ونحن اليوم على مشارف تدشين أول أوبرا سعودية بنكهة عالمية بأسلوب تاريخي من تراثنا الثقافي من خلال الأسطورة «زرقاء اليمامة»، نستعرض هنا نزراً يسيراً لتسليط الضوء على هذا الفن العريق، وهل سيضيف لنا على المستوى الفردي والوطني. الأوبرا هي فن مسرحي يجمع بين الموسيقى والغناء والتمثيل، ويعد أحد أبرز التعابير الثقافية في العالم، تاريخ الأوبرا يعود إلى القرون الوسطى في أوروبا، ومنذ ذلك الحين أصبحت فناً عالمياً يحظى بشعبية كبيرة. تعد الأوبرا واحدة من أهم وسائل الفن والتعبير الثقافي في العديد من البلدان، وتشكل جزءاً لا يتجزأ من التراث الوطني لكثير من الثقافات، تعود أصول الأوبرا إلى الإغريق القدماء، حيث كانوا يقدمون مسرحيات غنائية تجمع بين العرض المسرحي والموسيقى، ومع مرور الوقت، تطورت الأوبرا في إيطاليا خلال القرن السادس عشر، حيث بدأت العروض الموسيقية المسرحية تحظى بشعبية كبيرة، انتقلت الأوبرا فيما بعد إلى بلدان أخرى في أوروبا، مثل: فرنسا وألمانيا وروسيا وإنجلترا، وأصبحت محط اهتمام النخب والمجتمعات الأرستقراطية ثم أصبحت تحظى باهتمام عموم الجمهور. تلعب الأوبرا دوراً مهمًا في تعزيز الثقافة المحلية والتراث الوطني للبلدان التي تستضيفها، فهي تعكس في العديد من الحالات الموسيقى التقليدية للبلد الذي تقام فيه، وتستخدم الموسيقى المحلية والألحان التقليدية لإضفاء طابع فريد على العروض الأوبرالية وتعزيز الهوية الثقافية للمجتمع المضيف. تقدم الأوبرا غالباً بلغة محددة، ومع ذلك، يتم توفير ترجمات أو ترجمة شفهية للسماح للجمهور بفهم النصوص والأغاني الأمر الذي يساهم في نشر اللغة المحلية وتعزيزها وترسيخها كجزء من التراث اللغوي للبلد. وتعتمد الأوبرا على القصص والروايات الكلاسيكية والتاريخية، وتعيد إحياءها على المسرح، من خلال أداء هذه الأعمال المسرحية لإبراز التراث الثقافي والأدبي للبلد المضيف، وتحفيز الجمهور على استكشاف وتعزيز هذه القصص التراثية وترسيخها في أذهانهم بأسلوب فني راقٍ. تشتهر الأوبرا بالإنتاجات الفنية الرائعة، بما في ذلك الأزياء والديكورات وتصميم المسرح ويعمل الفنانون والحرفيون المحليون على إنتاج هذه العناصر، مما يعزز الصناعات الفنية المحلية ويحفز الاهتمام بالحرف التقليدية والتراثية للبلد. هناك جوانب اقتصادية عديدة لهذا المشروع حيث تعد الأوبرا وجهة سياحية مهمة للعديد من الزوار الذين يسعون للاستمتاع بالعروض الموسيقية والمسرحية ذات الجودة العالية مما يؤدي إلى تعزيز السياحة الثقافية ودعم الاقتصاد المحلي من خلال زيادة تسجيل حضور في الفنادق والمطاعم وحركة واسعة للأنشطة التجارية وغيرها المرتبطة بهذه الزيارات. توفر الأوبرا فرص عمل متنوعة في القطاع الثقافي والفني، يشمل ذلك الفنانين والمغنين والموسيقيين، علاوة على الفنيين والمصممين والموظفين في المجالات الإدارية والتسويق والتذاكر والإنتاج، لذا؛ فإن تنظيم الأوبرا يتطلب فِرَقاً كبيرة من المتخصصين والعاملين، مما يعزز فرص العمل ويحفز النمو الاقتصادي المحلي. جانب آخر في غاية الأهمية، فالأوبرا فن جاذب على المستوى الدولي وتجعل البلد محط أنظار المجتمع العالمي في عالم الفن والثقافة من خلال تنظيم العروض الأوبرالية عالية الجودة وبطريقة مبتكرة خلاقة وحديثة على الساحة الثقافية الأوبرالية، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة السياحة الثقافية والاستثمارات الأجنبية المباشرة، وبالتالي يعزز صورة البلد ويساهم في ترويج السمعة الفنية والثقافية فضلاً عن التنمية الاقتصادية التي تعد أولى أولويات بلدان العالم. وبلا شك فإن القائمين على هذا المشروع يُدركون تحديات محتملة يمكن أن تواجه إقامة الأوبرا ومنها الجانب المالي الكبير لبناء مرافق متخصصة وتعضيدها بالتجهيزات اللازمة، وتعيين فرق فنية وإدارية مؤهلة، وتوفير الموارد المالية لإنتاج العروض وهنا تبرز أهمية الاستدامة المالية لمسرح الأوبرا لتكون مصدر دخل مستدام للتمويل. قد يكون التحدي الأساسي هو جذب الجمهور المحلي والحفاظ على اهتمامه بالأوبرا، فلا نغفل بأن الفن الأوبرالي والموسيقى الكلاسيكية غير مألوفين للبعض بل للكثير، وأن الاهتمام ربما يكون محدوداً في مجتمعنا المحلي، لذا؛ يلزم توعية الجمهور وتشجيعه على حضور العروض وتجربة الأوبرا كنوع فني مميز، حتى لو لزم الأمر تخفيض رسوم الدخول، ابتداء. هناك أيضاً التحديات التقنية فقد تحتاج المسارح الأوبرالية إلى استخدام التكنولوجيا المتقدمة والأنظمة الصوتية والإضاءة المعقّدة مما يتطلب الاستثمار في التجهيزات التقنية المناسبة وتوظيف فرق فنية ماهرة للتحكم في هذه التقنيات وهي تقنيات تكنولوجيا مكلفة وتحتاج إلى صيانة وتحديث مستمر للحفاظ على جودة العروض والتجربة المسرحية. ولا شك بأن المنافسة مع وسائط الترفيه الأخرى محتدمة، وهي ضمن التحديات، لا سيما في هذه المرحلة كالسينما والحفلات الموسيقية الشعبية والأحداث الرياضية والمنصات الأخرى ومن ثم فإن على الأوبرا تكوين جمهورها من خلال تقديم تجارب فريدة وجذابة للجمهور والترويج لقيمتها الثقافية والفنية. ومع ذلك، يمكن التغلب على هذه التحديات من خلال استراتيجيات محددة ومنها التوعية والتعليم حيث يمكن البدء ببرامج توعوية وتعليمية تهدف إلى زيادة الوعي بالأوبرا وفهمها عبر تنظيم ورش عمل ومحاضرات وجلسات نقاش تستهدف الجمهور المحلي، لتثقيفهم عن الأوبرا وتاريخها العريق وأنواعها المختلفة والعروض القادمة وتوفير موارد تعليمية عبر الإنترنت للتعريف بالأوبرا وتشجيع المزيد من الناس على استكشافها.