نحن لا نعيش في هذا العالم بمفردنا، بل تحيط بنا فئات بشرية مختلفة، لذا نكون عُرضة للآراء وللملاحظات وللوصاية وحتى للنقد، تهاجمنا مخالب الازدواجية فنسقط بين معتقداتنا ومعتقدات من حولنا، ولكن الواعي هو الذي يرفض أن يكون خزانة لتجارب الآخرين، فما مروا به ليس بالضرورة أن يعبرنا نحن أيضًا، وما عاشوه ليس من المؤكد أن نعيشه، لأن الأحداث تختلف، ووقْعُها يختلف وحتى ردود الأفعال ستكون متباينة، ولكن وبالرغم من كل هذا الاختلاف والوعي والتقدم الزمني مازالت فئة الأوصياء تتكاثر في مجتمعنا، مازالوا يمارسون آرائهم ومعتقداتهم على من حولهم، يمتهنون التنظير وإن لم يكونوا داخل الحدث، وإن لم يخوضوا التجربة، ولكن الاعتقاد التام بمعرفة كل شيء يجعلهم متصدرين الموقف، يجعلهم متمسكين بأفكارهم التي قد تكون مؤذية في كثير من الأحيان، أتساءل لماذا لا يحتفظون بآرائهم داخل دائرتهم؟ لماذا الإصرار ومحاولات الإقناع البائسة؟ هل هي عادات مجتمعية أم تراكمات مرضية أم أنه الكبرياء الذي لا يقبل المغالطة؟ للأسف في مجتمعنا ينتشر الأوصياء بكثافة فتجد فيهم الذين يُقيِّمون وفقًا لقناعاتهم، وتجد الذين يحددون علاقاتك وفقًا لتجاربهم ومجتمعهم، وتجد الذين يحددون حتى مستقبلك وعملك وتوجهاتك من خلال الذات الوهمية التي يظنون أنها تعرف كل شيء، بل يتجاوزون نجاحات الآخر، ويهِمُّون إلى التقليل من شأنها دون وعي، هم لا يدركون الأبعاد النفسية والفسيولوجية والاجتماعية والتي تكوِّن علامات فارقة بين الناس، والحقيقة أننا نعيش معهم في دوامة، فنحن لا نستطيع علاج هذه الفئة من الناس حيث إن التواصل معهم صعبٌ جدًا، والجدال معهم أيضًا صعب، والأسوأ من ذلك أننا في كثير من الأحيان لا نستطيع التخلص منهم بحكم العمل أو القرابة أو حتى الفارق العمري، إضافة إلى وجود الشخصيات الهشة التي يعبثون بقراراتها فيكونوا ضحايا للأوصياء، قرأت منذ زمنٍ بعيد هذه العبارة (أنا لست أنت وأنت لست أنا، فكن أنت، واتركني لأكون أنا) وقفت عندها طويلًا، بالفعل لو اقتنعنا بهذا التباين، وتقبلنا الآخر بفكره وظروفه لتجاوزنا الكثير من العقبات، ونجونا من حفرة حادة، الحوار الهادف والحديث عن التجارب وسيلة للتعلم والحذر وتبادل الخبرات، وليس وسيلة لمصادرة فكر الآخر، أو التقليل من شأنه أو العبث بنجاحه، الحوار الهادف يعلو بنا ولا يستولي على شخصياتنا. لا بد أن يعي الأوصياء بفكرة الاختلاف وأن تطبيق الحلول لا يُلائم الجميع حتى وإن توحدت المشكلة بل قد يكون سببًا لتضاعفها، وقد يكون سببا لتدمير الكثير من العلاقات الإنسانية، فالعيش تحت مظلة آراء الآخرين دمار نفسي واستنزاف شامل لكل الطاقة والمشاعر، جهد عقلي كبير وسقوط قوي في فجوة من التناقضات، الواعي يحاول التجاهل، ويحاول بناء حياته وفقًا لظروفه، يستمع للتعلم وللخبرة، ولتوسعة الإدراك، الواعي يكن هو وليس الآخرين، الواعي يرفض الوصاية.