أمير حائل يدشن إنتاج أسماك السلمون وسط الرمال    المسند: طيور المينا تسبب خللًا في التوازن البيئي وعلينا اتخاذ الإجراءات المناسبة للحد من تكاثرها    التعامل مع المرحلة الانتقالية في سورية    إحباط تهريب (1.3) طن "حشيش" و(136) طنًا من نبات القات المخدر    بناء الأسرة ودور مراكز الرعاية الصحية الأولية    معرض الكتاب بجدة كنت هناك    جمعية(عازم) بعسير تحتفل بجائزة التميّز الوطنية بعد غدٍ الإثنين    البديوي: إحراق مستشفى كمال عدوان في غزة جريمة إسرائيلية جديدة في حق الشعب الفلسطيني    مراكز العمليات الأمنية الموحدة (911) نموذج مثالي لتعزيز الأمن والخدمات الإنسانية    الفريق الفتحاوي يواصل تدريباته بمعسكر قطر ويستعد لمواجهة الخليج الودية    الهلال يُعلن مدة غياب ياسر الشهراني    جوائز الجلوب سوكر: رونالدو وجيسوس ونيمار والعين الأفضل    ضبط 23194 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود.. وترحيل 9904    الأونروا : تضرر 88 % من المباني المدرسية في قطاع غزة    زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب الفلبين    حاويات شحن مزودة بنظام GPS    مهرجان الحمضيات التاسع يستقبل زوّاره لتسويق منتجاته في مطلع يناير بمحافظة الحريق    سديم "رأس الحصان" من سماء أبوظبي    أمانة القصيم توقع عقد تشغيل وصيانة شبكات ومباشرة مواقع تجمعات السيول    بلدية محافظة الاسياح تطرح فرصتين استثمارية في مجال الصناعية والتجارية    «سوليوود» يُطلق استفتاءً لاختيار «الأفضل» في السينما محليًا وعربيًا خلال 2024    بعد وصوله لأقرب نقطة للشمس.. ماذا حدث للمسبار «باركر» ؟    انخفاض سعر صرف الروبل أمام الدولار واليورو    الفرصة مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    الصين تخفض الرسوم الجمركية على الإيثان والمعادن المعاد تدويرها    المكسيك.. 8 قتلى و27 جريحاً إثر تصادم حافلة وشاحنة    أدبي جازان يشارك بمعرض للتصوير والكتب على الشارع الثقافي    دبي.. تفكيك شبكة دولية خططت ل«غسل» 641 مليون درهم !    رينارد وكاساس.. من يسعد كل الناس    «الجوير».. موهبة الأخضر تهدد «جلال»    ابتسامة ووعيد «يطل».. من يفرح الليلة    رئيس الشورى اليمني: نثمن الدعم السعودي المستمر لليمن    مكي آل سالم يشعل ليل مكة بأمسية أدبية استثنائية    جازان تتوج بطلات المملكة في اختراق الضاحية ضمن فعاليات الشتاء    الرويلي يرأس اجتماع اللجنة العسكرية السعودية التركية المشتركة    مدرب ليفربول لا يهتم بالتوقعات العالية لفريقه في الدوري الإنجليزي    رئيس هيئة الأركان العامة يلتقي وزير دفاع تركيا    لخدمة أكثر من (28) مليون هوية رقمية.. منصة «أبشر» حلول رقمية تسابق الزمن    وزير «الشؤون الإسلامية»: المملكة تواصل نشر قيم الإسلام السمحة    خطيب الحرم: التعصب مرض كريه يزدري المخالف    مآل قيمة معارف الإخباريين والقُصّاص    مهرجان الرياض للمسرح يبدع ويختتم دورته الثانية ويعلن أسماء الفائزين    عبقرية النص.. «المولد» أنموذجاً    99.77 % مستوى الثقة في الخدمات الأمنية بوزارة الداخلية    أميّة الذكاء الاصطناعي.. تحدٍّ صامت يهدد مجتمعاتنا    نائب أمير مكة يفتتح ملتقى مآثر الشيخ بن حميد    «كليتك».. كيف تحميها؟    3 أطعمة تسبب التسمم عند حفظها في الثلاجة    فِي مَعْنى السُّؤَالِ    دراسة تتوصل إلى سبب المشي أثناء النوم    ثروة حيوانية    تحذير من أدوية إنقاص الوزن    ضرورة إصدار تصاريح لوسيطات الزواج    رفاهية الاختيار    وزير الدفاع وقائد الجيش اللبناني يستعرضان «الثنائية» في المجال العسكري    حلاوةُ ولاةِ الأمر    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الناقد د. الرفاعي: ملعبنا الروائي القادم سيهزّ تكويننا الثقافي
نشر في الرياض يوم 22 - 03 - 2019

الرواية السعودية تحظى بالاهتمام النقدي وقد يتفوق هذا الاهتمام على المنجز الروائي، فهناك الدراسات النقدية والرسائل العلمية عن الرواية السعودية. ومن أبرز الأسماء التي ترصد وتجادل مسيرة الرواية السعودية د. خالد الرفاعي الباحث في الرواية النسائية. وفي هذا الحوار لثقافة اليوم نطرح العديد من الأسئلة عن اللحظة الجديدة في الرواية السعودية:
* تتوقع بأنه سيكون لنا موعد مع عشرات الروايات التاريخية في الخليج، وفي المملكة تحديداً في السنوات المقبلة، على الرغم أنها الأصعب في مجال الرواية. بينما أرى أنّ الخطر القادم على الرواية العربية وفي المملكة تحديداً ما يسمى بالرواية التاريخية؛ لأن لجوء الروائيين لهذا الجانب ليس من باب الشغف بالتاريخ ولكن لوجود مادة جاهزة تؤخذ من الكتب والمراجع وتحتاج القليل من النكهات السردية ليتمّ إصدراها في شكل روائي.
* نحن متفقان على صعوبة هذا المسار السردي (الرواية التاريخية)، ومتفقان أيضاً على خطورته، وإن كان ثمة اختلاف بيني وبينك فهو في استسهالك هذا المسار، والنظر إليه على أنّه من الممكن والسهل بحيث يلجأ إليه كلّ من يريد مادة جاهزة لروايته. إنّ الذي أراه أنّ هذا المسار السردي في آخر الخيارات المتاحة للروائي الذي لم يستكمل متطلبات الكتابة الروائية، وهو أصعب بكثير من أن يقدّمه على كتابة روائية حرة تخضع بشكل كامل لمتخيّله، وتعبر عن سياقه التاريخي الخاص. وحتى لو تجرأ روائي على اقتحام الرواية التاريخية مستسهلاً إياها فستكون الأكثر قدرة على كشف ضعفه وهشاشة رؤيته وقلة أدواته، وهذا يبدو واضحاً في الروايات التاريخية التي تغلب فيها الخط المرجعي على الخط المتخيّل.
* أنت ترى أنه إذا اقتحم الروائي الرواية التاريخية مستسهلاً إياها فستكون الأقدر على كشف ضعفه وهشاشة رؤيته وقلة أدواته. لكن في الحقيقة تبدو الرواية التاريخية ساترة للعيوب الفنية للروائي، فمثلاً يوسف زيدان عندما تدثر بالرواية التاريخية فاز بالبوكر عن رواية عزازيل وكذلك روايته النبطي حققت حضوراً جيداً بينما عندما تعامل مع الواقع الراهن جاءت رواياته الأخرى في غاية الضعف الفني، والنموذج الآخر الروائي محمد حسن علوان رواياته السابقة ممتلئة بالنواقص الفنية ولكن عندما كتب "موت صغير" وهي رواية تاريخية حاز على البوكر. فهنا نلاحظ أن الجوائز تعزّز وتشجع هذا النوع من السرد، وهذا ما يغري الاتجاه في هذا الجانب من الروائيين.
* الحصول على جائزة وتحقيق الانتشار لا يشفّان عن مستوى النصّ دائماً، وأنتَ - بصفتك شاهداً على حَرَاك الرواية السعودية - تعرف جيداً أنّ ثمة روايات كثيرة أخذت حضورها الطاغي وانتشارها الكبير من فرص خارج النص، مرتبطة بمقدّم النص، أو بلعب الناشر، أو بالمساندة الثقافية والصحافية تحديداً. وقد تكون الفرصة متصلة بالسياق الثقافي الذي يتحيز في مرحلةٍ ما إلى أشكال أدبية، أو موضوعات أو قضايا؛ لذلك لا أعوّل كثيراً في قراءة النصّ الروائي على هذه المعايير التي يمكن أن تتغذى على ال(لا نصي)، والأخطر حين تُستدعى - نقدياً - لتكون مسوّغاً للحكم للنصّ أو عليه.
* بما أننا في هذا الجانب فلا بد أن نستحضر إحدى الروايات التاريخية التي لامست اهتمامك النقدي مؤخراً، وهي رواية "مسرى الغرانيق في مدن العقيق" للروائية أميمة الخميس، التي كانت تقدّم في رواياتها السابقة نكهة التاريخ لمدينة الرياض حيث تتشكل ملامحه برؤية نسائية سواء في الجانب الاجتماعي أو العاطفي، لكنها في هذه الرواية تتجه مباشرة إلى الرواية التاريخية الصريحة.. كيف لمست الفارق بين الروايات السابقة وهذه الرواية سواء على مستوى اللغة أو على مستوى إدارة الشخصيات الروائية؟
* تمتلك أميمة الخميس تراكماً قرائياً وكتابياً كبيراً، إضافة إلى تجربة حياتية ثرية؛ لذلك كانت معنية - في وقت مبكر (منذ العام 1994م على الأقلّ) - بأسئلة (الذات) و(الكتابة) و(الكتابة الروائية) تحديداً، أي: قبل صدور روايتها الأولى بأكثر من عشر سنوات، ثم إنها لم تصدر عملها الروائي الأول (البحريات: 2006م) إلا بعد تجربة جيدة في كتابة القصة القصيرة استغرقت ثلاث عشرة سنة أو أكثر، أنتجت فيها أربع مجموعات قصصية. هذا كله لابد أن يترك أثراً إيجابياً في عملها الروائي الأول، فكيف بالأخير "مسرى الغرانيق" الذي يأتي بعد اثنتي عشرة سنة من دخولها عالم الرواية؟
إن مجرد تأجيل المغامرة في مسار الكتابة الروائية التاريخية إلى هذا الوقت يعبّر عن وعي جيد بخطورة هذا المسار، وهذا ما حاولتُ إيصالَه في إجابتي عن السؤالين السابقين. وأضيف هنا أنّ أميمة الخميس لم تستبعد الهمّ الثقافي والتاريخي في أيّ من رواياتها السابقة ذات الهم الاجتماعي، حتى رواية "البحريات" (التي سطّحها بعض القراء باختزالها في قضية اجتماعية محدودة) كانت تحلّق في آفاق أبعد، من خلال لعبها على ثنائيات ذات بعد ثقافي عميق (الذات والآخر) (المعرفة والسلوك) (الرياض قبل النفط وبعده)، وكلّ المعاني التأويلية الممكنة لنصّ البحريات تؤكد أننا أمام رواية تختلف عن السياق الروائي الذي استأثر بروايات العقد الماضي.
هذه العوامل تعمّقت في روايتها "مسرى الغرانيق"، وجعلتها الرواية الأهمّ في تجربة أميمة الخميس، ومن جملة الروايات المهمة في مدوّنتنا الروائية بوجهٍ عام، وهذا ما جعلني أقول في مقام آخر: "إنّ أقل ما يمكن أن توصف به رواية مسرى الغرانيق أنها رواية جادة". ولكي أساهم معك في فتح مسارات متعدّدة داخل هذا الحوار أؤكد لك أنّ (جدية) النصّ الروائي لا تعني (جودته) دائماً!!
* تؤكد أن (جدية) النصّ لا تعني (جودته) دائماً.. ماذا تعني بهذه العبارة؟ وما علاقتها برواية "مسرى الغرانيق"؟
* لا علاقة لها بهذه الرواية ولا بغيرها، أردتُ فقط لفتَ الانتباه إلى أنّ مشكلتنا مع الرواية لم تكن بعد الطباعة أو القراءة، بل معها قبل الإنشاء، مع السياق الذي يكوّنها، وهو سياقٌ ثقافي عام له وعليه، وآخر خاص، يمثّله: تكوين الروائي، ووعيه بمتطلبات الكتابة الروائية. لقد أشرتُ سابقاً إلى أنّ المشكلة التي تعاني منها مساحة واسعة من مدوّنتنا الروائية تكمن في تحالفها مع المنطق الذي يستسهل عملية الكتابة الروائية، ولا يرى فيها أكثر من: حكاية طويلة نسبياً، ومقدرة تعبيرية جيدة إلى حد ما، ونزعة نقدية تجاه معانٍ أو أشياء. هذا كلّ ما تحتاجه كتابة الرواية وفق هذا المنطق؛ لذلك لا بد من التأكيد الدائم من زاوية النشاط النقدي على أنّ الرواية نصّ ذو مناخ فكري، يحتاج إلى أن يُؤخذ بجدية، وأما جودة النص فلها متطلبات إضافية، تتكشف للروائي أثناء الكتابة.
* هناك توجه من الروائيين العرب لكتابة الشخصية الصوفية لكن الأغلبية كتبوا بحالة من التطفل على هذا العالم، لقد تعاملوا مع هذا العالم الصوفي كمادة بحثية، لكن نجد في حالة أخرى أن نجيب محفوظ بنى عالمه الروائي الصوفي من شخصيات عادية من الحياة، بينما يأخذ الآخرون شخصياتهم الروائية مأخوذة من كتب التاريخ. كيف تقرأ هذه الظاهرة الروائية؟
* يبدو لي أنّ المسارين (المرجعي والمتخيّل) متاحان للروائي، المهم كيف يدير الروائي شخصيته، وكيف يجعلها جزءاً فاعلاً في الحياة السردية وفق منطق الرواية. كثير من الشخصيات الروائية مأخوذة من التاريخ، لكنها تعلّق تاريخيتها مع انفتاح الحقل السردي لتنهض بأعمال متخيلة، تصبّ في خدمة المعنى الذي تقصده الرواية. لا أفهم المفاضلة التي يعقدها بعض قراء الرواية بين (المتخيل) و(التاريخي) والتي تنتهي غالباً إلى تفضيل الأول على الثاني. إن طغيان منطق البحث على الرواية عند تناول الفلسفي والفكري والثقافي، وتحويل مواضع من الرواية إلى مساحات لاستعراض المعلومات بدلاً من تمثيلها، لا يعبر إلا عن ضعف الروائي، أو عن محدودية وعيه بسمات الشكل الروائي، ومردّ هذا الضعف إلى تكوين الروائي أولاً وأخيراً .
* في السنة الأخيرة حدثت الكثير من الانفراجات للمرأة سواء على مستوى فرص العمل أو قيادتها السيارة أو حتى حضور الملاعب. هذه العوامل المتغيرة هل ستنعكس آثارها على الرواية السعودية بشكل عام وعلى الرواية النسائية بشكل خاص، حيث كانت تلك الروايات ممتلئة بحشد قضايا المرأة.. فهل ستهدأ الروائية وتعود إلى كتابة الفن الروائي لا القضايا الاجتماعية؟
* بالتأكيد، أو لنقل هذا هو الطبيعي؛ لذلك قدّرتُ أن تكون الرواية التاريخية في المستقبل أحد أكثر الخيارات إلحاحاً على الروائي، باختصار لأننا بدأنا نتخفّف من كثير من الظواهر الخارجية (التي أشرتَ إليها في سؤالك)، وحين نتخلص من هذه الظواهر سننكشف، وسنكون في مواجهة مباشرة مع عمقنا الثقافي الذي قد يكون الجزء الأقلّ تغيراً فينا رغم تغيرنا في كل شيء. ملعبنا الروائي القادم سيكون عميقاً وعميقاً جداً، سيهزّ تكويننا الثقافي، وسيقارب الذات وهي في حالة تحرر من الثنائيات الضيقة. ولأنني على قناعة تامة بأن تلك المناطق ستستدعي جوانب عميقة ليس من السهل مباشرتها، فقد قدّرتُ أن يكون التاريخ هو المسار الأكثر مناسبة لهذا النوع من المعالجات الجادة، أو انكماش موجة الرواية لصالح شكل آخر.
لكننا حين نتحدث عن الكتابة النسائية تحديداً فسيكون من المهم أن نستدعي ظاهرة (الكتابة من الماضي)، وهي ظاهرة بارزة في الرواية النسائية، تتيح للمرأة فرصة الكتابة من زاوية الأقلية أو المهمش أو المنفي، وقد تستغرب لو قلتُ لك إنه مع التباين الكبير بين الدول الخليجية فيما يتعلق بوضع المرأة خلال نصف قرن مضى فإن المساحة الأكبر من الروايات النسائية الخليجية كانت تعبّر عن التماثل في الاهتمام بالموضوعين الاجتماعي والعاطفي، والانغلاق شبه كامل على ثنائية (رجل - امرأة).
يمكن أن أقول: إنّ حالة الانفتاح الاجتماعي التي نعيشها اليوم ستكشف الروائيّ القادر على الذهاب بعيداً في تجربته الروائية!
* لاحظت أن الأسماء الروائية النسائية البارزة في المشهد السردي السعودي غالباً هي ذات الأسماء التي برزت في الألفية السابقة. هل وجدت في الألفية الجديدة أسماء روائية نسائية لافتة وإن لم يوجد في تصورك ما مبرر هذا الأمر؟
* ربما لأن الكتابة الروائية تتطلب قدراً كبيراً من التراكم، فمن جربت كتابة القصة القصيرة على مدى عقد من الزمن، وكان لها مقروء واسع في المنجز السردي، وتفاعل جيد مع المتن النقدي، فإنّ فرصة كتابتها نصاً روائياً مميزاً ستكون أكبر، وهذا بالتأكيد ليس ثابتاً.
مثلاً بروز اسم أميمة الخميس في الرواية مع صدور روايتها الأولى (البحريات: 2006م) يتصل بتجربتها الثرية في كتابة القصة القصيرة، التي تجاوز عمرها ثلاث عشرة سنة قبل (البحريات)، وخلال هذه المدة التي سبقت كتابة النص الروائي الأول كانت الخميس متواصلة مع المنجز السردي بوجه عام (العربي وغير العربي)، ومكنتها هذه القراءة من تشكيل موقف فاحص تجاه النص، وهي قبل ذلك وبعده من المعنيين بالسؤال الثقافي العربي وليس السعودي وحسب، ومنذ العام 1990م (أي: قبل البحريات بست عشرة سنة) وهي مهتمة بأسئلة الذات والكتابة والكتابة الروائية، وثمة لقاءات أجريت معها قبل أكثر من عشرين سنة تعبر عن وعي لافت حول هذه الجزئيات. هذا كله لابد أن يكون له انعكاس واضح على التجربة الروائية حتى في نصها الأول، وهو ما يفسر الظاهرة التي أشرتَ إليها في سؤالك، غير أنها ليست قاعدة ثابتة، فثمة أسماء ظهرت مع بدايات الألفية الثالثة وكشفت عن مقدرة جيدة في كتابة الرواية، ويمكن أن أشير هنا إلى اسم أمل الفاران.
* أثير النشمي روائية قد تكون هي الروائية السعودية الأكثر مبيعاً، وثمة مقروئية عالية لرواياتها التي تقدم النكهة العاطفية المستغانمية إلا أننا في المقابل نجد الاهتمام النقدي بتلك التجربة غائباً تماماً. في اعتقادك ما سر هذه القطيعة النقدية مع تجربة هذه الروائية؟
* ظاهرة (الأكثر مبيعاً) لا تعبر عن شيء حين نتحدث عن قيمة النص من الناحيتين الفكرية والجمالية؛ لذلك لا أعوّل عليها كثيراً وإن كانت تستحق الالتفات في سياقات أخرى.
ورغم ذلك أذكر أنني اطلعت فيما مضى على أكثر من قراءة نقدية تناولت تجربة النشمي، وأما لماذا لم تحظَ باهتمام نقدي كافٍ فالإجابة تنقلنا إلى الطريقة التي يتشكل بها النشاط النقدي العربي، وهي طريقة تخضع في الغالب لعامل خارجي سابق لقراءة النص، منها مثلاً: الاهتمام الإعلامي بروايةٍ ما (كما حصل مع رواية بنات الرياض)، أو قدرة الرواية (حتى مع ضعفها) على الإجابة عن أسئلة دقيقة يفرضها بحث من أبحاث السرد، أو بسبب العلاقات الشخصية، أو بفضل تواصل الروائي/ الروائية مع الناقد، ووضع الرواية على طاولة خياراته.
كل هذه عوامل تغلّب الاهتمام بتجربة على حساب تجربة أخرى، وكلها - كما ترى - لا تعبّر عن جودة النص أو ضعفه.
ثمة نقطة من المهمّ استدعاؤها هنا هي أن كثيراً من التجارب الروائية النسائية تلجأ إلى الكتابة المباشرة من خلال تغليب (القول) على (الحكي)، وتسترسل من خلال هذا الباب في الحديث المباشر عن البعد الوجداني، ومثل هذه الرواية لا تعطي القارئ (ولا سيما الناقد) المساحة التي يريدها لعملية الإنتاج، بل تبقيه في دائرة المتلقي السلبي، ومن المؤكد أن هذا النوع من الكتابة قد يحقق أرقاماً جيدة في البيع، لكنه للأسف لا يستدرج قراءات نوعية.
* كتابة الرواية على لسان الرجل بحسب اعتقادي أنها تجربة غائبة في الرواية النسائية السعودية.. هذا الغياب بماذا تفسره؟
* لم أفهم السؤال بشكل جيد، إن كنتَ تريد بقولك "على لسان الرجل" أن يُسند فعل الرواية إلى رجل ففي الروايات النسائية نصوص روائية أسندت فعل الرواية لرجل لكنها محدودة، ومنها تلك الروايات التي قامت على تعدد الرواة كما نجد - مثلاً - في "لم أعد أبكي" و"ملامح" لزينب حفني.
أما إن كنتَ تقصد أن تكون الشخصية الرئيسة في رواية المرأة شخصية رجل فهذا غائب إلى حد كبير، لكنه موجود أيضاً. ثمة جزئية مهمة قد تساعد على اقتراح تفسير لهذه الظاهرة، هي أن الكتابة الروائية النسائية كانت مقرونة بالحاجة المباشرة لدى الروائية الخليجية، فهي تكتب لأنها لا تجد قناة تمنحها مساحة كافية للتعبير، فضلاً على أن يكون التعبير حراً وواسعاً (كما في الرواية)؛ لذلك كان مدار النص الروائي النسائي على هواجس المرأة وقلقها في مجتمعات لا تهتم بالمرأة، ولا بمنحها فرصة التعبير عن همومها. من هنا يمكن أن نفهم إلحاح الكتابة الروائية النسائية على تمكين (الأنثى) و(الأنوثة) و(الأنثوية) من مفاصل السرد الأكثر أهمية. ومتى خرجت الكتابة النسائية من هذه الزاوية المحدودة إلى مساحات أوسع فسيعود النص الروائي إلى سعته، وسيتخلص من هذه الظواهر التي تقلّص مساحات اشتغاله، وهذا ما نجده في روايتَي: "تحولات الفارس العربي في البلاد العاربة" لفوزية رشيد، و"مسرى الغرانيق في مدن العقيق" لأميمة الخميس، وروايات أخرى يحلّ (الإنساني) فيها بدلاً من (الجنساني).
* كيف ترى تجربة الرواية النسائية الخليجية وما الأسماء التي لفتت انتباهك وهل تجدها تجربة مختلفة عن تجربة الرواية النسائية السعودية أم هي امتداد لها؟
* رغم تباين المجتمعات الخليجية فيما يتعلق بوضع المرأة، وبمنظومة الآداب والفنون والحريات الثقافية والاجتماعية، فإنّ أول ما يلحظه قارئ الروايات النسائية الخليجية هو حالة التماثل الكبير بين النصوص الروائية في الموضوعات والفنيات، حتى كأنك أمام تجربة روائية واحدة، أو على الأقل أمام كتابة من داخل مجتمع واحد!
مثل هذا التماثل يتصل بدلالات متعددة قد تكون كاشفة لجوانب مهمة تتجاوز تجربة الكتابة إلى أبعاد أعمق ثقافية ونفسية واجتماعية، وهذا ما سعيتُ إلى الإجابة عنه في كتابٍ معدّ للنشر. وأما الأسماء الخليجية التي جذبت اهتمامي فمحدودة، يمكن أن أشير - على سبيل المثال - إلى ليلى العثمان وبثينة العيسى، وفوزية رشيد، وزوينة الكلباني، وهدى الجهوري، وفاطمة الشيدي، وأسماء أخرى، إضافة إلى الأسماء الروائية النسائية البارزة في المملكة.
* في الألفية السابقة كان هناك العديد من الناقدات اللواتي كان لهن حضور في المشهد الروائي ثم تناقص العدد حد التلاشي، ثم ظهر جيل من الناقدات الأكاديميات اللواتي أخذن من الرواية السعودية جسراً للحصول على الشهادة العلمية وبعدها تم الاختفاء وهناك نوع آخر من الناقدات وهن اللواتي يسجلن حضورهن النقدي بأوراق نقدية صالحة للملتقيات والندوات. في ظل هذه الأطياف كيف تقرأ حضور المرأة الناقدة في المشهد الروائي؟
* هو حضور جيد من وجهة نظري، أثرى النشاط النقدي، خاصة في مرحلة الطفرة الروائية، وأغلبه يقارب النص الأدبي بوجه عام دون النظر إلى معيار الجنس.
وأما ظاهرة اختفاء أو توقف بعض الأسماء النسائية النقدية فيمكن فهمها من أي ناقد ينتمي إلى المؤسسة الأكاديمية؛ لأن مسؤوليات انتمائه إليها تقتطع جزءًا كبيراً من نشاطه البحثي، كما أن اهتمامه بالمناهج والمنهجيات والنظريات قراءة واشتغالاً يجعله أبطأ بكثير من وتيرة الإنتاج الأدبي المتسارعة، ولو أضفنا إلى هذا تفرغه العلمي، وعضوية اللجان العلمية والثقافية وانشغال بعضهم بالمشاركة في إدارة الأنشطة الثقافية، فسنتفهم هذه الظاهرة وخلفياتها وربما نضعها في مساحة العادي أو المتوقع.
لكنني أود هنا الإشادة بالدور الكبير الذي لعبته الأقسام العلمية في جامعاتنا بالتفاتها - خلال العقدين السابقين - إلى الأشكال الأدبية التي لم تحظ باهتمام أو اهتمام كافٍ في السابق.
الحصول على جائزة والانتشار لا يشفّان عن مستوى النصّ
استعراض المعلومات في العمل ضعفٌ ومحدوية وعي
(أدب الرحلة)، (السيرة الذاتية)، (الرواية النسائية)، كلها أمثلة على مدونات أدبية لم تتشكل ملامحها التاريخية واتجاهاتها الفنية إلا بفضل البحث الأكاديمي.
لقد ظل النقد الذي يقارب الرواية النسائية السعودية محدوداً أو خاضعاً لجهود فردية محدودة إلى أن التفت إليها البحث الأكاديمي، فظهرت فيما بين العامين 2007 و 2010 فقط أكثر من خمس دراسات علمية تحمل عنوان: "الرواية النسائية السعودية"، وكان لها دور كبير في فتح الباب لدراسات أكثر عمقاً في جزئيات دقيقة من هذه التجربة. وأغلب النشاط النقدي النسائي الذي تشير إليه في سؤالك هو من هذا النوع؛ لذلك أفهم وأتفهم جيداً خلفيات هذه الظاهرة، وأقدّر أن نجد بعد كل اختفاء ظهوراً أفضل.
ربما يقودنا الحديث عن هذه الظاهرة إلى التفكير في استعادة النشاط النقدي الصحفي الذي أخذ يتراجع مع تقدم النقد الأكاديمي، فمثل هذا النقد هو الأقدر على مواكبة الحركة الأدبية، وتمهيد الطريق إليها أمام البحث الأكاديمي المتأني بطبيعته.
* رجاء عالم حظيت بالتبجيل النقدي الذي لا يتوازى مع إعجاب القارئ المحدود - الآن هذه التجربة بعيدة عن الجماهيرية وبعيدة حتى عن اهتمام الناقد. كيف ترى الأمور ما بين التبجيل وما بين ما يشابه النسيان لهذه التجربة؟
o لا أتفق معك في أن ثمة اتفاقاً بين النقاد والدارسين ينزع إلى تبجيل تجربة رجاء عالم بالمطلق، أو وضعها فيما يشبه الطبقة الأولى بين الروائيين. بل على العكس كان لدي موقف سلبي مع مستوى (الأدبية) في جميع رواياتها باستثناء الأخيرتين (ستر: 2005م) و(طوق الحمام: 2010م). لقد تخلت رجاء عالم في هاتين الروايتين عن اللغة الانقطاعية التي تبنتها في رواياتها السابقة، وهي لغة تتأسس على رفض إقامة أي علاقة مع القارئ حتى لو كانت علاقة محتملة أو ممكنة، وهذا المستوى من اللغة يتعارض مع الطبيعة الأدبية.
لا يختلف اثنان حول توفر رجاء عالم على متطلبات الكتابة الروائية، وثراء تجربتها الخاصة، ووعيها بالكتابة والرواية، لكن الرواية من قبل ومن بعد لغة، وقد اختارت أن تبدأ تجربتها من نقطة لا تتناسب مع طبيعة الشكل الروائي - أو هذا ما أراه على الأقل -.
أمل الفاران تملك مقدرة جيدة على كتابة الرواية
«الأكثر مبيعاً» ظاهرة لا يعوّل عليها ولا تستدرج قراءات نوعية
وأما انسحاب النشاط النقدي - خلال السنوات الأخيرة - من تجربة رجاء عالم فأحسبه مؤقتاً إلى حين صدور رواية جديدة. لقد صدرت رواية طوق الحمام العام 2010 أي قبل تسع سنوات من الآن، وحظيت وقتها باهتمام نقدي (صحفي وأكاديمي) جيد، وقد ضاعفَ هذا الاهتمامُ فوزها بجائزة البوكر، وأقدّر أن تعود تجربة عالم إلى الواجهة مجدّداً بصدور رواية جديدة.
* لو أن هناك قارئاً طلب منك أن ترشح له ثلاث روايات نسائية سعودية.. أي الروايات التي سوف تختارها لذلك القارئ؟
* أتلقى هذا السؤال بشكل دائم، في تويتر وفي قاعات الجامعة، ولا أبدي تفاعلاً معه لاعتبارات لا أظنها تخفى عليك. لكنني أفضّل - حين أجيب - أن أشيرَ إلى التجربة الروائية لا إلى رواية بعينها، ويمكن أن أرشّح الآن: تجربة رجاء عالم في روايتيها ستر وطوق الحمام، وتجربة أميمة الخميس، وتجربة ليلى الجهني، إضافة إلى تجارب أمل الفاران ونورة الغامدي ومها الفيصل، والمسافات متفاوتة بين هذه التجارب، وبين روايات كل تجربة كذلك.
رجاء عالم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.