اختتم الاربعاء الماضي الملتقى السادس للرواية العربية بدار الأوبرا المصرية بالقاهرة تحت عنوان "تحولات وجماليات الشكل الروائي" وقد أطلق على هذه الدورة اسم الروائي الكبير الراحل: فتحي غانم.. واستمر على مدى أربعة أيام، بحضور وزير الثقافة الدكتور عبدالواحد النبوي وكوكبة من كبار الروائيين والنقاد من الوطن العربي. وقد أكد د. النبوي أن وزارة الثقافة لا يسعها إلا أن تحتفي بمبدعى كتاب الرواية من الروائيين، وما هذا الملتقى في دورته السادسة إلا مظهر من مظاهر الاحتفاء والتقدير بالروائيين العرب والمصريين، لتؤكد لهم على حرية الإبداع والمبدعين، خاصة أن جانبا كبيرا من أعمالهم الروائية أصابت حظا وافرا من الانتشار، حين تحولت إلى أعمال سينمائية ودرامية، وهذا ما تسعى إليه وزارة الثقافة. وخلال جلسات الملتقى تحدث الروائي السعودي يحيي أمقاسم عن الرواية والخصوصية الثقافية في الدائرة المستديرة التي عقدت خلال الملتقى، قائلا: تشهد الكتابة الروائية العربية المعاصرة زخما في المنتج وتنوعًا في اتجاهات الكتابة، وفي الموضوعات الروائية المعبرة عن الهويات الفرعية لأقاليم الوطن العربي الثقافية. وإن هذه الأشكال وغيرها هي التي تكمن فيها الملامح الفارقة لهوية فرعية عما سواها، داخل المجتمع الواحد، أو على مستوى الوطن. مشيرا إلى حرصه على رصد هذا الحضور في الرواية العربية المعاصرة، بما يكشف عن جماليات الأداء. الابداع والتلقي وأضاف الروائي السعودي إبراهيم خضير: إن الروائيين العرب المجتمعين هنا، للحوار واستعراض منجزات الرواية العربية خلال العقود الأخيرة، هم ممتلئون بأسئلة حاضر المجتمعات العربية؛ فهو حاضر ملتهب بالصراعات الدموية، والأسئلة الحارقة المتصلة بمجاوزة التفكك والحروب الأهلية، وسطوة الأنظمة للحرية الكابحة للحرية والتغيير. إن الرواية العربية منذ بداياتها المتعثرة أواخر القرن التاسع عشر أخذت تلامس مواطن الجرح والثقوب مقلبة تربة اللغة والخطاب والقيم منذ أحمد فارس الشدياق وسردياته المنفتحة على تعدد مستويات اللغة وعلى معرفة الآخر، ومرورًا بفرح أنطون ورواياته التعلىمية الجريئة وتجربة نجيب محفوظ التأسيسية وصولاً إلى الفترة الراهنة، حيث غدت الرواية متنفسا وملجأ للكتاب والكاتبات الشباب في الفضاء العربي كافة، والإنتاج الروائى يضطلع بدور الاستكشاف والبوح وزعزعة الموروث المهترئ واقتحام مناطق المسكوت عنه. صحيح إن شروط الإبداع والتلقى والترويج لا تسعف الروائيين العرب على ربط صلات مادية مباشرة مع قرائهم، تحررهم من التبعية للمؤسسات المقيدة لحريتهم، إلا أنهم رغم ذلك، استطاعوا أن يتخذوا من الرواية فسحة للقول الجريء والتجريب الفنى المحقق للمتعة والتباعد عن الابتذال. "شهادات وتجارب.." هذا وقد عقد عدة جلسات بعنوان "شهادات وتجارب روائية" قام خلالها الروائيون بطرح تجربتهم في كتابة الرواية والمعوقات التي صادفوها وسبل اجتيازها. حيث قدم الروائي السعودي يوسف المحيميد شهادة بعنوان (في مختبري: علىَّ ألا أترك أثرًا خلفي). قائلا: ".. قبل بدء الكتابة، وإنجاز عمل روائي جديد، أتوقف طويلاً حول الشكل وبنية النص السردي، وجمالياته التي سأستخدمها في الكتابة، قد يستغرق الأمر بضع سنوات أحيانًا، وقد يتعثر طويلاً، وأحيانًا يمكنني القبض علىه، وعلى التقنيات التي سأستخدمها، في لحظة خاطفة، وغالبًا ما أكتشف أنني تعجلت، وما كنت أظنه مناسبًا لفضاء رواية ما، لم يكن كذلك، بل حتى عند الكتابة فعلاً، قد ينساق السرد، رغمًا عنّي، عمَّا خططت له، وعمَّا وضعته في ذهني. منذ روايتي الأولى (لغط موتى – 1996) وحتى روايتي الجديدة (غريقٌ يتسلَّى في أرجوحة – 2015) وأنا أحلم بشكل روائي مختلف، وأسعى إلى جذب القارئ بتكنيك مباغت، وإيقاعه في فخّ سردي جديد، ولعل السؤال الذي يشغلني خلال هذه السنوات من الكتابة، هو ما الذي يجعل فكرة ما تقود إلى اتخاذ شكل روائي محدد، وتقنيات فنية محددة؟ لماذا استخدمت تكنيك التناوب في السرد بضمير المتكلم في روايتي الجديدة؟ لماذا انتهجت في الفصول التي يرويها الشاب أسلوب التقطيع السردي، والمشهد البصري، بينما الفصول التي تسردها الفتاة منحت شعرية السرد اهتمامًا أكثر؟ هل بسبب أن السرد يُروى بشخصيتين مختلفتين، سينمائي شاب، وشاعرة طموحة؟ هل ما يقود إلى تقنيات السرد والشكل الروائي هي مواصفات الشخصيات، وملامح النص نفسه؟ ففي هذه الرواية "غريقٌ يتسلَّى في أرجوحة" حاولت توظيف العلاقة الحميمة بين الشاب والسينما، في تقطيع سردي، يتفاوت بين الواقع والمتخيَّل، بين المرئي في تاريخ السينما، والمتخيل في أفلام لم يتم تنفيذها بعد، أو ربما ما يحلم هو بتنفيذها، ومن جهة أخرى، وعلى النقيض تمامًا، ترفض الفتاة تسميتها بشاعرة، فهي مجرَّد قارئة، شغوف برسول حمزاتوف، تؤمن بالحكمة والفلسفة والشعر، وتدوّن مشاعرها وأحلامها الصغيرة. من هنا، أدلف إلى مكتبتي كما لو كنت أدخل معملاً أو مختبرًا، قد تفشل التجربة، وأرمي بها فورًا في سلَّة النفايات، أو قد تنجح الكتابة، فلا أجعل القارئ يرى منها سوى النتيجة النهائية، لذلك مهمتي الكبرى تتمثل في إتلاف العبارات غير الناضجة، علىَّ ألا أترك أثرًا خلفي، وأن أتلف طريقي المتعثّر إلى النص، مكتفيًا بالنص ذاته، مع أنني مهووس بقراءة تجارب الروائيين في العالم، ورؤاهم حول كتابة الرواية، وقصصهم الهامشية حول كتابة نص ما، وحتى طقوسهم اليومية، ليس بالضرورة أن أقتدي بها، لكنها تشعرني بالهدوء والسلام والطمأنينة. كثيرًا ما أجد عند غيري من هؤلاء فكرةً أو شكلاً أو تقنية كتابية، فكَّرت فيها مرارًا، ورأيت تأجيل توظيفها لهذا النص، لأنها غير متوائمة معه، حتى تمر الأيام، فأعثر علىها، وأغضب من ذلك، ليس لأنه سبقني إلى شكل جمالي معين، ولا إلى تقنية معينة، بل يسعدني ذلك، لكنه لم يهندسها كما كنت أفكّر فيها لسنوات، قد يكون كتبها بشكل أفضل، لكنها لم ترق لي. معالم النص التي أؤمن بها، هي أن هناك ملايين الشذرات من الحكايات المتنافرة، لكنها قابلة لأن تروى معًا، هذا التشظي قد أجد معه طريقة ما، ليصبح نصًا متكاملاً، كلّ شيء في الحياة قابل لأن يُروى، ولكن هذا يعتمد على قدرة الروائي، ودرجة حساسيته البصرية تجاه الأشخاص والأحداث والكائنات والأشياء، والتقاطه لكل التفاصيل الصغيرة، التفاصيل الغائبة غالبًا عن أنظارنا، وهذا ما حاولت سرده في روايتي الأخيرة "غريقٌ يتسلَّى في أرجوحة" بأن معظم اللحظات قابلة للسرد، لكن كيف ننظر نحوها، وننصت إليها، ونتحسسها، وندخلها في معمل الذاكرة، ثم معمل المخيّلة المفتوح، وأخيرًا معمل الكلمات المنسوجة بخيوط من حرير، حتى تتناسل منها حيوات كثيرة وباذخة." عشق الكتابة وقدمت الروائية السعودية زينب حفني شهادة عن تجربتها الروائيَّة بعنوان (أنا والحريَّة وعشق الكتابة) قائلة: إذا أردتُ التحدث عن عالم الكتابة الذي استهواني منذ صغري، علىَّ أن أعرِّج على مناخ الحرية التي يتطلع إليه كل مبدع استلَّ قلمه، ليعبر عما يجول في خاطره من أفكار وما يتطلع إليه من أحلام يتمنى أن ترسو يومًا على أرض مجتمعه. فالكتابة لا تنفصم عراها عن الحرية، وإذا بحثنا عن الحرية فلا بد أن ننبش في أروقتها عن الضحايا الذين هاموا بها من المبدعين، وقدموا أنفسهم قرابين من أجل أن تعيش سليمة العقل وصحيحة البنية! وقد كان سقراط الذي أُعدم بسن السبعين لآرائه الفلسفية في الإنسانية، من أوائل الضحايا الذين آثروا أن يموتوا شُجعانًا على أن يتراجعوا عن مواقفهم وآرائهم التي تبناها وقتها شباب زمنه. عندما أعود إلى الوراء لعقود عدة مضت، لا بدَّ أن تنجلي أمامي قرية أمي الريفية حيث تعود جذورها لهناك. كنا نأتي أنا وإخوتي بصحبتها من مدينتي جدَّة بالعطل الصيفية، وتأخذنا أمي إلى قريتها لزيارة أهلها. كان للطبيعة الخلابة دور كبير في تخصيب لبنة خيالي الأولى. عبده خال كان من المقرر ان يكون الروائي السعودي المعروف عبده خال الحائز على جائزة البوكر ضمن من يتحدثون عن تجربتهم الروائية، ولكن لظروف صحية طارئة لم يتمكن من الحضور وتمنى الجميع له الشفاء، وودوا حضوره لاثراء الملتقى لما له من تجربة وخبرة في كتابة الرواية. جائزة الملتقى وفي الختام أعلنت جائزة الملتقى والتي فاز بها للمرة الثانية الكاتب بهاء طاهر بعد اختياره بالاقتراع السري على أصوات أعضاء لجنة التحكيم بالإجماع. وقال الروائي بهاء طاهر عقب إعلان حصوله على جائزة ملتقى الرواية: إنه فخور بهذه الجائزة، وأعتبرها وساما على صدره، مضيفا: إنه ليس ممن يعتقدون أن الجوائز تعطي قيمة كبيرة لفائز إلا إذا كانت أعماله تعطيه هذه القيمة، وتمنى أن تكون هذه الجائزة من نصيب الشباب، مشيرا الى أنه يعرف الكثيرين من الكتاب الشباب الجديرين بالفوز بهذه الجائزة. هذا وقد ناقش الملتقى عدة محاور حول حالة الرواية العربية، وهي..الرواية وحدود النوع - اللغة في الرواية - تطور التقنيات الروائية - الفانتازيا والغرائبية - الرواية والتراث - الرواية والفنون - شعرية السرد - القمع والحرية - تقنيات الشكل الروائي - الرواية ووسائط التواصل الحديثة وخمس موائد مستديرة تناولت كل واحدة منها قضية من القضايا الإشكالية، الرواية والخصوصية الثقافية، الرواية الرائجة، الظواهر الجديدة في الرواية العربية الرواية والدراما.