إن الأسرة قلب المجتمع وجوهره وأساس صلاحه، إن فسد هذا القلب فسد المجتمع وإن صلح صلح المجتمع. ولا شك أن دورها عبر التاريخ يؤكد على حقيقة مفادها أن لها دوراً استراتيجياً في الحفاظ على القيم الإنسانية والأخلاق النبيلة، بل وتحافظ على أمن المجتمعات واستقرارها. وفي هذا السياق أتت مشاركتنا في مؤتمر الدوحة الخامس العشر لحوار الأديان بعنوان: (الأديان وتربية النشء في ظل المتغيرات الأسرية المعاصرة)، والذي جاء تحت شعار: «التكامل الأسري دين وقيم وتربية»، الذي عقد يومي السابع والثامن من شهر مايو في العاصمة القطرية الدوحة، والذي شاركنا فيه بدعوة كريمة من مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان وبالتعاون مع وزارة الخارجية القطرية. وقد ركز محوره الأول على الأديان وهوية المنظومة الأسرية. أما المحور الثاني، فقد سلط الضوء على الدور المركزي للأسرة في التنشئة والتربية، فضلا عن قضايا الأسرة المعاصرة في المحور الثالث. وكان الختام عن تأثير النزاعات المسلحة على استقرار الأسرة. ولا شك أن موضوع المؤتمر ذو أهمية كبيرة خصوصا في ظل تراجع القيم الأخلاقية ليس في مجتمعاتنا الإسلامية فحسب، بل أصبحت ظاهرة مخيفة تعاني منها كل المجتمعات عبر مختلف أقطار العالم والتي تحتاج إلى وقفات وجهود مشتركة لإعادة بناء بيئة اجتماعية صحية أساسها القيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية للحفاظ على المجتمعات الإنسانية وعلى استمرار وجودها. * مكانة الأسرة وأهميتها شكلت الأسرة محور اهتمام الشرائع السماوية التي عملت على وضع دعائم وأسس متينة لتعزيز مفهوم الأسرة باعتبارها نواة المجتمع الأولى، فتجد الإسلام قد ركز على كل صغيرة وكبيرة، فنهى عن العلاقات ما قبل الزواج لما لها من تداعيات خطيرة على النسل وعلى الترابط الاجتماعي {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}. كما رغَّب في الزواج في قوله تعالى: {مِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون}. واهتم باختيار الزوجة والزوج وجعل أسس الاختيار قائمة على التربية والدين، فقال نبينا الأكرم (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار) متوجهاً إلى الرجال: «تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأرْبَعٍ: لِمالِها ولِحَسَبِها وجَمالِها ولِدِينِها، فاظْفَرْ بذاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَداكَ». ونصح المرأة المقبلة على الزواج على قبول الرَّجل ذي الخُلق والدِّين: «إذا جاءكُم من ترضونَ دينَهُ وخلُقهُ فأنْكحوهُ، إلا تفعلوا تكن فِتنةٌ في الأرض وفسادٌ»، كما اهتم الإسلام بحقوق وواجبات الزوجين والأولاد مبينا سبل التربية الصحيحة والسليمة التي تضمن استمرار وظيفتها المقدسة في الحفاظ على أمن المجتمعات واستقرارها. o دور الأسرة في تربية النشء في ظل التحديات المعاصرة بالنظر إلى المصادر الدينية المختلفة نجد أن الشريعة الإسلامية وجميع الشرائع السماوية حرصت على الحفاظ على الأسرة كصمام أمان لمجتمع مستمر يتمتع بقدرات فعالة في المجتمع، فاستقرار الأسرة ينعكس إيجاباً على أفرادها من جهة وينعكس على المجتمع بأكمله من جهة أخرى، فالأسرة هي الحاضنة الأولى التي تقوم بدور تربوي وتعليمي قبل المؤسسات التربوية الأخرى، فمن المهم أن يكون عمودا البيت وهما الأب والأم على ثقافة كبيرة ووعي عميق بالوسائل التربوية، وأهمية زرع ثقافة الانفتاح على ثقافات العالم وتقبل الآخر مهما كانت انتماءاته في إطار القيم الإنسانية المشتركة. ولا شك أن العودة إلى الأديان والتمسك بها هو سفينة النجاة للمجتمعات الإنسانية التي تواجه تحديات خطيرة بسبب غياب مفهوم الأسرة وتغييب دورها نتيجة تفكك نسيجها الداخلي جراء الطلاق والآفات الاجتماعية، إضافة إلى التهديدات الخارجية من غزو فكري وحروب ونزاعات مسلحة. ومن هنا تأتي أهمية مؤتمر الدوحة وضرورة العمل وفق توصياته ومخرجاته، بل ونأمل أن يكون فيه المنفعة ويؤخذ بمقرراته لتحقيق تنمية المجتمعات ونهضتها والحفاظ على أمنها وسلامها.