ذّرت سفيرة الولاياتالمتحدة لدى الأممالمتحدة من "مجزرة واسعة النطاق" على وشك أن تشهدها مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، التي تشكل مركزا للمساعدات الإنسانية. وبقيت المدينة لفترة طويلة في منأى من المعارك منذ اندلاع الحرب بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو في أبريل 2023، لكن تقارير عن أعمال عنف في المدينة والقرى المجاورة بدأت ترد اعتبارا من منتصف أبريل. وقالت السفيرة الأميركية لدى الأممالمتحدة ليندا توماس-غرينفيلد خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي حول السودان إن الفاشر "على شفير مجزرة واسعة النطاق. هذا ليس بتخمين، إنه الواقع القاتم الذي يواجه الملايين من الناس". وأضافت غرينفيلد "هناك بالفعل تقارير ذات صدقية تفيد بأن قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها دمّرت قرى عدة غرب الفاشر، وبينما نتحدث، تخطط قوات الدعم السريع لهجوم وشيك على الفاشر"، محذّرة من أنه "ستكون كارثة إضافية". ونزح الملايين في البلاد منذ بدء الاقتتال العام الماضي بين الجيش وقوات الدعم السريع. وتشكل الفاشر مركزا للمساعدات الانسانية في دارفور، حيث يعيش ربع سكان السودان البالغ عددهم 48 مليون نسمة. إلى ذلك أعرب مفوض الأممالمتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، عن قلقه البالغ إزاء تصاعد العنف في مدينة الفاشر بالسودان، وما حولها في شمال دارفور، بعد ورود تقارير عن شن القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع "هجمات عشوائية باستخدام أسلحة متفجرة ذات آثار واسعة النطاق، مثل قذائف الهاون والصواريخ التي تطلقها الطائرات المقاتلة، في المناطق السكنية". وقال المتحدث باسم مفوضية حقوق الإنسان، سيف ماجانجو، خلال مؤتمر صحفي بجنيف، نشره الموقع الرسمى للأمم المتحدة، إن 43 شخصاً على الأقل، بينهم نساء وأطفال، قتلوا مع استمرار القتال بين الجانبين والميليشيات المتحالفة معهما في ظل توغل لقوات الدعم السريع في الفاشر. وقال ماجانجو إن المدنيين محاصرون في المدينة، وهي "الوحيدة في دارفور التي لا تزال في أيدي القوات المسلحة السودانية، ويخافون من القتل إذا حاولوا الفرار". وشدد المتحدث على أن الوضع المزري يتفاقم بسبب النقص الحاد في الإمدادات الأساسية، حيث إن عمليات تسليم السلع التجارية والمساعدات الإنسانية مقيدة بشدة بسبب القتال، وعدم قدرة الشاحنات على العبور بحرية عبر الأراضي التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع. وقال المتحدث، إن قوات الدعم السريع شنت منذ أبريل عدة هجمات واسعة النطاق على قرى غرب الفاشر التي يسكنها في الغالب مجتمع الزغاوة العرقي الأفريقي. وأضاف المتحدث: "قامت قوات الدعم السريع بإحراق بعض القرى، بما في ذلك دورما وأموشوش وسارفايا وأوزباني. وتثير مثل هذه الهجمات القلق من احتمالات وقوع المزيد من أعمال العنف ذات الدوافع العرقية في دارفور، بما في ذلك عمليات القتل الجماعي. وفي العام الماضي، أدى القتال والهجمات بين الرزيقات والمساليت في غرب دارفور إلى مقتل وجرح مئات المدنيين، ونزوح الآلاف من منازلهم". وأوضح ماجانجو إن المفوض السامي لحقوق الإنسان يدعو إلى الوقف الفوري لهذا التصعيد الكارثي، ووضع حد للصراع الذي اجتاح البلاد منذ أكثر من عام، وإجراء تحقيق في جميع الانتهاكات والتجاوزات المزعومة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني "بهدف ضمان المساءلة وحقوق الضحايا في معرفة الحقيقة والعدالة والتعويضات". وحث المفوض السامي طرفي النزاع وحلفاءهما على منح المدنيين ممراً آمناً إلى مناطق أخرى، وضمان حماية المدنيين والأعيان المدنية، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون عوائق. وسط الحرب المستعرة في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، يسعى سينمائيون سودانيون إلى لفت أنظار العالم إلى النزاع الدامي المنسي المتواصل في البلاد. وتقول الممثلة والمطربة السودانية إيمان يوسف، بطلة فيلم "وداعا جوليا" للمخرج محمد كردفاني والذي أنتج العام الماضي وكان أول فيلم سوداني يشارك بمهرجان كان، لوكالة فرانس برس، "حاليا، هذه هي الفترة المناسبة التي يمكننا أن نعبّر فيها عن أنفسنا وعن القضايا المسكوت عنها"، مضيفة "نستطيع أن ننتج ولو إنتاجا بسيطا". وكانت يوسف تتحدّث على هامش النسخة الثامنة من مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة الذي أقيم الأسبوع الماضي في محافظة أسوان في أقصى جنوب مصر، وشاركت فيه خمسة أفلام سودانية قصيرة. من بين الأفلام السودانية المشاركة، فيلم "طوبة لهنّ" للمخرجة السودانية رزان محمد، والذي يسلّط الضوء على نساء نزحن من معسكر للاجئين في العام 2003، عندما اندلعت الحرب في إقليم دارفور في غرب البلاد. وفيلم "نساء الحرب" للمخرج السوداني القدال حسن الذي يتناول قضية النساء في مناطق الصراع بولاية النيل الأزرق في جنوب البلاد، وتأثير الحروب عليهن وعلى ذاكرتهن. وتقول يوسف "الحروب والأزمات تتعبنا نفسيا، لكن تعطينا درجة من الإصرار لمواصلة أحلامنا وإبراز الأفكار". وتشير إلى أن "الحرب الحالية جعلت السودانيين في حالة نفسية مضطربة، لكن لا حل آخر غير أن نستمر في تطليع الأفكار". ومنذ عام، اندلعت حرب في السودان بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان ونائبه السابق محمد حمدان دقلو وأدّت إلى سقوط آلاف القتلى. كما دفعت البلاد البالغ عدد سكانها 48 مليونا إلى حافة المجاعة، ودمّرت البنى التحتية المتهالكة أصلا، وتسبّبت بتشريد أكثر من 8,5 ملايين شخص، بحسب الأممالمتحدة. وعلى مدار عقود، عانت السينما السودانية تحت حكم الرئيس المعزول عمر البشير من قيود دينية ومن أعراف المجتمع المحافظ ومن القمع السياسي. ورغم الأزمات والحروب التي تلت سقوط البشير في العام 2019 تحت ضغط شعبي، تقول يوسف "هناك اليوم قدر من الحرية لم تكن موجودة من قبل"، في إشارة إلى "ثورة" ديسمبر 2018 التي وصفتها بأنها "لم تكن ثورة سياسية فقط، بل ثورة في الأفكار والأخلاق والوعي". وتتابع "هذه هي الفترة التي يفترض أن تُخلق فيها الأفكار من الشباب السوداني الذي كان يشعر بقيود من قبل". بعد انتفاضة 2018، أنتج فيلم "ستموت في العشرين" للمخرج أمجد أبو العلاء بعد فترة توقّفي إنتاج الأفلام الروائية الطويلة دامت 20 عاما. وكان الفيلم أول عمل درامي سوداني يُرشح إلى جوائز الأوسكار، وتدور قصته حول شاب تقول نبوءة من أحد الدراويش الصوفيين إنه سيموت حينما يكمل عشرين عاما، فيقضي أيامه في قلق وترقب حتى يحدث ما يغير حياته تماما، إذ يلتقي مع مخرج مغامر في قريته يستعرض معه تجاربه في الحياة. ثم جاء "وداعا جوليا" ليحكي قصة انفصال السودان وجنوب السودان في العام 2011، وقد حقّق نجاحا تجاريا في دور العرض في البلدان العربية ومن بينها مصر، وهو ما يعد قليل الحدوث بالنسبة لفيلم عربي غير مصري. وتقول يوسف التي كانت تمثّل دور منى في الفيلم "انفصال الجنوب كان حدثا كبيرا أثّر فينا كثيرا". ويتمنّى المخرج السوداني محمد الطريفي "عدم توقف صناعة السينما مجددا". ويقول "هناك اجتهادات منّا حتى لا تتوقف، ولكن الإنتاج السينمائي في السودان وليد المعاناة أصلا". ويرى الطريفي أن "الشتات يخلق إبداعا أكثر"، موضحا أن "التواجد السوداني الكبير في القاهرة والحراك الفني المصري النشط سيسفران عن إنتاجات أكثر". ومنذ اندلاع الحرب في السودان في 15 أبريل 2023، عبر إلى مصر أكثر من 500 ألف سوداني. ويقول الطريفي "القاهرة ستكون مكانا لانطلاق مشاريع سودانية (فنية) جديدة مثلما كانت دائما في السابق".