جميلة هي فكرة الخروج إلى المقاهي والمطاعم لما تحمله من بهجة وترويح عن النفس، ولما تساهم فيه من لقاءات الأصدقاء، والتعرف على مستجدات الأطعمة والمشروبات، وأيضًا إنجاز بعض الأعمال خاصة في المقاهي المهيأة لذلك، ولكن أصبحت ثقافة اللقاءات الخارجية شبهه سائدة ومسيطرة بنسبة كبيرة خاصة في المجتمعات النسائية، تضاءلت الزيارات المنزلية الجميلة، أُغلقت أبواب البيوت، وبدأت ثقافة الضيف والضيافة بالانكماش بعد أن تحولت تلك الزيارات إلى عبءٍ كبير، لذا اُستبدلت بالمطاعم والمقاهي التي فتحت أبوابها لاستدراج لقاءاتنا، لنتحول مع الأيام إلى ضيوف وزوَّار ومضيِّفين خارج بيوتنا، مفتقدين حميمية تلك الزيارات الدافئة، رغم أننا من سلالة قوم كانوا يضعون في منازلهم غرفًا للمسافرين العابرين فكيف بضيافتهم للأقارب والأصدقاء، لا أعرف ما الأسباب الحقيقية وراء العزوف عن الزيارات المنزلية، ولكن بدا لي أن مظاهر الضيافة والمبالغة والتكلف أصبحت عائقاً حقيقياً، حيث تحولت الزيارة الوِّديَّة إلى مراسم ضيافة مثقلة بالجهد والعبء المادي والمعنوي للزائر والمُزار، وأصبحت الزيارة ساحة مبارزة لإظهار كل ما هو مميز ونادر، فلم تعد القهوة والشاي والكعك والحلوى ضيافة لائقة بالتحديث الزمني وبعدسات التصوير التي أصبحت مؤشراً خطراً في حياتنا، لم تعد التفاصيل البسيطة كافية لقضاء وقتٍ ممتع بعد أن خضعت الضيافة لمقاييس الموضة والتطور، لذا أُغلقت الكثير من مجالسنا، توافدنا على ضيافة المقاهي والمطاعم لسد الثغرات التي أقنعنا بها الوعي الجمعي، ففقدنا القناعة بضيافتنا ومقتنياتنا، فقدنا تلك الجلسات الحنونة في ظل العالم الواسع، وغادرنا جدران البيوت الرؤوفة إلى المساحات المفتوحة في المطاعم الكبيرة، والتي أصبحنا نلقي ضيوفنا وأنفسنا على عاتقها رغم أن بيوتنا جميلة وضيافتنا أنيقة ولكن هي التبعية التي سحبت قناعاتنا بما نملك وأفقدتنا الرضا، فأصبحنا نخشى فتح أبوابنا وممارسة إمكانيتنا في استقبال وإكرام الضيف، أصبحنا نجاهد لصنع استقبال فاخر معبأ بالأطعمة والحلويات النادرة لتليق بحديث الناس، حتى الزائر أصبح يتثاقل في القدوم دون إحضار هدية أو حلوى معينة تحمل الندرة والتميز، وكأن تلك التفاصيل هي مقاييس العلاقات الإنسانية، لا أعرف من زرع تلك الأفكار في هويتنا الاجتماعية؟ من انتزعنا من العادات القديمة المتأصلة منذ عصور أجدادنا، من وضع مراسم لأنواع الضيافة، من أرهقنا بضرورة التجديد المستمر للأثاث والأطباق والأطعمة، الحياة لا تُعاش مرتين فمن المفترض ألا نستهلك أنفسنا وأن نواجهها بإمكانياتنا ونستمتع بما نملك، وأن نفتح بيوتنا فلا خير في الأبواب المغلقة، وأن نربي أجيالنا على ثقافة الضيف والبيوت المفتوحة، أنا لست ضد المطاعم والمقاهي بل أجدها من ملذات الحياة ولكن أنا ضد تحولها إلى بدائل للبيوت، لو مارسنا الحياة ببساطة وقيمة ستكون متعتنا أكبر.