أنت جعلتنا نتحدث الإنجليزية في البيت ونحن نعيش في فرنسا، لهذه الدرجة أنت أنانية ونحن نضحي من أجلك، تتحدث عن التضحية، ماذا تريد تضحية أكثر من رحيلي من بلدي والعيش معك هنا في جبال فرنسا حيث لا يوجد أحد؟! هذا كان أحد الحوارات الصاخبة في فيلم تشريح سقوط، الفيلم الفرنسي الذي فاز بالسعفة الذهبية من إخراج جاستين تريت وكتبته بالاشتراك مع زوجها آرثر هراري، من بطولة الألمانية ساندرا هولر. ويبدو أن اسم الفيلم يشير إلى أكثر من معنى، المباشر هو تشريح سقوط الزوج من النافذة بغية الوصول إلى معرفة المتسبب فيه، هل هي عملية انتحار أو أن الزوجة هي التي قتلته، والمعنى الآخر الذي تفكر فيه هو سقوط الزواج في كل المشكلات التي نتعرف عليها خلال الفيلم. فيلم بطيء، بدون موسيقى تصويرية، بدون أحداث هائلة، لكنه يخطفك من البداية إلى النهاية، النساء يتعاطفن مع المرأة، بالذات النساء القويات اللاتي يفهمن تماماً عن ماذا تتحدث البطلة، والرجال لا يمكن أن يتعاطفوا مع الزوج، الزوج الذي يغار من زوجته ويحملها كل الأخطاء، الخطأ الأكبر هو فشله في تحقيق ما استطاعت زوجته الوصول إليه. يصبح البديل عن الاعتراف بتقصيره ومواجهة الذات، اللجوء إلى الطريقة الأسهل، لوم الآخر. على الرغم من أن البطلة تتعرض للمحاكمة وتقف في المحكمة حيث يتم تشريح حياتها والبحث عن أي شيء يمكن أن يدينها، لكن صلابتها، وطريقة أداء هولر للدور، حيث تشعر بحزنها والحيرة في البحث عن مخرج، لكن بدون ضعف، تبقى متماسكة، حتى حين يحاول الادعاء دفعها للشعور بالخجل تجاه مواقف قامت بها أثناء علاقتها بزوجها، لا تخجل، تشرح للمحكمة ما لا يمكن فهمه في علاقة زوجية، أو تحاول. بالإضافة طبعاً إلى طريقة توجيه الكاميرا كي تبدو الشخصية قوية وواثقة ومسيطرة. ما يزيد في درامية الفيلم وجود الابن الذي فقد بصره في سن الرابعة والذي بقي الأب يشعر بالذنب تجاهه لأنه نسي إحضاره في الوقت وأرسل شخصاً بدلاً عنه، لكن، هل الاتكاء على هذا الشعور هو الذي منحه التبرير المناسب ليكون متردداً لا يستطيع إنهاء أي مشروع في حياته، سواء إنهاء كتاب أو ترميم منزل. هذا الفيلم تشريح لعلاقة زوجية، قد تبدو من الخارج ناجحة ومذهلة، كاتبة رائعة وناجحة، وزوج محب ومخلص نجح في تعليم ابنه الاعتماد على نفسه بالرغم من الإعاقة، وشاليه جميل في ألب فرنسا، حتى يحدث الموت، وتتكشف كل المعاناة التي كان يعانيها الزوجان من الداخل. فيلم جميل، يستحق المشاهدة.