تقول آلاء أبو أحمد التي تتلقّى العلاج في مجمّع ناصر الطبي في خان يونس (جنوبي قطاع غزة) الذي أستؤنف العمل فيه مؤخراً إنها تشعر بالارتياح لتمكّنها من استكمال علاجها الطبي بعد طول انقطاع. وبدأت الحياة تعود تدريجياً إلى المجمّع الطبّي الذي حاصرته القوات الإسرائيلية لأسبوع في فبراير الماضي وداهمت أقسامه بعد أن قالت إنّ لديها معلومات استخبارية تفيد بوجود رهائن تحتجزهم حماس فيه. وفي الوقت الذي تتواصل فيه الحرب، تمتلئ بعض ممرات المستشفى بصناديق المعدات الطبية المغلفة بينما تمّ ترتيب الأسرّة وإزالة ركام البلاط الذي تحطم جراء القتال. ويمكن مشاهدة العاملين في منظمة أطباء بلا حدود الذين يظهر شعارهم على السترات التي يرتدونها يعملون إلى جانب الطواقم الطبية المحلية. وتقول «أبو أحمد» «الحمد لله أنّ منظمة أطباء بلا حدود تمكّنت من استئناف عملها في مستشفى ناصر وأنّني عدت لتلقّي العلاج». وتضيف «تحسّنت حالتي، أكملت علاجي، لكنّني أمضيت فترة علاجي تحت الخوف، كنت خائفة من أن يتكرر السيناريو الذي حدث في مستشفى الشفاء»، في إشارة إلى أكبر مستشفى في قطاع غزة والذي دُمّر بالكامل بسبب القتال. وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإنّ 13 مستشفى فقط من أصل 36 مستشفى تعمل جزئياً في قطاع غزة منذ بدأت إسرائيل هجومها على القطاع في أكتوبر. سحبت إسرائيل قواتها من خان يونس في أوائل أبريل بعد أشهر من المعارك العنيفة مع حماس والتي تسبّبت بكارثة إنسانية. وعادت منظمة أطباء بلا حدود إلى مجمع ناصر الذي يعتبر الأهمّ في جنوب القطاع، واستأنفت أنشطتها في منتصف مايو، مع التركيز على جراحة العظام ووحدة الحروق. وعلى أسرّة المستشفى كان أطفال جرحى يرقدون، إحداهم فتاة وجهها محترق ومصابة في يدها ورجلها اليمنى، وفتى ينام على بطنه وقد لفّت ساقه ورجله بضمادات. وفي غرفة ثانية، كان الطاقم الطبي يضمّد يد طفل لم يتجاوز السنتين من عمره وفي غرفة مجاورة طفلة بملابس حمراء تبكي فيما تحاول إحدى الطبيبات تهدئتها. تقول المسؤولة عن الأنشطة الطبية لمنظمة أطباء بلا حدود في غزة أوريلي جودار، إن الإخلاء المتكرّر للمستشفيات أو إغلاقها بسبب القتال أو المنشورات الإسرائيلية التي تأمر سكان غزة بمغادرة المنطقة «تعيق بشكل كبير تقديم الرعاية الطبية للسكان الفلسطينيين». وتستعدّ منظمة أطباء بلا حدود-فرنسا لإطلاق وحدات العناية المركزة للأمهات والأطفال حديثي الولادة. وتضيف جودار «إن عملية الإخلاء أو استئناف العمل أمر صعب... بالنسبة للمرضى، لأنه يتعيّن عليهم أن يعرفوا أين يجدوننا، وعليهم أن يعرفوا ما الخدمات، وما الرعاية المتاحة وفي أيّ مكان». وتؤكد «الأمر صعب بالنسبة لنا، لأنه بحاجة لنقل وإعادة ترتيب كل المعدات والأدوية والآلات وأحيانا إصلاحها». وكانت منظمة الصحة العالمية قالت الجمعة إنها لم تتلقّ أيّ معدات طبية في غزة منذ 6 مايو أي عشية الهجوم الإسرائيلي على رفح والذي أدى إلى إغلاق المعبر الرئيس الذي يستخدم لإدخال المساعدات إلى قطاع غزة. وبحسب المنظمات الأممية وتلك غير الربحية فإنه ومنذ ذلك الحين لم تدخل أي مساعدات إلى القطاع. وفي بداية الحرب وبعد الهجوم الذي نفذته حركة حماس على الأراضي الإسرائيلية في السابع من أكتوبر، قطعت إسرائيل الكهرباء عن القطاع، واليوم تخشى المنظمات الدولية من أن ينفد بالكامل الوقود اللازم لتشغيل المولدات. ويشهد قطاع غزة مغادرة المزيد من السكان عبر معبر رفح الحدودي مع مصر لكنّ سفرهم لم يعد متاحاً منذ سيطرت إسرائيل على المعبر. وقال منسق الشؤون الإنسانية لدى الأممالمتحدة مارتن غريفيث، إن تضييق الخناق على المساعدات التي تصل إلى غزة ينذر بعواقب «مروعة»، محذراً من مجاعة في القطاع المحاصر. وقال غريفيث في مقابلة مع وكالة فرانس برس في العاصمة القطرية الدوحة إنه «إذا نضب الوقود، ولم تصل المساعدات إلى الأشخاص الذين يحتاجون إليها، فإن تلك المجاعة التي تحدثنا عنها لفترة طويلة والتي تلوح في الأفق، لن تلوح في الأفق بعد الآن. ستكون موجودة». وأردف مسؤول عمليات الإغاثة الأممية لفرانس برس على هامش اجتماعاته مع مسؤولين قطريين «أعتقد أن ما يقلقنا كمواطنين في المجتمع الدولي هو أن العواقب ستكون صعبة للغاية. صعبة ومروعة». وتؤكد منظمات الإغاثة أن التوغل الإسرائيلي في رفح الذي بدأ رغم المعارضة الدولية الواسعة وبينما كان الوسطاء يأملون في تحقيق انفراجة في محادثات الهدنة المتوقفة، قد أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية الحادة. قال غريفيث إن نحو 50 شاحنة مساعدات يمكن أن تصل يومياً إلى المناطق الأكثر تضرراً في شمال غزة عبر معبر إيريز، لكن المعارك القريبة من معبري رفح وكرم أبو سالم في جنوبغزة تعني أن الطرق الحيوية «مغلقة فعلياً». وأضاف المسؤول الأممي «لذا فإن المساعدات التي تصل عبر الطرق البرية إلى الجنوب وإلى رفح والنازحين منها تكاد تكون معدومة». من جهته أكد المفوض العام لوكالة الأممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أن 800 ألف شخص «أجبروا على الفرار» من رفح في أقصى جنوب قطاع غزة منذ بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية في المدينة الشهر الحالي. ومع نفاد الوقود والغذاء والدواء، قال غريفيث إن العمل العسكري في رفح هو «بالضبط ما كنا نخشى أن يكون عليه». وأضاف «لقد قلنا جميعاً بوضوح شديد إن عملية رفح هي كارثة من الناحية الإنسانية، كارثة للأشخاص الذين نزحوا بالفعل إلى رفح. وهذا هو الآن نزوحهم الرابع أو الخامس». ومع إغلاق المعابر البرية الرئيسة، بدأت بعض إمدادات الإغاثة تتدفق هذا الأسبوع عبر ميناء عائم مؤقت أنشأته الولاياتالمتحدة. وقال غريفيث إن العملية البحرية «بدأت في جلب بعض الشاحنات المحملة بالمساعدات» لكنه حذر من أنها «ليست بديلاً للطرق البرية».