من الرائع الاحتفال بالإنجازات، فهو تقدير لقمة النجاح وشعور بلذة الفوز، ومن ذلك الاحتفال بإكمال مرحلة دراسية، والحصول على الشهادة، غير أن التوسع في ذلك يفقد الاحتفال أهميته! ويُروث استسهال الإنجاز، ومنه ما يحدث اليوم في حفلات التخرج المدرسية! في السابق كان الاحتفال بالتخرّج يقتصر على خريجي المرحلة الثانوية، قبيل حصولهم على الشهادة الثانوية، وهي أعلى درجات التعليم العام، وخطوة مفصلية نحو الدخول إلى سوق العمل أو استكمال الدراسة الجامعية، ناهيك عن خريجي البكالوريوس، الذين يحق لهم ذلك، فقد أنهوا ما لا يقل عن أربع سنوات وأكثر في تخصصهم العلمي، واستطاعوا تحقيق إنجاز معتبر. خلال الأعوام الماضية توسّعت حفلات تخرج طلاب التعليم العام من الشهادة الثانوية، إلى الشهادة المتوسطة، ثم الشهادة الابتدائية، حتى توسعت نحو خريجي "رياض الأطفال" قبل الابتدائية! ثم اتسعت نحو تخريج طلاب كل الصفوف الدراسية، من الأول الابتدائي حتى الثالث الثانوي! ما يتبع ذلك من مصاريف تثقل كاهل الأهل، من رسوم المشاركة ووشاح الاحتفال، والأهم تضييع وقت الطلاب بالاستعداد، وإنهاك المعلمين والمشرفين في ترتيب الحفل وتدريب الطلاب، ناهيك عن الأهم، وهو ترسيخ رسالة خاطئة عن حجم الإنجاز. والأسوأ من ذلك أن طول العام الدراسي بفصوله الثلاثة، أدى إلى إفساح المجال لمثل هذه الممارسات وتوسعها، التي تهدف في المدراس الخاصة إلى تبرير رسومها الدراسية المرتفعة، وهذا أدى -أيضاً- إلى فقدان الهدف التربوي في بعض حفلات التخرّج، من خلال إضافة وابتكار فقرات حفل لا علاقة لها بالمنهج التربوي، بل مجرد لفت النظر نحو الحفل والمدرسة من فقرات أو تجهيزات، دون التفكير بأثره التربوي السلبي على الخريجين وجمهور الحضور. ناهيك عن غياب ضوابط حفلات التخرج من وزارة التعليم، والمحاباة التي تحدث لاختيار من يلقي كلمة أو كلمات الخريجين! أو طلب رسوم مرتفعة من الأهالي لمشاركة أبنائهم، وإجبارهم على شراء مشلح وقبعة محددة، قد لا يستطع البعض توفيرها لأبنائهم! الشيء الآخر الذي لم أفهمه، كيف يحتفل الطلاب بنجاحهم وهم لم ينجحوا في امتحاناتهم! وكأن النجاح مضمون تماماً، وهو ما يبدو أنه يحدث مؤخراً، فلم نعد نعرف أحد سقط في مادة أو أعاد عاماً دراسياً! وهي رسالة تربوية لا اعتقد أن التربويين يوافقون عليها! أتفهم أن الجامعات تنظم حفلات تخرج للمتوقع تخرجهم، ذلك أنهم على وشك إكمال ساعات التخرج، ضمن ضوابط محددة لعدد الساعات، أما طلاب التعليم العام فهم مطالبون بالنجاح في كافة موادهم وليس أغلبها! لذا كيف يذاكر الطالب لاختباره وهو قد احتفل في مدرسته بالنجاح والتخرج! الاحتفال بالإنجاز ليس مهماً فقط؛ بل ضروري للاستمرار في رحلة التقدم إلى الأمام، لكنه من الضروري أن يكون احتفالاً بإنجازٍ معتبر يستحق الاحتفال، وليس مجرد احتفال يسرق الفرحة والأضواء من احتفال الإنجاز الحقيقي!