كان رجل الأعمال الياباني تاكافومي هوري مضرب المثل في اليابان بنجاحه في أعماله الريادية وشركاته الناشئة في مجال تقنية المعلومات وخاصة شركة لايف دور. ورغم أن الرجل كان يسجل نجاحات كبيرة ويحقق أرباحاً قياسية إلا أنه وبين عشية وضحاها تم القبض عليه وإيداعه في السجن والحكم عليه بالحبس لمدة سنتين ونصف. وبعد التحقيق تبين أن السبب كان التلاعب بالأرقام في القوائم المالية. ولكن لماذا اضطر هذا الرجل الناجح للتلاعب وتزوير الأرقام؟ حسب اعترافات فريقه فقد كان تاكافومي شديد الغيرة من رجل أعمال آخر منافس له يدعى هيروشي ميكيتاني والذي يقود شركة راكوتين. كان كل هم تاكافومي أن يكون الأداء المالي لشركاته أفضل من ميكيتاني. وبدل التركيز على النجاحات الحقيقية اتجه إلى الدرب الخطأ في تزوير التقارير والتلاعب بالأرقام والذي كانت نهايته وخيمة عليه. ما حصل مع تاكافومي ذكرتني بقصة في العهد الأموي، حيث يروى أن الخليفة هشام بن عبدالملك قال للأعمش :"اكتب لي مساوئ "عثمان بن عفان" ومناقب علي بن أبي طالب". فكان رد الأعمش بأن كتب إليه: «بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعد، فلو كان لعثمان مساوئ أهل الأرض ما ضرتك.. ولو كان لعليّ مناقب أهل الأرض ما نفعتك. فعليك بخويصة نفسك، فإياك أن يكون شغلك الشاغل عيوب فلان وسقطاته وزلاته، فإنك لا تحاسب عليها، وحسنات الناس لأنفسهم لا لك. فأشغل نفسك بإصلاح عيوبك، والتوبة من سيئاتك، وزيادة حسناتك فهى الباقية فى كتابك ، فعلامة خسران العبد إنشغاله بعيوب الناس". الشاهد من قصة تاكافومي وقصة الأعمش هي خطورة الانشغال بالآخرين والاهتمام بأمورهم عن إصلاح النفس وإنجاز المسؤوليات التي بين يدي الإنسان. بكلمة أخرى فالمدير أو المسؤول الذي يمد عينيه ويحشر أنفه في كل صغيرة وكبيرة مصيبة على أي منظمة. فهو من ناحية لن يتمكن من التركيز على أعماله، ومن ناحية أخرى سينشغل بأمور مرؤوسيه وزملائه ومدرائه ومقارنة نفسه بهم والسعي في كثير من الأحيان إلى حربهم وتعطيل أعمالهم ليكون هو الناجح الوحيد في المنظومة. والأدهى والأمر عندما يقود المنظومة كلها إلى الهاوية بسبب مد العيون والغيرة والحسد كما حصل مع تاكافومي. حسنا، ماهو المطلوب؟ يجيب سيمون سينيك في قصته عندما ركب السيارة مع أحد التنفيذيين من شركة آبل وقال لهم إن منافسيكم أعلنوا عن منتج جديد سوف يكتسح الأسواق.فما كان جواب ذلك التنفيذي إلا أن قال:"حقاً! أتمنى لهم التوفيق"، ولم يتحدث عنهم بشيء وراح يتحدث عن خطط شركته المستقبلية. في الواقع، الإنسان الناجح والمنظمات الناجحة تركز على تطوير نفسها وتخوض تحدياتها الخاصة لتحقيق أحلامها وأهدافها السامية بعيداً عن لعبة المقارنات والمنافسات. لا بأس من الاطلاع على تجارب الغير بهدف التعلم والاستفادة وليس للتألم والحسد والغل الزيادة. باختصار، القائد الناجح لا يمد عينيه ليحسد غيره، بل يمتلك رؤيته ليعمّ خيره، فهو لا ينشغل بتدمير الآخرين لينجح وحده، بل همّه هو تمكين الآخرين لينجحوا معاً نجاحاً فريداً يضرب به المثل وليكون تحديهم القادم هو كيف يتفوقون على أنفسهم في كل مرة!