لا يقتصر التنوُّع المعرفي على جمع أناسٍ مختلفي الألوان والأجناس فقط، فالتنوُّع الفعَّال يحتاج إلى خلفيات فكرية متنوعة ولكن ذات صلة بمجال العمل؛ والتي من مزاياها تمكِّيننا من تسليط الضوء على "المناطق العمياء"، وتوسيع نطاق الخبرات، وإنتاج أفكار أكثر وذات جودة أعلى.. إن للتنوع أهمية كبيرة، ويُقصد به تنوُّع العقول التي نتواصل معها باستمرار، والتي من مزاياها تمكِّيننا من تسليط الضوء على "المناطق العمياء"، وتوسيع نطاق الخبرات، وإنتاج أفكار أكثر وذات جودة أعلى. في عام 1978م، تحطمت طائرة في طريقها لبورتلاند في حادثٍ راح ضحيته عشرون راكباً، لم يقع الحادث بسبب خطأ قيادة أو أيَّة مشكلة ميكانيكية أخرى، بل وقع بسبب نفاذ وقود الطائرة، قد تتعجَّب كيف غفل الطيار عن شيء بتلك الأهمية، ولكن حقيقة الأمر أنه لم يغفله، إذ كان مهندس الطائرة واعياً تماماً بالموقف، ولكنه كان يرهب الحديث مع الطيار فأحجم عن التواصل معه بشأن هذا الأمر، كان الطيار يمثل السُلطة التي يخشى المهندس مجادلتها ففضَّل الصمت!. ومنها، من المسؤول عن تحطُّم الطائرة؟ من السهل لوم المُهندس على ما حدث، فمهما كان شعوره تجاه الطيَّار، كان المُفترض أن يُحذِّره، ولكن المُهندس ليس في منصبٍ يؤهله لمحاسبة الطيَّار أو لفت نظره لمشكلةٍ ما، فهو القائد الذي يبجلونه ويهابونه!. وهنا تبرز "النقاط العمياء" في نطاق مجتمعات العمل، فإذا كان جميع من في غرفة الاجتماعات على سبيل المثال، يمتلكون المعرفة والمهارات والقدرات نفسها، فسيتحقق هنا العمى الجمعي ولن يتمكن الفريق من رؤية الصورة الكاملة، وهنا تتحول مجموعة الحُكماء إلى مجموعة تفتقر إلى الحكمة، بينما قد تتمتع مجموعة من أناسٍ عاديين بنظرة حكيمة لما تملكه من أفكار متنوِّعة وقدرة على إنتاج أفكارٍ متمرِّدة وخارقة للعادي والمألوف. في كتاب ماثيو سِيد في كتابه (أفكارٌ متمرِّدة - قوَّة وثراء التفكير المتنوِّع) الذي يرى في عالم التوظيف، أننا سنجد مدير الموارد البشرية عند توظيف أحد الموظفين الجُدد، غالباً ستتحكم معاييره المعرفية وخبراته السابقة (هو) في اختياره للشخص المناسب، ولن ينظر أبدًا إلى التنوُّع الذي سيضيفه للفريق، وقد لا ينتبه إلى أن التنوُّع في الموظفين وفكرهم وخبراتهم أحد العناصر الحاسمة التي يتوقف عليها نجاح الفريق، بل قد يكون المعيار الأوَّل عند التنبؤ بالنجاح. وبالطبع لا يقتصر التنوُّع المعرفي على جمع أناسٍ مختلفي الألوان والأجناس فقط، فالتنوُّع الفعَّال يحتاج إلى خلفيات فكرية متنوعة ولكن ذات صلة بمجال العمل، لذلك يُعد ضعف التواصل إحدى مساوئ التسلسل الهرمي الذي يحكم معظم أماكن العمل، فحين يُعرَّف القائد، يصبح الأعضاء الآخرون أكثر خجلاً وأقل قدرةً على التعبير عن أفكارهم ورؤاهم، وإلى أن يخلق القائد البيئة المُلائمة للتواصل، تظل الأفكار العظيمة مُختبئة خلف حواجز الرهبة والخوف من عدم التقدير، حتى تفقد قيمتها، ومن ثمَّ، يكمن دور القائد في منح أفراد فريقه الأمان النفسي الذي يحتاجونه كي يعبروا عن أفكارهم بجرأة، فالأمان النفسي عُنصر حاسم لنجاح الفريق، وهو ما يمكن للقائد توفيره بسهولة باتباع آليات، مثل "الكتابة الذهنية"، وفيها يكتب كل فرد أفكاره في ورقة من دون التوقيع عليها، ثم يصوِّتون للفكرة الأفضل، وبعد التصويت، ينقسم الفريق إلى مجموعات صغيرة للعمل على الأفكار المطروحة، يمكنهم تنقيح الأفكار، أو دمجها، أو حتى إضافة لمحات إليها، تعمل الكتابة الذهنية على الحدّ من الأثر السلبي للسلطة من خلال تشجيع الجميع على المشاركة وإبداء الرأي، والسماح لهم بالإسهام في خلق الأفكار ونقدها حسب رأي الكاتب ماثيو سِيد. وفي نفس المنعطف، يستطيع القادة أيضاً الحفاظ على التواصل الفعَّال بين أعضاء الفريق في المؤسسة ككل باتباع بعض الأساليب، مثل "الصمت الذهبي"، ففي شركة "أمازون"، تبدأ الاجتماعات بثلاثين دقيقة من الصمت لمنح الحضور فرصة لقراءة أجندة الاجتماع، بحيث يتسنى لهم تكوين آرائهم قبل البدء، وهو ما يمنحهم الفرصة أيضاً للتفكير المتنوع. وبعد انتهاء الصمت الذهبي، يبدؤون في عرض الأفكار، ولا يُسمح للمديرين وكبار الموظفين بالحديث إلا في نهاية الاجتماع حتى لا يشعر باقي أعضاء الفريق بالتهديد والرهبة. فإن كُنت قائداً لإحدى المؤسسات على سبيل المثال، فقد حان الوقت لإزالتك للحدود بين الأقسام المختلفة، فقط أعِد ترتيب المكاتب وهِب موظَّفيك فُرصة الاندماج من دون فواصل التدرج الهرمي، لا تسمح بالعُزلة بين أعضاء الفريق؛ وشجِّعهم على التعاون والاستفادة كل من الآخر، بذلك تعزز الابتكار والمنافسة ورؤية المنطاق العمياء بكل سهولة ويسر.