أحاور بعض النسوة وهن في حيرة من أمرهن، محتارات وقلقات أي أنواع الحلوى يحملن معهن عند الذهاب لزيارة أقرباء وأصدقاء سواء لسلام العيد أو غيره؟! هذه الحيرة يحسبها البعض سهلة وهي ليست كذلك، فقد أصبحت من أشد أعراض معقدة لمرض اجتماعي أو متلازمة أمراض اجتماعية خطيرة ترتبط جميعها بحمى التنافس القائم على التقليد الأعمى الذي تفعله الغالبية دون قناعة من أي منهم، فمثل هذا الشرط أو المتطلب الدخيل علينا أصبح سببا للتقاعس عن التواصل، ليس بسبب تكلفته عند البعض ولكن بسبب صعوبة تحقيقه بما يرضي طموح المتنافسين على الماركات والشكليات والأحجام والنوعيات، وفي الغالب أن طبق الحلويات أو الكعكة المميزة هما ميدان التنافس في ما تحمله الزائرة معها كهدية لمن تزور، وهما بالمناسبة الطعام الذي يؤول لسلة النفايات فلا يستفاد منه، لأن التوجه العام حاليا هو تجنب أكل الحلويات إما لاتباع حمية تخفيف وزن أو حمية تحكم في السكري، وهذه وربي من المفارقات العجيبة وهي أن تهدي ما تعلم أنه لا يستفاد منه! ألم أقل لكم إنها متلازمة مرضية معقدة الأعراض. قلت لإحداهن وهي تعبر عن حيرتها في أي حلوى تختار: أتقصدين الطعم؟ قالت لا، فهو لن يؤكل! قلت ضاحكا: (إذا هو الوزن فخذي من حلويات سوق الديرة حيث الخيشة فيها عشرة كيلو بمئة ريال)، ضحكت وقالت: يا لك من قروي أتريدني أن أصبح ترند مسخرة في مجالس النساء! لا بد أن يكون ماركة مشهورة وغالية وتقديم متميز، والمشكلة أن الماركة الأشهر سبق أن أحضروها هم لنا ولا بد أن أغير، هنا عرفت أن المتلازمة المرضية معقدة جدا فاقترحت عليها (لماذا لا تذهبين لهم بدون أي شيء وتعلقين الجرس؟!) قالت: شكلك ما تعرف الحريم!! ولأنني أثق في صلاح ووعي مجتمعي نساء ورجالا وأنهم وإن اندفعوا للتقليد برهة من الزمن فإنه يسهل إعادتهم للتقاليد الحميدة الأصيلة عندنا، لذا أقترح هنا أن نتوقف عن التأثر بتقليعات دخيلة علينا من متمصلحين وأن نعود لتبادل الزيارات دون كلفة أو تكاليف تحرج غير القادرات منا (وهذا يحتاج لمن تعلق الجرس وتبدأ) وإذا كان لا بد من حمل شيء فلتكن هديتنا مما يستهلك ويستفاد منه في منزل من نزور، فمثلا كيس قهوة أو علبة هيل أو زعفران أو كمية من العود الطيب أو علبة شاي فاخر أو سلة فاكهة منوعة أو تشكيلة من أجود التمور، وبهذا التنوع نوسع على أنفسنا مجال الاختيار ونمنح فرصة للأقل اقتدارا أن يختار ما يقدر عليه، والأهم أن نهدي ما يفيد ونقطع الطريق على من روّج للحلوى والكيك والزهور كأسلوب إهداء دخيل يخدم تجارته وغشه وتدليسه فالتنويع عدو الاحتكار. وأذكركم بما طرحته في هذه الصحيفة الغراء منذ ثلاث سنوات وتحديدا في 21 مارس 2021 م بعنوان (كيكة وزهور وعاجز مقهور) وقلت فيه: منذ متى ونحن كسعوديين لا ندخل على قريب نزوره إلا ونحن نحمل "كيكة" أو طبق حلوى باهظ الثمن؟ ومنذ متى ونحن كسعوديين لا نعود مريضاً إلا ونحن نحمل باقة زهور؟ وقبل أن أقول متى تحديداً، دعني أقول أولا إنها أساليب ثبت ضررها وقلة نفعها وخلقت تنافساً محرجاً لغير القادر على ثمنها، وتسببت في قلة التواصل بين الأقارب -قبل كورونا والتباعد- ففلانة من المؤكد أنها ستحضر كيكة ضخمة أو حلوى ماركة، وعلانة ترغب بالحضور لكنها لا تقدر على ثمن مثل تلك الكيكة أو الحلوى، وإن جلبت أقل منها -من حلوى الديرة أو وسط البلد مثلاً- فستكون مادة للسخرية و"كوميديا السنابات"، وما يقال عن كيكة الزيارة يصدق على باقة الزهور للمريض، فبعضها ويشهد الله أنني كنت أمر في ممرات المستشفى وأحسبها نخلة تحتاج إلى صعودها بحبل الكر وشمراخ لقاح!! أما الضرر الصحي فعظيم جداً، فالكيكة ويسمونها بالمناسبة "كعكة" مليئة بالسكريات والأصباغ والدهون والمواد الملونة الضارة المصنفة عالميا كمسرطنات، والزهور قد تسبب الحساسية للمريض أو جاره في الغرفة والعنبر وإذا نشفت فخطورتها أكبر.