لم يكن الورد الطائفي يومًا لفظًا عاديًا بل هو ثقافة وإرث وتاريخ، هو هوية لمدينة الفن والجمال التي ارتبط بها ارتباطًا أزليًا منذ أن عانق أرضها، وارتوى من غيثها وتشبَّع بشغف مُزارعيها، ينمو الورد الطائفي ليزيد من صبا تلك المدينة، ليحاكي قصائدها وكتَّابها وشوارعها العتيقة، ليعانق مصابيحها وطرقاتها وعشاقها، ليشارك طارق عبدالحكيم في تفاصيله حين غنى للطائف: (حبيبي في روابي شهار.. وادي وج.. والمثناة)، فمن بين خشونة الجبال تزهر تلك المزارع ويفوح عبقها الآسر، وتملأ الأرض بهجةً حين يتمايل الورد على أغصانها، والحقيقة أن الوصول إلى مرحلة الإزهار لم يكن سهلًا بل جاء بعد رحلةٍ طويلةٍ من الزراعة والعناية والصبر بَذلها أصدقاءُ الأرض ورفقاء الورد ليعانقوا في نهاية المطاف ذلك العطر الأخاذ، فبعد أشهرٍ من الانتظار تزينت الطائف بوشاحٍ وردي حيث أشرق موسم الحصاد، وتوافدت الأعياد، وفُتحت أبواب المزارع والمصانع لنا لنشاركهم لذة الوصول، تبدأ رحلة القطاف الساحرة في ساعات الصبح الأولى وقبل شروق الشمس حفاظًا على تركيز الزيت العطري من التطاير، يلتقي المزارعين بأصوات العصافير ونسمات الفجر الباردة ويبدؤون في جمع المحصول الأنيق برقة ولطف وعناية، تعج المزارع بالعاملين والسُّياح الذين يحرصون على مشاهدة لحظات القطاف وتوثيقها واستنشاق ذاك العبق النادر، تدور في أذهانهم تلك النغمات الطلالية فيرددون: (وردك يا زارع الورد فتح ومال عالعود.. وردك جميل محلاه فتح على غصنه)، بعد صباحٍ مختلف امتلأت فيه الأكياس بالشذا يواصل الورد الطائفي رحلته العطرة من المزارع إلى المصانع المجهزة بعناية، فيتم وزنه وطبخه في قدورٍ خاصة محكمة الإغلاق يتم توصيلها بالأواني الزجاجية حيث تبدأ بعدها مرحلة التقطير، واستخلاص الدهن الذي يطفو في الأعلى أولًا، واستخلاص ماء الورد أيضًا، لتتطور الحكاية ويدخل الورد الطائفي في صناعة الكثير من المستحضرات العطرية والكريمات والصابون، ويدخل في الكثير من الأطعمة، ويجوب الدنيا بهويةٍ سعودية عظيمة، ويستقطب الجميع من أقطار العالم ليشاركوا في هذا الحدث الذي يحكي عن الهوى والهوية، يحكي عن الأرض والشغف والمدن الحنونة، صِدقًا الوجود في موسم الورد الطائفي يعني رحلة ساحرة إلى الطبيعة، يعني اكتناز الكثير من التفاصيل الملهمة بدءًا من المشاركة في القِطاف ووصولًا إلى تناول شاي الورد الطائفي الذي يقدمه أصدقاء الأرض، لتنتهي الرحلة بهدايا سخية من الورد وذاكرة مشرقة باللحظات الجميلة.