: كيف تتحقق المودة والرحمة والزوج عاقد العزم على الطلاق، مشيراً إلى تعريف الزواج بأنه هو تلك العلاقة التي بين الذكر والأنثى بصفة شرعية على وجه التأكيد، فإذا كان الزواج بنية الطلاق فإن مسألة التأديب في هذا العقد غير قائم السكينة يتحقق في الزواج بجانبين مهمين في الحياة- وهما المودة والرحمة- وفي بعض الأحيان نجد أن عنصر المودة يرتفع في الحياة الزوجية وخاصة أيام التشبب العاطفي والأيام الأولى للزواج تزداد فترة المودة ثم في فترة من الفترات قد تنخفض درجة المودة في أي ظرف من الظروف يمر بها الزوج أو تمر بها الزوجة فيرتفع جناح ليحلق بالحياة الزوجية وليحقق السكينة ولكنها تتحقق بشكل متكامل عندما يطير هذان الجناحان بالحياة الزوجية بشكل متواز المودة والرحمة. من أنواع التجارة ويضيف الدكتور الجوير أن من سلبيات الزواج بنية الطلاق من الناحية الاجتماعية تشويه للشريعة والتشريع الإسلامي الجميل دائماً ولا أقول أنه تشويه لجمال الإسلام أو لمحاسن الإسلام، فالإسلام كله جميل وكله محاسن ولكنه تشويه للشريعة في وجهها الناصع وذلك أن تطبيقات الناس في الوقت الحاضر عندما طبقوا الزواج بنية الطلاق أساؤوا إلى الشريعة الإسلامية وأساؤوا بالتالي إلى سمعة الإسلام والمسلمين، فعندما يذهب الناس إلى الخارج وفي المطار يتفقون على عقود معينة وكل عقد بمدة فقد شوهوا بذلك شريعة الإسلام وسماحة الإسلام ونبل الإسلام وشوهوا سمعة المسلمين كما شوهوا فيه سمعة هذا البلد الكريم بأناسه الطيبين وتطبيقاته الجميلة ومثاليته وواقعيته، أما الأمر الثاني فيتعلق بفقدان الثقة فعندما يتكرر هذا الأمر وينتشر عند مئات من المجتمع بغض النظر عن الدين اتخذوه نوعاً من أنواع التجارة وأصبحوا يعلمون بنية الشخص الذي يقدم لهذا العقد بغض النظر عن هذه البيئة فإن فقدان الثقة عند أولئك الناس الذين يقبلون هذا الزواج على أنه زواج فيه صفة التأييد وفيه تحقيق السكينة وتحقيق المودة والرحمة أوجد عدم ثقة بين الناس بسبب التعميم الخاطئ أو السيِّئ أو تطبيقات لأفراد من الناس عملوا مثل هذه الأعمال فأصبحت حالة انعدام الثقة حتى بين الناس الذين يمكن أن يأتي منهم من يريد الزواج بصفة شرعية طبية ومخلصة ووضعوا عليهم مجموعة من الشروط ومجموعة من القضايا، والنقطة الأخرى هي القطيعة التي يتم بين الزوجين عندما يتم الطلاق وعلى الرغم من ندرة هذا النوع من الزواج في واقع المجتمع المحلي لكن الصورة المتكررة والمشوهة في تطبيقاته من قبل بعض الناس في بعض البلدان الأخرى لكنه إذا طبق في هذا المجتمع فيكون هناك قطيعة بين أهل الزوجين لأنه خدعهم ولأن الطلاق دائماً له مساوئ على الزوجين وعلى أهل الزوجين وأهل الزوجة بالذات، أضف إلى ذلك نظرة المجتمع غير الإيجابية للمطلقة بشكل خاص دون ذنب لهذه المرأة التي طلقت وكان نية زوجها عندما تزوجها هو طلاقها بعد أن يستمتع بها لفترة من الفترات فتأثير هذا الأمر ليس فقط على الزوج ولا على مشاعر الزوجة وإنما على هذه المرأة ووضعها في المجتمع هذا بخلاف إثارة المشكلات الزوجية في المحاكم فعندما يتم الطلاق يترتب عليه كثير من القضايا الأخرى في المحاكم والسفارات سواء في قضايا محاكم الطلاق أو النفقة أو ما يترتب على الطلاق أو في قضايا الملكية أو في قضايا الإرث أو في قضايا ضياع الأطفال وكثير من القضايا التي في السفارات سببها الزواج بنية الطلاق. ويشير الدكتور الجوير إلى أن من آثار هذا الزواج على المجتمع العزوف عن الزواج بعد تجربة الطلاق من قبل بعض الفتيات اللاتي مررن بهذه التجربة فإذا لم يكن الهدف من الأصل هو الهدف التجاري من هذا الزواج فإن هذه الفتاه عندما تصاب بصدمة الطلاق يصبح لديها عزوف عن الزواج خوفاً من تكرار تجربة الطلاق خاصة أن هذا الطلاق لم يأت من نقص فيها ولا عيب أو عدم كفاية في قيامها بحقوق الزوجية ولكن لأن الزوج أصلاً بيت هذه النية لطلاقها منذ أن تزوجها، يضاف إلى ذلك قلة فرص الزواج بعد فالرجل المطلق أو الذي يكثر من الطلاق يحاط بعلامة استفهام وتتحاشى الأسر أن تزوجه أما المرأة المطلقة فتقل فرصها في الزواج حتى ولو كانت جميلة صغيرة. مشكلات اقتصادية واجتماعية ويتطرق الدكتور الجوير إلى الآثار النفسية لهذا الزواج فيقول: ومن هذه الآثار قلق وتوتر وشعور بالوحدة والحرمان الذي يحصل من هذا الأمر، وهناك أيضاً آثار اقتصادية تتعلق بضعف الإنتاجية للمرأة وللرجل نتيجة للآثار النفسية، وأيضاً لحاجة المرء إلى مصروفات أخرى من مهر وخلافه إذا كان في كل مرة يريد أن يتزوج ويطلق ويتزوج ويطلق حتى لو أراد استرجاع المرأة التي طلقها فإنه يترتب عليه بعض المصروفات الأخرى من إرضاء وهدايا ونحوها، هنالك أيضاً حاجة المطلقة إلى نفقة لها ولأولادها، وان هناك آثاراً أمنية تتعلق بجنوح الأحداث وتتعلق بإيذاء النفس والانتحار نتيجة لهذا الأمر وهناك أمر خطير أيضاً وهو أنه ساهم في وقوع الكثير من الفواحش وخاصة فاحشة الزنا لأن هذا الأمر سهل مسألة الذهاب إلى مجالات كثيرة للبغاء قد تنتشر تحت ستار الزواج بنية الطلاق وأحياناً من دون هذا الستار. قضية شرعية طبية وفيما يتعلق بالآثار الطبية الناتجة عن الزواج بنية الطلاق يقول الدكتور إبراهيم بن عبدالرحمن الحقيل وكيل كلية الطب بجامعة الملك سعود بالقصيم: إن الزواج بنية الطلاق كان في فترة مضت لحاجات وأغراض معينة، حيث كان الطالب يقضي سنوات طوال خارج موطنه ويحتاج معها لمثل هذا المخرج، إلا أنه مع التوسع في هذا المجال بدأت تطفو على السطح العديد من الآثار السلبية الطبية لذلك. ولوحظ أن العديد من المراجعين للعيادات الطبية في الفترة الأخيرة بعضهم من كبار السن يعانون من بعض المشكلات في مثل هذه الأمور، حيث كان المراجعون في السابق من صغار السن والمراهقين وغير المتزوجين. مشيراً إلى أن هذه القضية أصبحت قضية شرعية اجتماعية وطبية، حيث يؤدي هذا الزواج إلى الإصابة بالأمراض التناسلية التي كنا نعرف أنها لا تصيب إلا من يمارسون الجنس خارج الإطار الشرعي، مثل الزهري، والسيلان والتقرح الليّن، والأمراض الفيروسية مثل الهربز، ونقص المناعة المكتسبة«الإيدز»، إضافة لبعض الأمراض التي تصيب أجزاء مختلفة من الجسم، وكذا مضاعفاتها، وكذلك الآثار النفسية والاجتماعية لهذه الأمراض، ومضاعفات هذه الأمراض على الزوجة والأبناء.