عبر تشابه بليغ ثري بين القصيدة والفن البصري، تأثر بعض الفنانين بقصائد الشعراء المبدعين وترجمتها لأشروحات ناطقة بالإبداع، وتجسيد حالة فنية من وحي قصيدة تلامس شعوره، وترجمة الصور الناطقة في القصيدة لصور ذات منحنى حداثي، عبر طرق تناول الصورة، فالعمل الفني كنص صامت حامل لمعانٍ عميقة وتأويلات لانهائية قادرة على إثراء الوعي الجمالي والفني للمتلقي للقراءة وإدراك معاني العمل ومضامينه كقراءة القصيدة. «الحسيني علي» وتسطير الأجواء الغنائية وفي الفن البصري شخّص عدد من الفنانين صوراً شاعرية وأجواء غنائية، تنحو عن الدلالات المباشرة لطرح القضايا والأطروحات، وأبرزهم الفنان «الحسيني علي» أحد الراديكاليين ذو الشخصية الدالة والدراسات الممنهجة التحليلية والمتعمقة لجوانيات الطبيعة، والذين ولجوا لكوكب الفن، لهجر قضايا الزخرفة وتقليدية معالجة الأسطح، عبر الإبحار بعقلية منفتحة دون توقف، في منحنيات زاخرة محتشدة بالخيال الجامح والتصورات المجاوزة للتقليدي، من خلال أنساق مع رهيفة الحس لمنظومة ذات مستوى أدبي شعري، لتخطي النهج الصارم لإظهار التفصيلات الفرعية، وتأسيس متغيرات وتحولات جذرية في الهيئة البنائية والمفاهيمية للعمل. ليتمتع الفنان بخصائص تفردية ودأب وصيرورة، وهجر تلك الحيزات التي تنطلق من مجرد تسجيل الرؤية والتدوين، لصالح ترجمة الأفكار تعبيرياً ومفاهيمياً لشخوص مفعمة تسكن بيئات حالمة تنفك خلالها الرسائل وتصل للوجدانية عبر طاقات التعبير والغنائية الشاعرية، واستحضار انفعالات يكثفها الفنان، عبر الدفع بصور ذهنية غير معتادة للمتلقي، والولوج لنستولوجي الحنين للماضي بأحداثه وذكرياته، والالتقاء بالذكريات والتفاعل مع تداعيات الأحداث القديمة، وتشخيص أجواء مناخية قفزت له عبر الرصيد الذهني والطاقة الحنينية الجارفة للعالم البريء الملهم، كينبوع ملهم تتيح للمشاهد أن يشارك تجربة الفنان الخصوصية بصورة تأملية وتحليلية ونقدية. ودائماً ما ينقل الحسيني علي مشاهده إلى تجارب مختلفة تماماً توصف بأنها إرهاصات الفن واستشرافاته الحديثة، عبر بهجة لونية وسيكولوجية دلالية للون، لا يعطل تلك الممرات التي تتدفق من خلالها الأفكار غير المتوقعة، لتتحول الألوان على مسطح العمل لأنغام تحفز الشعور الخالص في النفس، وتزرع المتعة الجمالية للمتلقي تجاه البلاغة اللونية، والتراكيب المشبعة وتأثيراتها الحسية، والشحنات العاطفية لقائد أوركسترا وفيلسوف مكين يرتكل للتقنيات الأدائية وطرق تطبيق اللون والصياغة. التجريد التخيلي والمكنون لدي «أحمد محيي حمزة» وباستحضار عدد من الأسماء لصيرورة ذات الفعل الحيوي في مشهدية الفنون البصرية، ينبري «أحمد محيي حمزة» كأكاديمي وباحث فني نحت لنفسه درباً يصدح بأبجديات جمالية خاصة، وطرح بنائيات مستحدثة تصطبغ بدرجات من الاختزال والتجريد التخيلي، ليصبح العمل الفني لديه تعبيرياً تألفه مخيلته الإبداعية، ويسطر فيه شعور وانفعال ناضج، يستحضر قيم بصرية وجمالية من مشاهد لإيماءات وحركات الوجوه البشرية، وتقلع تلك الأعمال من زخم الرسائل التي تشحذ المتلقي للتوقف كثيراً أمامها ليسأل ويتحاور ويتجادل مع نفسه لطرح الإجابات والتفسير. والتلميحات المفاهيمية المعبأة بإحساس حركي مفعم، لإعلاء الأجواء الغنائية التي ترفع من قيمة العمل، بموازين توجه حداثي معاصر تعزز انفعالاته الداخلية عن العنصر البشري بإحساساته العاطفية وإيماءاته، لتصبح الصورة الإنسانية مشحونة بالطاقة التعبيرية والأبعاد الرمزية، والجاذبية التي تعمق الشعور واستثارة المخيلة لتلمس انفعالات وإحساس وفكر الفنان والتفاعل الدؤوب معها. لذا فقد نحت «أحمد محيي حمزة» رموزاً خاصة وشروحات تعبيرية ومداخيل صدحت عبر قراءة مرجعيات وأسانيد فكرية، خصبت مدخلاته الفنية وشاعرية أجوائه، وإيجاد الربط والانسجام فيما بين الكتل اللونية المغلفة بالخواطر والأحاسيس والهمس الشاعري، والتي يمثل اللون فيها الدور الرئيس والبعد الدرامي البصري الذي يصدر أحاسيس وانطباعات أسطورية، توازياً مع حيوية الحركة والعناية باتجاهاتها وحكمة توزيعها عبر أماكن محدده بعينها والتركيز على لغة التباينات، بما يتقاطع لتشكل حالة ملهمة. وعمد «أحمد حمزة» عبر نحو مشحون بالعاطفة لترجمة قدرات خاصة في طرق الأداء، وطرق الإغراق في التفكير العميق لتكثيف عاطفي وهمس شاعري حالم يزخر بعنفوان اللون، للانتقال من عالم الواقع لعالم الخيال والأحلام، والتأكيد على الطبيعة تعبيرياً وشاعرياً، والوصول بالفكرة داخل أنساق تعبيرية غنائية دينامية، تستطيع التخلص من كل شوائب المادة، وتتنوع معها إيقاعات ومساحات الإدراك لدى المتلقي. «جيهان فايز» بيئات ميثولوجية تدشن الأثر لم ترتكل «جيهان فايز» لتنظيمات شعرية معتادة لحكاءة بصرية، بل ولجت لتخصيب جدر المحلية والهوية بخيال، تدونه حالمة لامتلاك وجدانية المتلقي لأثيرية وميثولوجي عوالم خاصة، وتدشين التجاوب التفاعلي مع العمل ورسائله المفاهيمية، لتدشين الأثر والملمح الخاص في نفس وروح الفنانة، وينعكس على تكويناتها الفكرية، عبر ذلك البوح الوجداني والعاطفي لما تثيره الحالات الذهنية للأشياء في الفنانة، للنحو عن التفكير الأرسطي والمحاكاة الأفلاطونية، لشخذ الإحساس بالتوهج والصيرورة والتعبيرية المصطبغة بشاعرية هامسة عاطفية تدعمها جرأة تدفق اللون ومخططاته الفكرية، وعلاقاته وقيمه الظلية والملمسية، لتتوارى الموجزات الشكلانية والهيئات وتكثيف لغة التباينات والنورانية والضياء اللوني والخيال الأسطوري الجاذب لحواس المتلقي، لتسطير نبض وشاعرية مستقاة من المحيط والاستغراق بهدوء في مسائل (ماورائية-غامضة). لتنبري عوالم «جيهان فايز» الفنية الساحرة ذات العمق والمستوي الدلالي، التي تنحو عن الظاهر الشكلاني، لصالح معالجات من فنانة تمتلك أدواتها، ونتاج فاعل وحصيلة للتأمل المتعمق للمحيط الزماني والجغرافي والسيسيولوجي، وما تكتنزه من أنساق دفينة من المرئيات، وما تراكم في مخيلتها عن طبيعتها ومرئياتها، لتعزيز الفعل الإبداعي، وتعضيد فكرة العمل ورمزيته، لتتسم أعمالها ببيئة ميثولوجية تسكن فيها كتل شاعرية نابضة بدرجات لونية حالمة، في دينامية إيقاعية داخل نسيج، يخصب أجواءه طقس يدعم قوى الترابط والتجاذب، لتتحول داخل هذا النسق الإدراكي لمفهوم يتفاعل ويتوحد مع التنظيم الفراغي المستحدث، وتصدير خطابات بصرية كتمثيل فاعل حيوي ومعادل للحقيقة التي تطرحها مخيلة الفنانة، دون الغلاف الظاهري في الواقع البصري المحسوس. *الأستاذ بكلية التصاميم والفنون المساعد - جامعة أم القرى