كانت الإبلُ العربية أهمَّ وسيلةٍ للتنقل والارتحال سواء للتجارة أو السفر أو التبضُّع ونقلِ المؤن والأمتعة، وهو ما أكسبها أهميةً قصوى لدى الإنسان العربي حتى صارت أداةً لنقل رسائل الأمراء والشعراء ليضعوها موضع الوسيلة وينتدبوا الرسل على ظهورها من أقاصي الديار إلى أقاصيها الأخرى، وهنا كان لابد أن يستأنس بها العرب ويتحدثوا عنها في آدابهم ويتغنوا بها في أشعارهم لتحلّ في نواصي القصائد، فتجد أغلب مطالع القصائد لدى البادية آنذاك "يا راكبٍ من عندنا" أو "قم يا نديبي"، ويتذكر محبو الشعر الشعبي قصيدة الفارس فراج بن ريفة التي تتردد على الألسنة ومنها: يا الله وانا طالبك حمراءً هوى بالي حمراءً من الجيش طفاح جنايبها لا روح الجيش حادية أشهب اللالي ليهي تروح وسيع صدر راكبها اللي على كورها واللي بالحبالي واللي على عيزها واللي بغاربها في حين يقول الشيخ محمد بن هادي بن قرملة في إحدى قصائده: يا راكبٍ من عندنا فوق هجهوج سواج مواج بعيد معشاه ما فوقه إلا الكور والنطع وخروج وسفيفتين فوق وركيه تزهاه والهجهوج هو البعير الذي يطوي المسافات بسرعة فائقة وفي هذه الأبيات يصفه بقوله: "بعيد معشاه" أي أنه ينطلق منذ الصبيحة وهو وقت مضحى الإبل ليكون معشاه مساءً في ديارٍ أخرى بعيدةٍ من مكان انطلاقه، ولا يكون عليه إلا الكور حيث يجلس الراكب والخروج التي فيها عتاده والسفائف على جنبيه للزينة وهذا دليل خِفّته مما يساعده على العدو بسرعته القصوى. وكذلك بالنسبة للشاعر مجري بن ذيبان المشهور بالكرم والشجاعة وأبياته الشعرية الكثيرة التي يتطرق فيها إلى الإبل، ومنها هذا البيت: يا راكبٍ حمراءً من الموجفاتي ما شيف نضاخ الدبر في وبرها ويقول الشاعر معاش بن حجران: يا راكب اللي ما يعوق مسيره من ساس عيرات أهمام اخفافي وهو ينسب البعير الذي انتدبه إلى إبلٍ مشهورة بالسرعة، و"العيرات" أحد أسماء الإبل، و"همام خفافي" أي ذات همه وخفة مما ينعكس في قدرتها على السرعة. ويصف الشاعر محمد الفهيد سير ناقته وهي تطوي الأرض قائلاً: يا راكبٍ من عندنا فوق مطواع يشبه لدلو مع شفا البير زلي ما قلبوا خفة بسيرٍ ومرقاع يشدا لدانوقٍ بموجٍ مولي ويقول الشيخ راكان بن حثلين في قصيدته المشهورة: خله وقم يا نديبي فوق مرقالي هو منوة اللي يبي داره وحيانه أشقر موزّا طويل الباع شملالي حدر العقيلي سنامه حشو بدانه وقد جرت العادة أن ينتدب الشاعر شخصاً على بعير أو مطية في بداية القصيدة حتى وإن لم يحدث ذلك على وجه الحقيقة، ولكنها مخرجات تلك الحقبة الزمنية وما باحت به صدورهم وأنتجته خيالاتهم وأفكارهم وهذه سياقات يتخذها الشعراء كما كان الوقوف على الأطلال ديدناً لشعراء ما قبل الإسلام وصدر الإسلام ولو لم يقف الشاعر على الطلل.