تناول الكاتب الروائي والناقد السوري نبيل سليمان عبر مؤلفه «الإشارة والمعنى»، الصادر في طبعته الأولى، عن دائرة الثقافة في الشارقة، المعنى وتجلّياته في الإنتاج الأدبي السردي الروائي العربي، حيث يعتبر أن المعنى ليس فقط علامة فلسفية مجردة، بل هو قبل ذلك وبعده علامة اجتماعية تتشكل في صور الحياة البشرية جميعاً، ويتم ذلك التشكل بحسب الكتاب بقدر ما يتوفر لها من إشارة مبدعة وامضة متخيلة، لغوية وفنية، بالتالي فإن الكتاب يبحث عن تلك العلاقة بين الإشارة والمعنى، ويقدم المؤلف بحثاً وجهداً فكرياً ونقدياً وأدبياً كبيراً من خلال تناول واقع السرد العربي يناقش من خلالها حضور وتحولات الوعي في الرواية. يضيء الكتاب على المضمون والفكرة وراء السرد والغايات التي تكشف عنها العلامات والإشارات في الفعل الروائي عبر الحض على التأمل والتفكير، فالروائي وفقاً للكتاب هو صاحب موقف ويعمل على تعميق إحساس القارئ بالواقع الذي يعيشه، فالكتابة التي تفتقر إلى المعنى هي عبثية وتهويمية، لكن يجب الانتباه إلى مسألة في غاية الأهمية فالمعنى لا يعني الحضور الأيديولوجي الفاضح عبر تبنّي مواقف أيديولوجية وسياسية أو مذهبية بشكل مباشر في السرد، فتلك مسألة في غاية الفجاجة وتقتل الإبداع، فالمقصود هو حضوره بما يخدم كذلك البعد الجمالي، فلابد للكاتب من موقف يتخذه ويتبنّاه تجاه الواقع الذي يعيشه ويعبّر عنه في الكتابة الروائية والسردية، وذلك هو المعنى، فالسرد هو لقاء الجمال والفكرة. واستشهد الكاتب بأعمال روائية عربية يحضر فيها المعنى عبر المواقف المختلفة، وتحضر شخصية المثقف صاحب الموقف والرسالة في أعمال سردية مثل روايات جبرا إبراهيم جبرا، وكذلك قدم الكتاب نماذج من السودان والمغرب وبلدان عربية أخرى يتجلّى فيها الوعي بالذات وبالآخر، ونماذج من روايات صوفية وتاريخية يحضر فيها الوعي بالتاريخ والمجتمع والذات، كما يستدعي الكتاب مؤلفات سردية تحمل بين سطورها وأحداثها ومنعطفات الوعي بالقضية والوطن والمجتمع والواقع لنجيب محفوظ وواسيني الأعرج وإبراهيم الكوني ويوسف إدريس وجمال الغيطاني. الكتاب الذي يقع في 336 صفحة من الحجم المتوسط، ويشتمل على مقدمة و12 فصلاً، يتناول «وعي الذات والآخر»، و«السيرة الروائية والصوفية»، بنماذج لأعمال سردية عربية و«شهادة الرواية على زمانها»، و«الفانتاستيك في الرواية»؛ ويعني «الفانتازيا»، حيث يشتبك العجائبي بالغرائبي بالخارق وخلاف ذلك. ويرصد الكتاب قضايا متعلقة بالمتغيرات العصرية مثل: ثورة الاتصالات، والإرهاب والفن، ويعرج في الفصل التاسع على توظيف السخرية في الأعمال السردية الروائية، فيما جاء الفصل العاشر بعنوان «التاريخ روائياً»، ويستعرض نماذج لأعمال روائية بثيمة التاريخ. الكتاب تناول عدداً كبيراً من الروايات العربية التاريخية، مثل «هرمز»، للكاتبة ريم الكمالي، إذ تحتل الرواية التاريخية موقعاً مهماً في الأدب العربي الراهن، ويحذر سليمان من مغبة الكتابة اللحظية عن موضوعات سياسية واجتماعية تحتاج إلى التبصر والتفكير، لا سيما أن هذه الموضوعات تحتاج إلى حس تاريخي عميق، ويرى بضرورة أن يحذر الكاتب من الوقوع في فخ ما هو «شعاري»، فيخرج بأعمال عابرة وليست عميقة، ويقول: «يشغلني في هذه الأيام سؤال ملحّ هو: كيف يمكن أن نتلمس نبض التاريخ في ما يحدث اليوم؟»، ولعل رواية الكمالي توفر فيها المعنى من خلال الذهاب إلى التاريخ وتفسير أحداثه وإسقاطها على واقع اليوم. يمكننا القول إن الكتاب حمل المتعة وحشد من الجماليات، حيث تناول المصادر التي ألهمت الروائيين العرب في الكتابة عن الصحراء، والقيم والمعاني التي تحملها كتاباتهم، ويشير إلى أن السرديات العربية قد شهدت منذ ستينيات القرن الماضي اهتماماً بالثقافة الشعبية: الحكايات الشعبية، الأساطير، ألف ليلة وليلة، الصوفية، الغناء.. إلخ ومن قبل، حيث حضرت الصحراء كعنصر مهم من الثقافة الشعبية العربية بما يعنيه ذلك من الاشتغال على بنى فنية واجتماعية: السوالف «الحكايات»، الأعراف والعادات والأزياء والأعراس والغناء والرقص والعديد «النواح»، والثأر والكرم وقص الأثر والخيول والأنساب والفراسة والعرافة والترحل والخرافة والشعر والجن والجوارح، حيث جاء التناول الروائي للصحراء بدرجات متفاوتة، سواء في المستوى الفني أم في شمول النظر وعمقه.