لم تكن المناظرة الأولى في سباق انتخابات الرئاسة الأميركيّة الحاليّة التي جمعت بين الرئيس الأميركي، "جو بايدن" (81 عاماً) ومنافسه الجمهوري "دونالد ترمب" (78عاماً) سوى شاهد آخر على تردّي حال النخبة الأميركيّة ممثّلة في رُعاة الحزبين الرئيسين الديموقراطي والجمهوري. وتكشف المناظرة التي دامت نحو 90 دقيقة عن عمق الأزمة والتباين الشديد في الرؤى حول تحسين الأوضاع الاقتصاديّة، وأمن الحدود والهجرة غير الشرعيّة فضلاً على تبادل الاتهامات في قضايا كثيرة. أما بخصوص الحرب الروسيّة الأوكرانيّة وحرب إسرائيل على غزّة فقد انتصر النفاق السياسي وغابت (حتى نظريّاً) كل القيم الأميركيّة والإنسانيّة بكل وضوح. المشهد بالكامل يترك الأميركيّين بين خيارين إمّا القبول باستمرار جموح اليسار، أو اللجوء لتطرّف اليمين وهما خياران أحلاهما مرّ. وترى بعض التحليلات أن الأميركيّين عمومًا منقسمون بشكل غير مسبوق اليوم بما يمكن أن يوقد نار الفتنة في الشارع، إذ ينظر الديموقراطيون والجمهوريون على حد سواء بعضهم إلى بعض بصفة أعداء لا كخصوم سياسيين، ولعل هذا يفسّر كيف أن نسبة مهمّة من الأميركيين يرون أن سياسات الحزب المعارض لهم تمثل تهديدًا لمستقبل الأمة. وترى هذه التحليلات أن الحزبين الرئيسين (الديموقراطي والجمهوري) فقدا الاتزان والأفكار، وأن المبادئ أصبحت جوفاء وضعيفة، مما أدّى إلى هبوط المشهد السياسي والافتقار إلى القيادات الفعالة مع انشغال القيادات الحزبيّة الحاليّة بقتال بعضهم البعض أكثر من تركيزهم على حل المشكلات. ويسأل السواد الأعظم من الأميركيين عن مخارج للبطالة وضعف الأجور، وعدم المساواة في الدخل، وارتفاع تكلفة المعيشة وسبل خفض الضرائب ومعدل الجرائم في الشوارع ولكنّ المرشحين في واد آخر. وهناك قضايا أساسيّة لا يحاول الحزبان التوافق على ثوابت حلها وهي محل جدل كبير خاصة تلك القضايا الاجتماعيّة المثيرة للجدل، مثل: الرعايّة الصحيّة، والهجرة، والسيطرة على السلاح، والعبث الجندري، والإجهاض. كان لكل حزب شخصيّة واضحة، على سبيل المثال: كان الجمهوريون تقليدياً من المدافعين الأقوياء عن الرأسماليّة الحرة، وخفض الضرائب على الشركات، وتقليل التدخل الحكومي، كما تميز الجمهوريون عادة بموقفهم القوي بشأن موقع أميركا الاستراتيجي في العالم وتبرير زيادة الإنفاق العسكري، وبخصوص القيم الاجتماعيّة فعادة ما يدافع الجمهوريون عن القيم الأسريّة ولهم مواقف محافظة بشأن قضايا الشذوذ، والإجهاض، والهجرة. من جهة أخرى برز الديموقراطيون تاريخياً مدافعين عن العدالة الاجتماعيّة، والحقوق المدنيّة، والمساواة، مع التزام الحزب بتوسيع الوصول إلى الرعاية الصحيّة ودعم التنوع والشمول سواء في سياساته أو تمثيله، مما جذب الأقليات والمجموعات الشابة. ولكنّ ما يحصل اليوم ليس خِذْلان القواعد الشعبيّة فقط ولكنّ وضوح حدة التناقض وعدم التعاون حتى وصل إلى الكونغرس. وقد قدّم مشهد تمزيق "نانسي بيلوسي" زعيمة الديموقراطيين والكونغرس لخطاب "حالة الاتحاد" الذي ألقاه الرئيس "ترمب" عام 2020 صورة عن "اتحاد الأمّة" ومستقبل السياسيّة الأميركيّة واليوم هذه بعض مشاهدها. مسارات.. قال ومضى: في المواقف الكبرى يصبح صمت العقلاء بطاقة دعوة للحمقى.