بالرغم من كل التحديات، وخاصة سنوات ما بعد الجائحة، ومع تسليم الشركات العالمية بأن قطاع الرفاهية لا يمكن أن يبقى في نمو دائم من خانتين، إلا أن سوق السلع الفاخرة العالمية قفز بنحو 366.2 مليار دولار في عام 2023، ومن المتوقع أن يواصل القطاع مكاسبه في العام الجاري محققاً 390.1 مليار دولار، وذلك بفضل نمو السوق بمعدل سنوي مركب 6.8 % حتى نهاية العقد الحالي، وهذا يعني أن الإيرادات مرشحة للوصول إلى 579.2 مليار دولار في عام 2030، حيث تستفيد السوق بشكل عام وفي كافة المناطق حول العالم من ارتفاع الدخل المتاح، وتنامي الثروات، لا سيما في الأسواق الناشئة مثل الصينوالهند، بينما يعزز المستهلكون الشباب طلبيات سوق المنتجات الفاخرة، متأثرين بوسائل التواصل الاجتماعي والتسويق المؤثر الذي يظهر هذه المنتجات بشكل مبهر وجذاب في عيون عشاقها. ويؤدي التسويق المؤثر عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى دفع نمو السوق، حيث أصبح التسويق المؤثر أداة قوية للعلامات التجارية الفاخرة للوصول إلى جمهور أوسع والتواصل مع المستهلكين من فئة الشباب خاصة، في الوقت نفسه، يساعد التعاون مع الشخصيات المؤثرة والمشاهير على خلق ضجة حول العلامات التجارية الفاخرة، وعلى سبيل المثال، في يوليو 2023، تعاونت شركة جيفنشي، وهي علامة تجارية فرنسية فاخرة، لإنتاج الملابس، والاكسسوارات، والعطور ومستحضرات التجميل، مع المؤثر الصيني الشهير تاو ليانج، للترويج لنسخة حصرية من حقيبة فويو الشهيرة، وقد تم إصدار الحقيبة الخاصة فقط في الصين من خلال متجر We Chat. يقود التحول الملحوظ نحو الرفاهية سوق المنتجات الفاخرة، مستفيداً من تغير تفضيلات المستهلكين، خاصة بين المستهلكين الشباب من جيل الألفية، الذين يقدرون التجارب على الممتلكات المادية، ونتيجة لذلك، تعمل العلامات التجارية الفاخرة على تكييف استراتيجياتها لتلبية هذا الاتجاه من خلال التركيز على خلق تجارب مشوقة مثل المعارض والأحداث الحصرية التي تستضيف كبار المشاهير، وعلى سبيل المثال، في أبريل 2023، قامت شركة ساكس فيفث أفينيو، وهي سلسلة متاجر أمريكية فاخرة مقرها الرئيسي في مدينة نيويورك وأسسها أندرو ساكس، بتوسيع برنامجها الحصري لدعوة كبار العملاء فقط، حيث يقدم البرنامج للأعضاء خدمات ومزايا خاصة للوصول إلى الأزياء الفاخرة والبضائع الفريدة مننوعها ومشاركة التجارب الحصرية. نمو السفر الدولي والسياحة يساهم نمو السفر الدولي والسياحة بشكل كبير في ازدهار السوق، حيث اعتاد السياح على شراء السلع الفاخرة كتذكارات أو هدايا أثناء سفرهم إلى الخارج، مما يؤدي إلى زيادة مبيعات العلامات التجارية الفاخرة التي تتمتع بحضور قوي في الوجهات السياحية الرئيسية، وعلاوة على ذلك، أصبحت تجارة التجزئة في مجال السفر، بما في ذلك المتاجر المعفاة من الرسوم الجمركية في المطارات، قناة مهمة لمبيعات المنتجات الفاخرة، والتي تلبي احتياجات المسافرين الأثرياء الباحثين عن منتجات متميزة، وعلى سبيل المثال، في يناير 2024، افتتحت شركة طيران ريانتا الأيرلندية،العاملة في إدارة تجارة التجزئة بالمطارات، متجرًا جديدًا للأزياء والإكسسوارات الفاخرة في مطار لشبونة. غيرت الثورة الرقمية الطريقة التي يتفاعل بها المستهلكون مع العلامات التجارية الفاخرة، حيث أصبحت منصات التجارة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي والتسويق الرقمي أدوات أساسية للوصول إلى جمهور عالمي والتفاعل مع العملاء المختلفين، ولهذا، تستثمر العلامات التجارية الفاخرة بكثافة في تواجدها عبر الإنترنت لتعزيز تجربة العملاء وزيادة المبيعات، في الوقت نفسه، يتبنى سوق المنتجات الفاخرة الابتكار بشكل متزايد لتلبية الأذواق والتفضيلات المتطورة للمستهلكين، وخاصة جيل الشباب، ويشمل ذلك اعتماد أحدث التقنيات مثل الواقع الافتراضي، وخلق تجارب فريدة وشخصية لدى جمهور أوسع من المستهلكين، واعتماد ممارسات مستدامة. يتميز سوق السلع الفاخرة العالمية بمستوى منخفض إلى متوسط من عمليات الاندماج والاستحواذ، حيث تستهدف الشركات إقامة شراكات استراتيجية، لتعزيز محافظ منتجاتها وتوسيع تواجدها في السوق العالمية، والاستفادة من نقاط القوة لدى بعضها البعض، علاوة على ذلك، أدت الطبيعة التنافسية للسوق إلى زيادة تشجيع اللاعبين على استكشاف أوجه التعاون، مما يدعم صفقات الاندماج والاستحواذ للحصول على ميزة تنافسية أكبر، وعلى سبيل المثال، استحوذت المجموعة الفرنسية "إل في إم إتش"، والتي تعتبر الأولى في العالم في قطاع الملابس الفاخرة، على شركة تيفاني آند كو الأميركية، وهي واحدة من أشهر دور التصميم الفاخرة في العالم والمعروفة عالميًا بتصميمها المبتكر للساعات والمجوهرات. يخضع سوق السلع الفاخرة لتدقيق تنظيمي كبير بسبب عوامل مختلفة مثل تزوير العلامات التجارية، وحماية الملكية الفكرية، ومخاوف الاستدامة، وحماية المستهلك، وتقوم الهيئات التنظيمية في جميع أنحاء العالم بمراقبة صناعة السلع الفاخرة عن كثب لضمان الامتثال للقوانين واللوائح التي تحكم إنتاج المنتجات الفاخرة وتوزيعها وتسويقها، وفي ولايات قضائية مختلفة مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدةوالصين واليابان، توجد وكالات حكومية متميزة مثل مكتب الاتحاد الأوروبي للملكية الفكرية، ولجنة التجارة الفيدرالية، ولجنة سلامة المنتجات الاستهلاكية، وهيئة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية المسؤولة عن الحفاظ على سوق جيدة التنظيم مع منافسة عادلة وتدابير حماية المستهلك المصممة خصيصًا للإطار التنظيمي لكل دولة. استحوذ قطاع الملابس على حصة قدرها 25.9 % من الإيرادات العالمية في عام 2023، ويمكن أن تُعزى هذه الحصة الكبيرة إلى عوامل مثل ابتكار المنتجات والحصرية، واتجاهات الموضة المتطورة، والمبادرات التسويقية الجذابة، وعلى سبيل المثال، في يناير 2024، قدمت شركة دار الأزياء والسلع الفاخرة الفرنسية "لوي فيتون" سلسلة من المتاجر المؤقتة والأنشطة لعرض مجموعة ربيع وصيف 2024 للرجال في مدن مختلفة مثل باريس وسيول وميامي ولندن ولوس أنجلوس ومدينة نيويورك، وعلاوة على ذلك، أسهمت رقمنة صناعة الأزياء بشكل كبير في نمو الملابس الفاخرة، ومع ظهور منصات التجارة الإلكترونية، أصبحت العلامات التجارية الفاخرة متاحة لجمهور أوسع على مستوى العالم. من المتوقع أن ينمو قطاع حقائب اليد بمعدل سنوي مركب 7.6% من عام 2024 إلى عام 2030، وقد تطورت حقائب اليد الفاخرة والمتميزة إلى ما هو أبعد من دورها النفعي، وتحولت إلى رموز للمكانة والأسلوب الشخصي، وذلك بفضل القوة الشرائية المتنامية للمستهلكين، لا سيما في الاقتصادات الناشئة، بالإضافة إلى ميول الشراء الطموحة، التيتعمل على تعزيز الرغبة في شراء حقائب اليد الراقية، وإلى جانب العلامات التجارية الفاخرة الراسخة، يدخل المصممون الناشئون واللاعبون المتخصصون إلى السوق، ويقدمون تصميمات وحرفية مميزة، والتي تلبي احتياجات المستهلكين الذين يبحثون عن التفرد، مما يثري تنوع سوق حقائب اليد الفاخرة. في المقابل، من المرجح نمو قطاع العطور ومستحضرات التجميل بمعدل سنوي مركب 6.4 % حتى عام 2030، بفضل التغيرات في تفضيلات المستهلكين، والتأثير المتزايد لوسائل التواصل الاجتماعي، وتأثير مستهلكي جيل الألفية القوي في مبيعات العطور ومستحضرات التجميل الفاخرة، وعموماً، فإن 70 % من جمهور المنتجات الفاخرة هم تحت سن 35 عاماً، وهذا الجيل معروف بتقديره القوي للمنتجات التجريبية والشخصية، مما يجعل العلامات التجارية في سوق التجميل الفاخرة تقدم منتجات قابلة للتخصيص أو تجارب تسوق غامرة، علاوة على ذلك، مكنت عولمة الأسواق العلامات التجارية للعطور ومستحضرات التجميل الفاخرة من الوصول إلى جمهور أوسع عبر مناطق مختلفة، وعلى سبيل المثال، في يناير 2024، قامت "شانيل "، الشركة الفرنسية الرائدة، بتوسيع تواجدها في الهند من خلال افتتاح متجر جديد للعطور والتجميل في مومباي. نمو قطاع المجوهرات من المتوقع نمو قطاع المجوهرات بمعدل سنوي مركب قدره 7 % حتى عام 2030، بسبب ارتفاع الدخل المتاح، والوجود المتزايد للمشتريات الذاتية من الإناث، والرمزية والأهمية المرتبطة بالمجوهرات الفاخرة، وتفضيل القطع ذات العلامات التجارية الراقية، وقد استحوذ القطاع النسائي على حصة مهيمنة بلغت 60 % من الإيرادات العالمية في 2023، بفضل زيادة الثروة والاستقلال المالي للمرأة على مستوى العالم، وعلى سبيل المثال، ضم تصنيف فوربس لأغنى أثرياء العالم لعام 2023، حوالي 337 سيدة مليارديرة، ارتفاعًا من 327 في عام 2022، وتخلق هذه الثروة المتنامية سوقًا كبيرة للسلع الفاخرة التي تستهدف النساء، وقد أصبحت النساء أكثر وعياً بأسلوبهن ومظهرهن والرغبة في التعبير عن هويتهم الفريدة وشعورهم بالأناقة، في المقابل، يتوقع نمو قطاع الرجال بمعدل سنوي مركب 7.2 % من عام 2024 إلى عام 2030. من جهة أخرى، يتوقع أن يصل حجم سوق السلع الفاخرة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى 141.8 مليار دولارفي عام 2024 وأن ينمو السوق بمعدل سنوي مركب 4 % ليصل إلى 173 مليار دولار بحلول عام2030،أما في أوروبا، فإن الإيرادات المتولدة في سوق السلع الفاخرة من المتوقع أن تتخطى115 مليار دولار في عام 2024، بمعدل نمو سنوي 3.5 %، وتستحوذ الأزياء الفاخرة على الجزء الأكبر من هذا السوق، حيث يبلغ حجم مبيعات الأزياء الفاخرة حالياً 45.3 مليار دولار، وفي السعودية، وصل حجم سوق السلع الفاخرة إلى 9.2 مليارات دولار في عام 2023، وبالنظر إلى المستقبل، فإن السوق في المملكة مرشحة لتحقيق إيرادات بحجم 22.5 مليار دولار بحلول عام 2030، بمعدل نمو سنوي مركب 10 % حتى نهاية العقد الحالي، مستفيدة من فورة النمو الاقتصادي، وارتفاع الدخل، وازدياد أعداد الطبقة المتوسطة في المملكة. ومن المرجح نمو سوق السلع الفاخرة في أمريكا الشمالية بمعدل سنوي مركب 6.6 % خلال السنوات المقبلة، ومن المتوقع أن يصل حجم السوق في أمريكا الشمالية إلى 103 مليار دولار في عام 2024، وأنيصل إلى 145 مليار دولار بحلول عام 2030، وتفخر أمريكا الشمالية بوجود عدد كبير من المستهلكين المهتمين بالموضة والذين يتمتعون بقوة شرائية هائلة، والذين يتابعون بنشاط اتجاهات السوق للإكسسوارات الشخصية مثل الملابس وحقائب اليد والساعات، والمجوهرات، ويلعب المؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي دورًا مهمًا في الترويج للمجموعات الفاخرة وجذب العملاء والتأثير على قرارات الشراء الخاصة بهم، وينجذب المستهلكون الأميركيون إلى السلع الفاخرة بسبب تصميماتها الفريدة ومتانتها وراحتها وجمالياتها، مما يميزها عن إكسسوارات الموضة السريعة، من جهة أخرى، تتمتع أمريكا الشمالية بشبكة قوية من المتاجر ذات العلامات التجارية الفردية والمتعددة في المطارات ومراكز التسوق، مما يوفر للعملاء الأثرياء مجموعة واسعة من خيارات العلامات التجارية الفاخرة. تقرير د. خالد رمضان