عن تطور المشهد الثقافي في المملكة تقول الروائية والشاعرة والكاتبة السودانية آن الصافي: «المتابع للحراك الثقافي والمسار الفكري والإبداعي بالمملكة العربية السعودية، سيجد أن هناك دوماً نشاطاً ومنجزات وأسماء شقت طريقها إلى الإقليمية فالعالمية. وفي العقد الأخير شهدنا نهضة حقيقية بثت في هذا الشريان لنشهد ونعايش مواكبة وإنشغالاً لفاعلين في هذا الحقل بشكل ناضج وواعٍ ومواكب لمتطلبات المرحلة بمنهج علمي ونوعي متميز. أي مكتسب في مجال الفكر والإبداع يحسب ليس لخارطة المملكة فقط ولكن يتسع لجميع دول المنطقة؛ فأثر السعي الجاد بنجاحه يضيء ما حوله بكل تأكيد». وتضيف آن الصافي في حديثها ل»الرياض» عن تجربتها كضيفة في برنامج «المعتزلات في المملكة»: «تشرفت بأن أكون ضمن الدفعة الأولى ببرنامج معتزلات الكتابة وإقامة الكتاب، تحديداً إقامة الكتاب بالمملكة العربية السعودية وذلك في يوليو -أغسطس 2023. كانت إقامتي بقلاع وقصور طبب التاريخية، لآل أبو نقطة المتحمي، بأبها، عسير. هناك تعرفت على الثقافات العريقة وجمال الطبيعة وتاريخ المكان، وأعني بالكتابة الخضراء عبر مشروعي الأدبي والفكري الذي أعمل عليه، في ظاهر الأمر أنني زرت تلك الإمارة البديعة تحت مسمى السياحة الثقافية ربما، ولكن وعن جدارة وجدت أني فعلاً أمام مفهوم أشمل للسياحة، وهو السياحة المستدامة، والتي تشمل السياحة الخضراء، والسياحة البيئية، والسياحة الثقافية، والسياحة التراثية، والسياحة الجبلية.. جميعها متحققة على أرض الواقع. كما عرفتني إقامتي هناك بالكثير من التفاصيل التي ألهمتني بكتابة أوراق فكرية ثقافية وليس العمل السردي فقط الذي كتبت جزءاً منه أثناء إقامتي بل أيضاً أفكاراً لعدد من الأعمال القادمة بإذن الله. سعدت بلقاء عدد من الشخصيات الفاعلة بالمشهد الأدبي والثقافي، تعرفت على أنشطة ومشاريع ثقافية وفنية جميعها مبشرة بحاضر ومستقبل باهر. الحقيقة أينما سرت وجدت حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة وشعرت أني مع أهلي وأسرتي. أتيحت لي الفرصة للتعرف على إنسان المكان المعتز بهويته وتاريخه مروجاً لتاريخ المنطقة والموروث الثقافي والأدبي مع الانفتاح على الثقافات الأخرى والترحيب بالسائح. كل منكم وجدته سفيراً للسياحة، يحدثك عن هذه الأرض الطيبة وكنوزها التي يحتفي بها ويطلعك على تاريخها وحاضرها وما ينشده مستقبلاً متحققاً عبر أجيالها». معتزلات الكتابة عرفتني على كنوز السعودية رؤية وأهداف مبادرة هيئة الأدب والنشر والترجمة، التي أنشأتها وزارة الثقافة، متحققة عبر المعتزلات وإقامة الكتاب وعن جدارة. من ضمن ما لمسته وعشته، إيجاد بيئة محفزة على الإنتاج الأدبي التلاقي عبر اختيار مكان الإقامة وتهيئة البيئة والأجواء الثقافية، تعزيز قيمة الأدب في حياة الفرد، متحققاً ليس للكاتب والمتلقي فقط بل لجميع فئات المجتمع، تعزيز التواصل الفعال مع أصحاب العلاقة وذلك يشمل الكتاب والنقاد والفاعلين في المشهد الثقافي بالإضافة للعاملين في الحقل الصحفي والإعلامي.. عدا التعرف على جماليات وطنكم وثقافتكم والتي ما كنت لأصل إليها لولا هذه السانحة الطيبة. شكراً للقائمين على هذه المبادرة الرائدة والمهمة والملهمة، وتمنياتي للجميع بالتوفيق والسداد». وعن الواقع الثقافي ومستقبل الكتابة للأجيال الجديدة تؤكد آن الصافي: «التواصل بين الأجيال مهم، والتلاقي الثقافي مهم أيضاً، يبقى أن ننتبه أن لكل عصر آلياته وأدوات تخصه، عليه هناك دوماً قضايا وحلول مستجدة. ما يحدث على أرض الواقع محلياً وعالمياً ينقل ظواهر تستلزم الحكمة في التعاطي مع ثورة وثروة المعلوماتية، في دولنا يوجد عقول تعي قيمة وجماليات الثقافات الأصيلة من ناحية، ومن ناحية أخرى تجد أن مسايرة العلم واستخدام أدوات العصر وتوظيف المعلومة والمعرفة يتطلب فتح أبواب للدراسات والبحث والتفكر بشكل يخدم رؤى وأهداف تهم صناع القرار في شتى الحقول ومنها الأدب والثقافة والفنون. الكتابة ركيزة أساسية في كل ما يقدم عبر قنوات النشر التقليدية والمستحدثة، الواقع والمستقبل يستوجب الابتكار فيما يكتب، على سبيل المثال تحديات كاتب السرد عظيمة في ما يحدث الآن، كيف له أن يقدم أفكاره ورؤاه عبر الكلمة وهو يعي أن عقلية المتلقي من أجيال اليوم والغد قد اعتادت على ما يقدم عبر الشاشات، أياً كان مسماها. ينتقل من قناة لأخرى ومن تطبيق إلى تطبيق عدا شاشة السينما والتي أصبحت حاضرة في المحمول والحاسوب المتنقل. إذن كيف للقارئ والمتلقي أن يُجذَب لما تكتبه أيها المؤلف، من أول حرف لآخر حرف مما تسطره؟ هنا يأتي دور الابتكار في توظيف أدوات الكتابة وتقنياتها، لتقديم عمل مشوق وجاذب، يحتاج المؤلف لعوامل مهمة تفتحها أبواب الابتكار. لا يكفي أبداً الاعتماد على عامل الإبداع بالتكرار، فالتحديات محركة لأرضية منظومة الكتابة والتلقي، ظُن أنها ثابتة لوقت قريب. هناك الكثير من المواضيع التي يجب التطرق لها، والإبداع هو واجهة المجتمعات، لتتاح الفرص للكتابة بحرية والتلقي بموضوعية». وتؤكد الروائية السوداني أن الإبداع طريقنا للتغير: «في مشروع الكتابة للمستقبل الذي أعمل عليه، نحت مسمى «أكسير بس» ابتكرته لاستخدام مسمى القوة الناعمة بقالب جديد، تجنباً للتحسس من استخدام هذا المصطلح المتداول من قبل البعض. الإبداع من متطلبات العصر وتوظيفه في شتى الحقول يخدم ويقدم قضايا المجتمعات والهم الإنساني بشكل يعكس حال الأمس واليوم وما ينتظر في الغد بعين استشرافية ربما. بدولنا ثقافات متنوعة نتاج حضارات ضاربة في القدم. نؤمن بأنسنة المجتمعات من خلال بث ثقافة التسامح والترويج لجماليات ثقافاتنا بتنوعها، الأخلاقيات والقيم والمثل التي نراها قويمة وتؤكد ما يجب أن يكون عليه السمو الفكري والأخلاقي. النقد الثقافي نتمناه حاضراً مع ما يقدم من إبداع عبر الكلمة والصورة، أين نحن وإلى أين نسير. المنظومة المتكاملة تستوجب الحصافة في طرح دراسات وأبحاث تتعلق بما عليه مجتمعاتنا وما يجب أن تكونه، لا يعني أبداً الانفتاح الثقافي والعلمي أن نلغي مكتسباتنا التي ورثنا وأثبتت جدواها وقيمتها الإنسانية في كل وقت وكل مكان». وترى آن الصافي أن من أسباب قلة اهتمام الأجيال بالكاتب: «التكرار مع الانغلاق على ما كتب سابقاً، الوقت الراهن يدلنا أن الأجيال الحديثة تقرأ ربما الأدب المترجم من لغات أخرى للعربية أو تقرؤها كما كتبت بالإنجليزية والفرنسية، ببساطة هذه الأعمال تخاطب عقول هذه الأجيال بما يشغلها ويهمها ويلامس قضاياها. لن يجذب العمل الأدبي أجيال اليوم والغد وهو عازف عن القضايا الحقيقية لأجيال اليوم والغد، بلا تطوير وإعادة توظيف لتقنيات السرد بما يلائم رؤى وذائقة هذه الأجيال. في دول أخرى، توجد مؤسسات تقوم بهذا الشأن، الكتاب لليافعة والصغار ومتابعة ما يكتب وأثره على المدى القريب والبعيد. هناك أعمال تنقل عبر منظومة صناعات متكاملة، تقدم العمل في ألعاب إلكترونية ودمى وأفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونية وملابس... مكتسبات المملكة الفكرية تتّسع لكل العرب أبناء دولنا يتابعون كل ذلك وحين ذهابهم للمكتبة العربية في خانة كتب اليافعة والصغار، إن وجدت، فما هو بانتظارهم؟! مؤكد هناك محاولات جادة ومدروسة ربما واجتهاد وسعي من قبل البعض، كما توجد جوائز للتشجيع والكتابة لهذه الفئة، مع ذلك هل يكفي ما يقدم لهم؟ ما مردوده وأثره على هذه الفئة من القراء؟! هل من الممكن أن يشبع شغفهم؟ الباب مفتوح للمساهمة في هذا الحقل، ما يلزم فقط الموضوعية في التناول والطرح والوعي بأن عقلية هذه الفئات العمرية تطلب أن نرتقي درجتها لرؤيتها وفهمها». وعن علاقتها بالشعر تؤكد آن الصافي: «هوى الشعر يسكنني ودائماً أراه أكسجين اللغة ويجلي البصر في الكتابة ويحقق مطلباً مهماً في السرد يساعد في تخليق المشاهد الإبداعية. نعم، لم أصدر ديوان شعر بعد ولكن نشرت بعض ما نثرت في صحف سودانية ومواقع أدبية، وربما لاحقاً أفسح المجال في عوالمه بشكل أكبر». وفيما يخص القوة السردية وجمال التصوير في أعمالها الروائية تقول الصافي: «عادة أترك الآراء للقراء وأنشغل بتقديم ما أرتئيه عبر ما أؤلفه من أعمال فقط. مؤمنة بأن لكل وجهة نظر تخصه ولكل مساحته في التناول كتابة وقراءة وتفكر، ومؤكد لكل ثقافاته وقناعاته. مجملاً، المجال مفتوح للإبداع والابتكار، الموظف بشكل فني خادم للأعمال المقدمة كما يرى الكاتب، وكذلك لا يوجد نقد خاطئ». وفي حديثها عن الرواية السودانية، تقول: «في السودان الحركة الثقافية والفكرية مستمرة ومتغلبة على العراقيل والصعاب لأنها جادة وأصيلة والمبدع بطبيعة الحال يحمل هم مجتمعه. كان هذا الحراك داخلياً ومكثفاً، مع الهجرات الطوعية والقسرية ومع أدوات التواصل في هذا العصر وكذلك وفرة الجوائز التي تحتفي بالرواية، صعدت أسماء كتاب وأعمال روائية إلى المشهد العربي والعالمي. هناك سمات تجمع ما ينتجه كتاب هذا الوطن العملاق، على الرغم من وجود قرابة ال600 ثقافة متعايشة على ذات الأرض. كما ذكر الكاتب حمور زيادة إذا قرأت لي وللكاتب عبدالعزيز بركة ساكن وقرأت لأمير تاج السر ولعدد من كتاب الرواية في السودان ستحسب أن لكلٍ سودان يخصه، وكأن هناك عدة دول باسم هذا الوطن الواحد. الرواية السودانية بخير لأنها تميزت بالتنوع والأصالة والانشغال بالشأن الخاص بالوطن وقضايا شعبه، من الصعب تصنيف أو وضع ترتيب للأعمال الروائية المقدمة بالدول فالأمر يتعلق بالذائقة وكذلك معايير الجودة، ما هي، وكيف تستخدم». وعن الرواية في المملكة، تضيف آن الصافي: «أتابع ما أمكن، ما يطرح من أعمال على الساحة الأدبية، هناك خصوصية وتميز بفعل التنوع الثقافي على ذات الأرض التي عرفت حضارات ضاربة في القدم. الكتابة عن المجتمعات المحلية والتي تشمل قضايا تاريخية وحاضرة ومستقبلية تشير إلى أن الساحة الروائية بالمملكة خصبة وحضور الأقلام الجادة مع توفر المتابعة النقدية أمر صحي وجيد». تستوقفني رجاء العالم وانشغالها بالتفاصيل السردية «الأسماء عدة، ولي وقفات في المكتبة عند الرواية السعودية، غزارة الإنتاج وتميزه كما ذكرت بسبب تنوع الثقافات والطبيعة والموروثات الزاخرة بجماليات قيمة ومتفردة. تستوقفني الأستاذة رجاء العالم وانشغالها بتقديم تفاصيل ربما تتاح لها فرصة الوصول للقراء في مديات أكبر عبر الأعمال السردية. ماذا لو حولت أعمالها إلى الدراما وتحديداً السينما، سيكون الأمر إبداعياً متكاملاً. الأستاذ عبده خال روائي رائد وصلت أعماله للعالمية بما قدمه من تنوع ومواضيع إنسانية قيمة. الدكتور محمد حسن علوان، له قلم مداده ذهبي يجيد السرد بحرفية عالية ينتقي مواضيعه بحرص ويقدمها بتقنيات بارعة». وتطرح رأيها بقوة عن عالم الجوائز الأدبية، وترى الروائية آن الصافي: «بالطبع الحركة السردية والشعرية في إقليمنا إن جازت التسمية، تأثرت بالجوائز وتنوعها، فانتعشت الساحة، والتأليف، والنشر، والنقد والدراسات. بالطبع الأهم هو النوع وليس الكم، والنوع ليتميز يتطلب الجودة العالية وذلك لن يحدث ما لم يكن النقد حصيفاً ويستطيع سبر أغوار الأعمال المقدمة والكتابة عن جمالياتها والمبتكر منها. من الصعب خداع قارئ اليوم، فإن فاز عمل ليس جديراً بالتتويج ستثار زوبعة حول هذا العمل وكذلك الجائزة. الأمر يتطلب شيئاً من الشفافية في المعايير ربما، والموضوعية والحياد إن أمكن للمحافظة على المصداقية، العمل القيم سيبقى موجوداً بالجوائز وبدونها، ويخلد اسم كاتبه الآن وفي المستقبل». وتختم الروائية والشاعرة السودانية آن الصافي حديثها عن الروائية العربي الكبير الطيب الصالح وتكراره في عالم الرواية السودانية: «عبقري الرواية شيخنا الطيب صالح، له الرحمة والمغفرة، سبق الجميع في طرح أعماله خارج حدود الوطن، ونشر أعماله مع دار نشر كانت موضوعية في تقديمه. التنافسية حينها أظهرت اسمه مجدداً وخطاً مختلفاً مبتكراً في عصره. لذا كان وما زال حاضراً اسم أستاذنا الطيب صالح داخل وخارج السودان وعن جدارة. توجد أسماء لكتاب من السودان لم تجد حظها في تخطي حدود الوطن، لأسباب تتعلق بالشأن الداخلي هناك، وذلك قبل ثورة الاتصالات الحديثة وحضور أدوات الإعلام البديل. كما ذكرت مؤخراً حظيت العديد من الأقلام بالظهور والوجود في الساحة الثقافية من خلال الجوائز والملتقيات، وإن لم يرسخ اسم أو أسماء بعد، كما حدث مع أستاذنا الحاضر الغائب، فلربما هي مسألة وقت ليس إلا». جانب من زيارة الكاتبة الصافي للمملكة والأماكن التراثية وتكريم لها من نادي أبها الأدبي