مرت أيام وليالٍ على ذلك النهائي الكبير بكل معطياته: كبير باسمه وعنوانه فهو نهائي أغلى الكؤوس، كأس خادم الحرمين الشريفين، كبير بحضور وتشريف سمو سيدي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ألم تروا ماذا حدث؟ ألم تروا كيف استقبلت الجماهير حضوره وإطلالته؟ وكأن العدسات لم تصنع إلا لتلتقط صورته، ولكأن ذاكرات الجوال لم تصمم إلا لتحتفظ بطلته وابتسامته، لقد كان النهائي كبيراً بحجم الفريقين الواصلين له، الهلال والنصر، فالهلال وصيف العالم وبطل الدوري والسوبر لهذا العام، والنصر ملاحقه ومطارده في جميع المناسبات، تغلب النصر على الهلال في العربية قبل انطلاق الدوري، وكأنه أغضبه واستفزه، فهو وصيفه بالدوري، وقد أخرج الهلال النصر من بطولة السوبر، وحتى في البطولة الودية لموسم الرياض. فمهما كان فارق عدد البطولات كبيراً، إلا أن النصر هذا الموسم كان كبيراً ومدعوماً ومدعماً بنجوم كبار، يتقدمهم أفضل لاعبي العالم كريستيانو رونالدو، كان النهائي كبيراً بالحضور الجماهيري الكبير للفريقين في الجوهرة المشعة بجدة. ما حدث في تلك الليلة من أحداث لم أستطع أن أتجاوزها أو أنساها، يقشعر جلدي كلما تذكرتها أو شاهدت مقطعاً في السوشل ميديا، أتابعه كالطفل وكأني أراها لأول مرة، ذلك السيناريو الذي تعجز أن تتخيله العقول، أو أن تصنعه هوليود، بالله بربكم كم من المرات توقعت أن يفوز فريقك، وبعدها بقليل توقعت أن يفوز فيها خصمك! تقدم فتعادل، ففرص وآهات وصيحات، حتى وصلت المباراة للأشواط الإضافية ثم احتكموا لضربات الترجيح، والتي لا يفوز فيه دائماً الأفضل، فقد لعبت بالجماهير وهم يشاهدون براعة الحارسين ياسين بونو ووليد عبدالله حتى حسمها بونو بقفازه الذهبية. في تلك الليلة سمعنا وشاهدنا العديد من الإلماحات أو التصريحات لرحيل بعض الشخصيات الإدارية بالنادي، بدءاً من رئيس النادي الأستاذ فهد بن نافل الرئيس الذهبي للنادي قاهر الأرقام والإنجازات، أو رحيل المدير العام بالنادي الأستاذ فهد المفرج، أو رحيل الكابيتانو سلمان الفرج، وغيره من الأسماء، ولعلي ألمح إلى أمر مهم للغاية، فالهلال يتميز بنقطتين مع رحيل الأسماء، الأولى أن الهلال لا يقف على أحد مهما كان تاريخه ودوره وعظمته، ولا يتأثر أبداً، فقد رحلت الأهرامات والقامات وظل الهلال شامخاً، والثانية أن الراحلين لا ينسون الهلال ولا يستطيعون أن يخرجوه من عروقهم وعشقهم، ومع ذلك فنحن نتمنى بقاء كل من ذكرت فلا يزال في جعبتهم الكثير، لكن لعل رغبتهم في رحيلهم وهم بأجمل صورة هو المحرك الرئيس في قرار الرحيل، فهم لا يرغبون بالرحيل مع الإخفاق ويفضلونه مع الكمال، فشكراً لهم. ومن المشاهد التي لم أستطع تجاوزها أيضاً: بكاء كريستيانو رونالدو الذي كان عنوان كل الصحف والقنوات، فالدون ليس لاعباً ناشئاً، وليس لاعباً مغموراً، ولا خالياً من الإنجازات والأرقام، لكن سبب هذه الدموع أن الموضوع ليس قضية مادة سيحصل عليها نظير تعاقد أو انتقال، بل القضية أكبر من ذلك، فالدون حصل على هداف دوري روشن وهو أعلى رقم يستطيع تحقيقه على مستوى اللاعبين بالدوري، لكن ما حصل أنه لم يستطع أن يقود فريقه للبطولة التي كانت ستجبر كسور الموسم، فلعل الدون لم يع الدرس بعد، "إنك لن تستطيع عمل كل شيء لوحدك إذا لم يسعفك الفريق". ختاماً لاحظ الجميع تشريف سمو سيدي ولي العهد قبل أن تبدأ المباراة، جاء سموه ليشاهد ويطلع على ما غرسه في واحد من مئات الملفات والمجالات التي شملتها رعايته واهتمامه الرياضة، صحيح أن الرياضة لا تحصر على كرة القدم، لكنها أبرز عناوينه، وإلا فالتفوق الرياضي السعودي أصبح بصمة وحضوراً، إن ما زرعه سموكم من دعم تاريخي للأندية، ومن تحقيق لحلم الملايين من رؤية نجوم عالميين كنا نراهم خلف الشاشات أو على صور الجرائد والمجلات، أصبحوا اليوم في السعودية، يشاركون ويتعايشون بل يبكون من أجل فرقهم، فشكراً سمو سيدي هذا البذل والعطاء والنماء. سعود الضحوك